يبدو أن قطاع الطاقة النووية في سويسرا على أعتاب مرحلة تحولية فاصلة يمهّد لزيادة إسهامها في مزيج توليد الكهرباء، بعد تغيير كبير في آراء المواطنين والحكومة.

وبعد مرور شهر على إعلان الحكومة اعتزامها إلغاء الحظر المفروض على بناء مفاعلات جديدة المستمر منذ 6 سنوات، أظهر استطلاع للرأي -رصدته منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)- أن أكثر من نصف المشاركين يدعمون الخطوة.

وترى الحكومة أن عودة مفاعلات الطاقة النووية في سويسرا ضرورية في ضوء التوترات الجيوسياسية المتزايدة ولتلبية الطلب المتوقع على الكهرباء، إلى جانب تحقيق أهداف خفض انبعاثات الكربون؛ إذ تسعى الدولة الأوروبية إلى تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050.

وعلى الناحية الأخرى، يرى معارضون خطرًا في عودة بناء المفاعلات بسبب النفايات النووية والسلامة، فضلًا عن المشكلات التمويلية، ليعيدوا للأذهان كارثة فوكوشيما النووية التي كانت سببًا رئيسًا بحظر الطاقة النووية في سويسرا.

نتائج الاستطلاع

شارك 19 ألفًا و552 من المواطنين في استطلاع رأي أجرته صحيفة “20 مينوتن” السويسرية (20Minuten) بين 19 و22 سبتمبر/أيلول الجاري، لمعرفة آرائهم في إلغاء الحظر على بناء مفاعلات نووية جديدة.

وفي ذلك الوقت، قال وزير الطاقة ألبرت روستي، إن محطات الطاقة النووية الجديدة إحدى سبل توفير إمدادات مضمونة في وقت تطغى عليه الشكوك الجيوسياسية، مضيفًا أن الحكومة ستقدّم مقترحًا بشأن إلغاء الحظر نهاية العام الجاري (2024) لإدخال تعديلات تشريعية يناقشها البرلمان في العام المقبل.

وأعرب 53% من المشاركين بالاستطلاع عن دعمهم لإلغاء حظر بناء محطات نووية جديدة، في حين رفض 43% آخرون عودة الطاقة النووية في سويسرا.

ومن بين كل الداعمين، كان معظمهم من الرجال بنسبة 63% مقابل 44 للنساء، وفق ما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة نقلًا عن صحيفة “20 مينوتن” السويسرية.

ومن ناحية الانتماء الحزبي، كانت الغالبية الداعمة من حزب الشعب السويسري بنسبة 82%، ثم الحزب الديمقراطي الحر بنسبة 77%، وحزب الوسط 52%، والحزب الاشتراكي الديمقراطي 73%، وحزب الخضر الليبرالي 59%.

وهناك 3 مفاعلات نووية قيد التشغيل في سويسرا تُسهم بثلث استهلاك الكهرباء، وتحظى برخصة تشغيلية مفتوحة تسمح بتشغيلها ما دامت آمنة.

وبعد كارثة فوكوشيما النووية في اليابان 2011، قررت الحكومة والبرلمان التخلص التدريجي من المحطات النووية، دون تحديد موعد محدد لوقف تشغيلها نهائيًا.

وفي 2017، صوّت المواطنون لصالح خطة حكومية تشمل حظرًا على بناء محطات الكهرباء النووية الجديدة.

الطاقة النووية في سويسرا

أثارت عودة محطات الطاقة النووية في سويسرا حالة من الجدل داخل المجلس الوطني (مجلس النواب).

وأحبط أعضاء الغرفة العليا (مجلس الشيوخ) مشروع قانون قدّمه حزب الشعب الحاكم للسماح ببناء محطات نووية جديدة بإجمالي أصوات 99 مقابل 85.

وحذّر حزب الخضر ممّا أسماه بعودة العهد النووي بموجب “مبادرة “كهرباء في كل الأوقات”، وطالبت رئيسته ليزا مازون بإجراء حوار موضوعي يغطي كل نواحي الأمر.

وانتقدت مازون وزير الطاقة ألبرت روستي الذي ينبع رأيه من جماعة ضغط نووية، والذي يواصل بوضوح الضغط من أجلها.

وكشفت رئيسة الحزب أنها ستطلب عقد جلسة برلمانية طارئة بشأن اقتراح عودة الطاقة النووية في سويسرا، مشيرةً إلى المشكلات المرتبطة بالتمويل والنفايات الخطرة والسلامة.

على الناحية الأخرى، دعمت رئيسة نادي الطاقة السويسري فانيسا موري عودة بناء المحطات النووية، قائلة، إن الشعب يدرك الحاجة إلى ضِعف إنتاج الكهرباء الحالي في المستقبل، وأن وزيرة الطاقة السابقة دوريس لوثارد هي من فرضت الحظر المفروض حاليًا على بناء محطات نووية جديدة في إستراتيجية الطاقة لعام 2050.

الخطوة التالية

ما يزال قرار بناء محطة نووية جديدة في سويسرا بعيد المنال، كما أن الاقتراح نفسه مثير للجدل وتحيط به الشكوك، وفق تقرير لوكالة رويترز الذي طالعته منصة الطاقة المتخصصة.

وبعدما عدَّد أسباب إلغاء الحظر النووي، لم يقدّم وزير الطاقة ألبرت روسي حلولًا للمخاوف الرئيسة مثل التكاليف وتخزين النفايات ومصدر اليورانيوم والمسائل الفنية.

وإذا تخلصت الحكومة مع المعارضة البرلمانية، ستواجه مشكلة الرفض الشعبي إذ لن ينسى حادثة انصهار قلب أول مفاعل نووي في 1969، وهو ما يغذّي مخاوف لم تهدأ بعد.

كما ستواجه الحكومة عقبة التكلفة المرتفعة، مثل بقية الدول المجاورة، ومنها فرنسا، فضلًا عن اعتراضات الجماعات البيئية التي تدعو إلى التركيز على مصادر الطاقة المتجددة.

محطة ليبشتات النووية في سويسرا
محطة ليبشتات النووية في سويسرا- الصورة من موقع شركة إكسبو

والآن، سيتعين على الحكومة تقديم مقترح بتعديل تشريعي بنهاية العام الجاري، ثم يناقشه البرلمان في 2025، ثم يُطرح على الشعب للتصويت.

ورغم تقبّلهما للفكرة، فإن شركتَي الطاقة “بي كيه دبليو” (BKW) وأكسبو” (Axpo) تخشيان الحاجة إلى تمويلات وإعانات حكومية.

ويقول الخبير في مؤسسة الطاقة السويسرية (SES) ستيفاني إيغر، إن تغيير القانون وتدبير مليارات الدولارات للتمويل والحصول على التراخيص والبناء سيستغرق 35 عامًا على الأقل.

يتفق مع هذا الرأي مدير مركز الهندسة والعلوم النووية في مركز الأبحاث بول شيرير أندرياس باوتز، الذي يقول، إنه من غير المحتمل بناء محطة نووية جديدة قبل عام 2،040 على أن تدخل الخدمة في منتصف الأربعينيات بسبب الحاجة أولًا إلى رفع الحظر، ثم الحصول على تراخيص من بين أخرى.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.

رابط المصدر

شاركها.