يسير الطلب على النفط بخطى ثابتة نحو تحقيق نمو أكبر في عام 2024، على الرغم من بعض نقاط الضعف التي تعود إلى أسباب أخرى بعيدة عن التضخم الاقتصادي، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة (ومقرّها واشنطن).
وانعكست مخاوف التجّار بشأن قوة الطلب على النفط مع اقتراب العطلة الصيفية في نصف الكرة الشمالي، بسعر خام برنت الذي انخفض من نحو 90 دولارًا للبرميل في أبريل/نيسان، إلى أقل من 85 دولارًا في الأيام الأخيرة.
ومع اجتماع تحالف أوبك+ في 1 يونيو/حزيران لاتخاذ قرار بشأن تمديد تخفيضات الإنتاج، فإن حالة الطلب العالمي مهمة، ولكن يبدو أن التركيز على ضعف الطلب على النفط في غير محلّه، إذ تظل مستويات الاستهلاك ثابتة.
وخلُص مقال حديث إلى أن السيارات الكهربائية لم تخفض الطلب على البنزين مثلما توقّع بعض المراقبين، وهو ما أكده -في وقتٍ سابق- مستشار تحرير منصة الطاقة الدكتور أنس الحجي، الذي أشار إلى وجود مبالغات بتأثير هذه السيارات في الطلب على النفط.
نقاط الضعف في الطلب على النفط
لا شك أن هناك نقاط ضعف في الطلب على النفط؛ فقد شهد قطاع المنتجات النفطية المتوسطة، الذي يشمل الديزل وزيت التدفئة، استهلاكًا ضعيفًا حتى الوقت الحالي من عام 2024.
ومع ذلك، أرجع المقال -الذي اطّلعت منصة الطاقة المتخصصة على تفاصيله- هذا الانخفاض إلى حدٍّ كبير إلى فصل الشتاء الدافئ في نصف الكرة الشمالي، ما أدى إلى انخفاض احتياجات التدفئة، وليس إلى الضائقة الاقتصادية الأساسية.
وأشار كاتب المقال خافيير بلاس إلى أن المشكلة الكبرى في سوق الديزل ليست في الطلب، بل في العرض، فالديزل المتجدد والديزل الحيوي يستحوذان على حصة في السوق بسرعة أكبر من المتوقع، ما يؤدي إلى تفاقم تخمة الديزل.
وفي فبراير/شباط 2024، وهو آخر شهر توفرت فيه البيانات الشهرية، شكّل وقود الديزل الحيوي والديزل المتجدد نحو 8.5% من إجمالي استهلاك الديزل في الولايات المتحدة، مقابل حصة سوقية لكليهما بلغت أقل من 1% في عام 2020.
نقاط القوة في الطلب على النفط
مع ذلك، يتغاضى بعضهم عن نقاط القوة في الطلب على النفط؛ إذ يرتفع استهلاك البنزين إلى ما هو أبعد مما توقّعه الكثيرون، حتى مع تزايد شعبية السيارات الكهربائية.
وعلى الرغم من الزيادة في مبيعات السيارات الكهربائية، يوجد الآن عدد أكبر من السيارات التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي أكثر من أيّ وقت مضى، كما أن الأسعار في محطات الوقود عند مستويات لا تثبط الاستهلاك، خاصةً في الأسواق الناشئة.
قبل عام واحد فقط، غامرت وكالة الطاقة الدولية بأن الطلب العالمي على البنزين بلغ ذروته في عام 2019، وكانت السيارات الكهربائية تعني أن الاستهلاك لن يعود أبدًا إلى مستويات ما قبل جائحة فيروس كورونا.
وقال كاتب المقال خافيير بلاس: “الآن نحن نعرف أفضل: في العام الماضي (2023)، تجاوز الطلب على البنزين ذلك.. وفي عام 2024 سينمو بشكل أكبر”.
ووقود الطائرات هو المنتج المكرر الآخر الذي يعمل بشكل أفضل من المتوقع، على الرغم من الاعتماد الواسع النطاق على طائرات أكثر كفاءة في استهلاك الوقود.
وعلى مدى الأشهر الـ18 الماضية، أدت هذه المكاسب في الكفاءة إلى كبح الطلب على وقود الطائرات.
ولكن الآن، زاد عدد الرحلات الجوية وعدد الأميال المقطوعة، بشكل أعلى بكثير من مستويات عام 2019، مع عودة السفر عبر القارات إلى الظهور، إذ أصبح استهلاك وقود الطائرات يطابق لأول مرة المستويات الموسمية قبل جائحة فيروس كورونا.
وفي أوائل شهر مايو/أيار 2024، كان عدد الرحلات الجوية أعلى بنسبة 5% من الوقت نفسه من عام 2019، في حين كان عدد أميال الرحلة أعلى بنسبة 10% تقريبًا، وفقًا للأرقام التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة، نقلًا عن شركة إيربورتيا (Airportia).
مشكلات سوق النفط
أكد كاتب المقال خافيير بلاس أن نمو الطلب على النفط ما يزال يبدو صحيًا لعام 2024، ولكن من المؤكد أنه لن يتقدم بالقدر الذي كان يأمله المتنبئون المتفائلون.
