يظهر اليورانيوم المغربي بوصفه طوق نجاة للإمدادات العالمية، في خضم أحداث وصراعات جيوسياسية تؤثّر في سلاسل التوريد وموارد الطاقة.
ووفق ما تابعته منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، تتبنى الرباط خطة خمسية لتطوير الموارد النووية وإدارة المياه، ودعمت خطتها بإطار تعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ويعدّ المغرب رائدًا عالميًا في إنتاج الفوسفات؛ ما يؤهله للانخراط في إنتاج معدن اليورانيوم بوفرة بالتزامن مع شكوك حول إمدادات المعدن من روسيا والنيجر.
وتبرز أهمية معدن اليورانيوم لقطاع الكهرباء العالمي بكونه وقودًا للمفاعلات النووية والمحطات المنتجة لتيار كهربائي نظيف، ويتماشى مع مسارات انتقال الطاقة والتحول بعيدًا عن الوقود الأحفوري.
المعدن وتحديات الأسعار
لسنوات طويلة، ظلت إمدادات اليوارنيوم من روسيا والنيجر مصدرًا رئيسًا لتشغيل مفاعلات أميركا وأوروبا، ومع فرض عقوبات على موسكو وتصاعد وتيرة الصراع داخل النيجر، ارتفعت أسعار المواد الخام لنقص الإمدادات.
ومع ارتفاع الطلب مقابل نقص المعروض، سجل متوسط أسعار اليورانيوم خلال العام الماضي قفزة قياسية بين 57 و61 دولارًا للرطل، ارتفاعًا من 33 دولارًا عام 2021 وقبل اندلاع التوترات الجيوسياسية.
(الرطل = 453 غرامًا أو 0.453 كيلوغرامًا).
واستقر سعر المعدن عند 56.2 دولارًا للرطل في نهاية يونيو/حزيران العام الماضي 2023، بزيادة 40% على أساس سنوي، حسب موقع موروكو وورلد نيوز (Morocco World News).
ويدخل المعدن في صناعات عدّة، أبرزها لقطاع الطاقة: إنتاج الكهرباء في المفاعلات النووية، وعمليات التبريد، وتحلية مياه البحر.
وبالنظر إلى أبرز المنتجين في الآونة الحالية نجد أن روسيا والنيجر وقازاخستان الأبرز، لكن خريطة اللاعبين على وشك التغير مع تأثُّر إمدادات موسكو بالعقوبات وتداعيات أحداث النيجر.
وتتزامن الأحداث المتصاعدة مع كشف توقعات شركة كهرباء فرنسا (EDF) لمستقبل احتياطيات الطاقة والمعادة، التي تضمنت اتجاه احتياطيات اليورانيوم العالمية للنفاد بحلول 100 عام.
وتعتمد 56 محطة نووية في فرنسا، و25% من مفاعلات الاتحاد الأوروبي، على إمدادات اليورانيوم من النيجر، بالإضافة إلى حصة لا بأس بها من روسيا.
فرص المغرب
في ظل القراءة السابق ذكرها، يبرز اليورانيوم المغربي عملاقًا جديدًا ينضم لخريطة المنتجين، ويعود الفضل في ذلك إلى ريادته العالمية في احتياطيات الفوسفات.
وأشارت آخر التقديرات إلى أن المغرب يملك احتياطيات من الفوسفات تُقدَّر بنحو 73% من الاحتياطيات العالمية، وهي تقديرات قابلة للزيادة، خاصة أن الرباط تنتج 40 مليون طن من الفوسفات الصخري سنويًا.
ويعدّ الفوسفات مصدرًا رئيسًا لإنتاج اليورانيوم، ضمن مشتقات أخرى تدخل في صناعة الأسمدة الزراعية وحمض الفوسفوريك وغيره.
وتاريخيًا، أنتج المغرب ما يزيد عن 7 ملايين طن من حمض الفوسفوريك خلال 40 عامًا من عام 1980 حتى 2020، وطُورت في ثمانينيات القرن الماضي تقنية إنتاج اليورانيوم مع حمض الفوسفوريك.
