مع وصول الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان إلى منصبه، دارت تساؤلات كثيرة في أسواق النفط، بشأن إمكان حدوث تأثيرات كبيرة، بعدما بدأ التقارب بين كل من طهران وواشنطن يظهر جليًا للعيان.
وفي هذا الإطار، يقول مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، الدكتور أنس الحجي، إن التناغم بين النظام الإيراني وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أصبح مثبتًا الآن، وواضح تمامًا.
جاء ذلك خلال حلقة جديدة من برنامج “أنسيات الطاقة“، الذي يقدّمه الدكتور أنس الحجي بمنصة “إكس” (تويتر سابقًا)، وجاءت هذا الأسبوع بعنوان “أسواق النفط بين انتخابات إيران وفنزويلا والولايات المتحدة”.
ولفت إلى أن إنتاج النفط الإيراني زاد بشكل كبير في عهد بايدن، وكذلك زادت الصادرات الإيرانية بشكل كبير، وكان هناك ضوء أخضر من الإدارة الأميركية لطهران بزيادة الإنتاج، مقابل إرسال هذا النفط إلى أوروبا للتعويض عن النفط الروسي.
التعاون الإيراني الأميركي وأسواق النفط
قال مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) الدكتور أنس الحجي، إن المدة التي سحب فيها الرئيس الأميركي جو بايدن من المخزون النفطي الإستراتيجي نحو 180 مليون برميل، شهدت سحب إيران 80 مليون برميل تقريبًا من المخزون العائم.
ولفت إلى أن هذه الخطوة جاءت على الرغم من استمرار العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران، وهو ما كشف بوضوح وجود تناغم بين الإدارة الأميركية والنظام الإيراني، خصوصًا في موضوع النفط.
وأضاف: “عندما شنّت إيران هجومًا على إسرائيل وغضبت الإدارة الأميركية، لم يمسّ هذا الغضب أسواق النفط على الإطلاق، لأن بايدن يريد أن تظل أسعار النفط منخفضة، وفي الوقت نفسه، لا يريد أن تؤدي العقوبات إلى استياء كبير للنظام الإيراني، ما قد يدفعه لتصرف مزعج قبل الانتخابات”.
الآن، بحسب الدكتور أنس الحجي، يقولون، إن كل ما حصل هو نوع من “التمثيلية” لمحاولة تغيير الاتجاه، خاصة فيما يتعلق بمقتل الرئيس السابق إبراهيم رئيسي، واختيار مسعود بزشكيان، بِعَدّها فرصة لتغيير بعض السياسات وفرصة للتقارب بين طهران وواشنطن.
وأشار إلى أن القرارات الكبيرة الخاصة بإيران لا يؤثّر فيها الرئيس، ومن ثم فإن ذلك لن يغيّر من الأمر شيئًا، والرئيس الوحيد الذي كان له أثر في سياسات النفط هو محمود أحمدي نجاد، ولكن الباقين كانوا ضمن سياسات نظام، وليس سياسات فرد، فإذا كان هناك تغيير في الاتجاه، فهو تغيير لسياسة النظام وليس الشخص، وإنما يُستخدم الشخص واجهةً للنظام للتغيير.
ولكن، وفق الحجي، هناك أمر مهم يجب الانتباه له، وهو أن أغلب النفط الإيراني يتجه إلى الصين، مثلها في ذلك مثل فنزويلا، ليس لأن الصين ترغب في شراء هذا النفط، ولكنها الدولة الوحيدة بين كل دول العالم التي تعطي الثمن نقدًا، وتمنح مواد مقابل هذا النفط، بينما الدول الأخرى تخضع للعقوبات.
أضاف: “الدول الأخرى تأخذ النفط الإيراني، ثم تدفع الثمن في حساب بنكي باسم إيران، ولكنه حساب مغلق، لا تستطيع الحكومة الإيرانية السحب منه، ولكنها يومًا ما عندما يُرفع الحظر عنها يمكنها الحصول على هذه الأموال”.
لذلك، تفضل طهران التعامل من يدفع نقدّا، أو من يعطيها منتجات ومواد أخرى في مقابل هذا النفط، لذلك فإن أغلب صادراتها، هي وفنزويلا، تتجه إلى الصين، لأنها تلبي لها هذا المطلب.
هل تتوافق الدولتين رسميًا؟
قال خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، إن أزمة الدفع النقدي في أسواق النفط تحكم سياسات إيران، لذلك إذا كان هناك أيّ نوع من التفاوض الجديد أو الوصول إلى قرار جديد، فهي أنهم يريدون الحصول على مقابل نفطهم نقدًا.
وأضاف: “الأمر الآخر المهم في التعاون بين طهران وواشنطن، هو أن أيّ اتفاق يتعلق بالمشروع النووي الإيراني، من الواضح تمامًا أن إيران تريد أن يكون مع الدولة الأميركية، وليس مع الرئيس الأميركي، لأن التجربة السابقة كانت سيئة للغاية.
بعبارة أخرى، وفق الدكتور أنس الحجي، تريد إيران أن يكون أيّ اتفاق بموافقة الكونغرس الأميركي، ومن ثم لو تغيَّر الرئيس، فإن الاتفاق لا يتغير، وهذا أمر لن يحدث، لأن الكونغرس مشتعل ضد إيران، لذلك لن يحدث هذا على الإطلاق.
وتابع: “قد يكون هناك بعض الاتفاق أو الأمور المتعلقة بالمنطقة، وبعضها يكون اتفاقًا نفطيًا، وجزءًا من هذا الاتفاق أن يعطي الأميركيون استثناء مرة أخرى، وهنا نعود إلى فكرة أن العقوبات ستبقى، ولكن هناك استثناءات”.
وبموجب هذه الاستثناءات، وفق الحجي، سيُسمح لإيران بسحب الأموال العالقة في دول أخرى، وهذه الأموال يتجاوز حجمها مليارات الدولارات، لذلك فإن أيّ اتفاق مع الحكومة الجديدة، الغالب فيه سيكون ما يتعلق بموضوع سحب هذه الأموال.
وأكد الحجي ضرورة الانتباه إلى نقطة مهمة، وهي أن هناك أخبارًا تقول، إن العقوبات التي فرضها دونالد ترمب أدت إلى انخفاض كبير في صادرات إيران، وإنه نتيجة سياسات بايدن زادت الصادرات بشكل كبير، وهنا يجب الانتباه إلى أن الإنتاج والصادرات زادا بالفعل في عهد بايدن، لكن ليس بالكمية التي يُظهرها الإعلام.
وفسّر الدكتور أنس الحجي ذلك بأن هناك تهريبًا للنفط الإيراني بكميات كبيرة، في سفن لا تشغّل أجهزة التتبع، وما حدث أنه بعد الاتفاق مع بايدن، لم يعد هناك داعٍ لتهريب هذا النفط أو التخوف، ومن ثم بدأت السفن الإيرانية تشغّل أجهزة التتبع.
وأردف: “أقول هذا تحذيرًا، لأنه لو فاز ترمب وشدد العقوبات على إيران، سنجد أن الإعلام يبدأ بالحديث عن انخفاض صادرات إيران، ولكن هذا غير صحيح، فانخفاض الصادرات الذي يراه العالم، لا يمثّل، أو لا يعبر عن، الصادرات السرّية التي لا يراها العالم”.
لذلك، وفق الحجي، مع انتخاب رئيس جديد لإيران، لن يكون هناك أثر في أسواق النفط، إلّا إذا كان هناك توجّه جديد للنظام الإيراني عمومًا، وليس الرئيس فحسب.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..