على وجه الخصوص، فإن توقعات أوبك بزيادة قدرها 2.2 مليون برميل يوميًا تبدو بعيدة المنال، ومع ذلك، فهي في طريقها للوصول إلى المكاسب الأكثر منطقية البالغة 1.2 مليون برميل، التي توقعتها وكالة الطاقة الدولية، مسجلة رقمًا قياسيًا يزيد عن 103 ملايين برميل يوميًا.
ويميل ميزان المخاطر نحو نمو الطلب خلال العام الجاري (2024) بما يزيد على ما تتوقعه وكالة الطاقة الدولية حاليًا، إذ يبدو أن هناك مكاسب تتراوح بين 1.3 مليون إلى 1.5 مليون برميل.
وعلى الرغم من الطلب الصحي، يبدو أن سوق النفط تعاني من مشكلتين، وفق ما جاء في المقال الذي نشرته وكالة بلومبرغ.
تتمثل المشكلة الأولى في الطريقة التي ينظر بها الناس إلى الأمر: على الرغم من أن النمو قوي، فهو أبطأ بكثير مما كان عليه في أعوام 2021 و2022 و2023، وهي سنوات التعافي من الانهيار الناجم عن الجائحة في عام 2020.
وقد وضعت وكالة الطاقة الدولية -التي بالغت في تضخيم التباطؤ لعدّة أشهر- الأمر في سياقه الصحيح في أبريل/نيسان: “على الرغم من التباطؤ المتوقع، فإن هذا المستوى من نمو الطلب على النفط ما يزال يتماشى إلى حدّ كبير مع اتجاه ما قبل الجائحة، حتى وسط التوقعات الخافتة للنمو الاقتصادي العالمي خلال العام الجاري (2024) وزيادة نشر تقنيات الطاقة النظيفة”.
ويوضح الجدول التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- توقعات الطلب على النفط والمعروض في 2024:
والمشكلة الثانية هي الإفراط في الاعتماد على بيانات النفط الأسبوعية في الولايات المتحدة، وهي بيانات صاخبة بطبيعتها، وهي المقايضة الإحصائية النموذجية بين السرعة والاكتمال.
وتكافح إدارة معلومات الطاقة -التي تجمع إحصاءات النفط للحكومة الفيدرالية- منذ عدّة سنوات لتحديد المستوى الحقيقي للاستهلاك.
فالبيانات الأسبوعية تحرّك السوق، ولكن عندما تُنَقَّح الأرقام مع نشر الإحصاءات الشهرية -الأعلى على نحو يكاد يكون ثابتًا- فإن الاهتمام يصبح أقل.
على سبيل المثال، في شهر فبراير/شباط -وهو آخر تقرير منقح بالكامل- باستعمال الإحصاءات الأسبوعية، قدّرت إدارة معلومات الطاقة الطلب على النفط في الولايات المتحدة في البداية بنحو 19.52 مليون برميل يوميًا لهذا الشهر، وهو أقل من العام السابق، ما أثار إنذارات في السوق.
لكن البيانات النهائية، التي صدرت قبل بضعة أيام فقط، أظهرت حقيقة مختلفة تمامًا: كان الطلب أعلى على أساس سنوي، إذ وصل إلى مستوى قوي جدًا يبلغ 19.95 مليون برميل يوميًا.
تأثير السيارات الكهربائية
كان مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، قد أوضح أن هناك 3 أمور تتعلق بالطلب العالمي على النفط، وآثار السيارات الكهربائية في هذا الطلب.
وقال الحجي -خلال حلقة من برنامج “أنسيّات الطاقة” بمنصة “إكس” (تويتر سابقًا)-، إن هناك أزمة تتمثل في استبدال محركات تعمل بوساطة شحن الكهرباء بأكفأ المحركات العاملة بالبنزين، فالأزمة في المحركات التي تستهلك البنزين بصورة كبيرة.
على سبيل المثال، وفق الدكتور أنس الحجي، باعت الصين 9.5 مليون سيارة كهربائية خلال العام الماضي (2023)، ما خفّض الطلب على النفط بمقدار 270 ألف برميل يوميًا فقط، لذلك فإن كل الحديث عن النرويج وارتفاع المبيعات بنسبة 90% يشهد مبالغات كبيرة.
الأمر الآخر، أن مواطني النرويج اشتروا السيارات الكهربائية بسبب الإعانات الضخمة التي تقدّمها الدولة إلى المشترين، إذ إن أغلب الإعانات كان في صورة إعفاء ضريبي، لأن الضرائب كانت ضخمة جدًا على السيارات، وبصورة خاصة السيارات الفارهة.
وأشار الدكتور أنس الحجي إلى أزمة تآكل إطارات المركبات الكهربائية مقارنةً بالسيارات المماثلة لها التي تعمل بالبنزين والديزل، بسبب الوزن الزائد للبطاريات، لدرجة أن المعدل يكون 1 إلى 4 أو 1 إلى 5.
وأضاف الحجي أنه بدراسة الأمر، تبيّن أنه منذ عام 2016 وحتى الآن، زاد الطلب على النفط بسبب تآكل إطارات السيارات الكهربائية، وتغييرها الزائد، بنحو 60 مليون برميل تقريبًا.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..