وبمرور الوقت، تجاوزت احتياطيات اليورانيوم المغربي 6.9 مليون طن؛ ما عزّز فرصها ضمن أكبر المنتجين في العالم، وفق معلومات اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) في مقال منشور بالموقع الإلكتروني لمعهد الشرق الأوسط (MEI).
ويبدو أن هذا المسار يتلقى دعمًا من خطط تحلية المياه، لتوفير التدفقات اللازمة لعملية التناضح العكسي واستخلاص معدن اليورانيوم.
ويكشف الإنفوغرافيك أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- أكبر 10 مناجم منتجة لليورانيوم في العالم:
خطة خمسية
يبدو أن اليورانيوم المغربي على موعد مع نقلة نوعية، سواءً على صعيد تعزيز الإنتاج أو التوسع في الصادرات، خاصة مع توجُّه البلد الأفريقي لتعزيز التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرّية.
وفي فبراير/شباط الماضي، وقّعت وزيرة الطاقة المغربية ليلى بن علي إطار برنامج للمدة من عام 2024 الجاري حتى عام 2029؛ يهدف إلى تعزيز التعاون التقني مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ووفق الاتفاق، تستفيد الرباط (العضو في الوكالة منذ عام 1957) من خبرات التقنيات النووية لدى الهيئة الدولية، حسب بيان الوكالة المنشور حينها.
ويتضمن التعاون 6 مجالات من بينها: السلامة النووية والإشعاعية، وسبل تطوير الطاقة النووية، والتوسع في التطبيقات الصناعية وأبحاث المفاعلات، بالإضافة إلى سبل إدارة موارد المياه اللازمة لعمل المفاعلات ومقترحات توفيرها.
ويُنظر إلى اليورانيوم المغربي بوصفه أفضل الخيارات الحالية، بعدما تسببت تداعيات الحرب الأوكرانية والأحداث الداخلية في النيجر في إثارة المخاوف حول إمدادات المعدن الرئيس للطاقة النووية.
استعدادات السباق العالمي
قد يشكّل اليورانيوم المغربي حلبة صراع أميركي أوروبي، في ظل حاجة فرنسا لتأمين خيار بديل عن النيجر.
وتخطط الرباط لاقتناص فرصة تغير خريطة إنتاج المعدن وتصديره عالميًا، واستعانت بخبرات أميركية وروسية لتعزيز إنتاج اليورانيوم من الفوسفات مع دعم ذلك بإنشاء محطة نووية ومرافق لمعالجة المياه.
وتعاونت هيئات مختصة في المغرب مع مجموعة روساتوم (Rusatom) الروسية غير المشمولة بنطاق العقوبات الأميركية والأوروبية على موسكو، لتطوير محطات نووية في البلد الأفريقي وفق اشتراطات الوكالة الدولية للطاقة الذرّية.
وبخلاف روسيا، يسير التعاون المغربي-الأميركي على قدم وساق لتطوير تقنيات استخلاص اليورانيوم من الفوسفات، وتعزيز عملية تحلية مياه البحر.
وتقدّم مدينة “الداخلة” نموذجًا أمثل لتلبية طموحات تطوير اليورانيوم المغربي، إذ ضخّت أميركا استثمارات بنحو ملياري دولار بها لتحويلها إلى ميناء ملائم للربط مع ولاية فلوريدا الأميركية.
وبجانب هذه الاستثمارات، تحظى الشركات الأميركية بفرصة للانخراط في السوق الأفريقية عبر المغرب وتخصيص استثمارات تصل إلى 40 مليار دولار حتى عام 2050 في تحلية المياه.
وربما قلّص الاستثمار الأميركي في اليورانيوم المغربي مخاوف نقص إمدادات المعدن من النيجر، مقابل تصاعد القلق الفرنسي حول الإمدادات، حسب مجلة المجلة (Majalla) الأسبوعية الصادرة من لندن.
** وتنشر منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) ملفًا خاصًا عن رحلتها في المغرب، وتطورات الطاقة المتجددة في البلد الأفريقي، ويمكنكم مطالعة الملف من (هنا).
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..