اقرأ في هذا المقال
- بطاريات الليثيوم أيون النوع السائد في العالم منذ اكتشافها في السبعينيات
- ظهور السيارات الكهربائية أثار مخاوف ضعف فاعلية بطاريات الليثيوم أيون
- شركات آسيوية وأوروبية تتنافس على تطوير البطاريات الصلبة لحل المشكلة نهائيًا
- البطاريات الصلبة تتميّز بكثافة طاقة أعلى ووزن أخف واحتفاظ أعلى بالشحن
- السيارات الكهربائية المزودة ببطاريات صلبة يمكنها حل مشكلة المسافات البعيدة للأبد
- رغم مزايا هذه البطاريات فإن تكلفة إنتاجها ما زالت عالية ولم تُسوق تجاريًا بعد
زاد الاهتمام بابتكارات تصنيع بطاريات الحالة الصلبة وشبه الصلبة في قطاع السيارات الكهربائية مع التفكير في البدائل الأكثر كفاءة من بطاريات الليثيوم أيون السائلة الشائعة عالميًا.
وتعوّل صناعة السيارات الكهربائية على خفض تكلفة البطاريات بصورة كبيرة، حتى تتمكن من تحقيق الانتشار العالمي واختراق أغلب شرائح المستهلكين التي ما زالت غير قادرة على شراء المركبات الكهربائية، بسبب ارتفاع أسعارها مقارنة بالسيارات التقليدية.
وتتميّز بطاريات الحالة الصلبة وشبه الصلبة بمجموعة من الخصائص الفنية والكيميائية والاقتصادية التي قد تجعلها بديلًا مستقبليًا مناسبًا للبطاريات السائلة، ما قد يحل أزمة التكلفة والأمان والفاعلية في صناعة السيارات الكهربائية الحديثة للأبد.
وتحلل وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن) في هذا التقرير مزايا بطاريات الحالة الصلبة وشبه الصلبة وعيوبهما مقارنة ببطاريات الليثيوم أيون السائلة، مع بيان أبرز الشركات المنتجة لهذا النوع من البطاريات الناشئة في الصناعة.
الفرق بين بطاريات الحالة الصلبة والسائلة
يرجع اكتشاف بطاريات الليثيوم أيون السائلة الحالية إلى عام 1970، وهي النوع المفضل للاستعمالات التجارية حاليًا في جميع أجهزة الهواتف الذكية والحواسيب والأجهزة الإلكترونية الحديثة المحمولة أو المتحركة مثل الساعات والسماعات الطبية وغيرها.
ورغم نجاح هذه البطاريات في تشغيل المنتجات التقنية الحديثة وتلبية متطلباتها من الطاقة، فإن ظهور السيارات الكهربائية كشف أوجه قصور في أدائها وزاد من مخاوف عدم قدرتها على تلبية متطلبات السير لمسافات طويلة بصورة آمنة وفاعلة، ما أدى إلى اتجاه الصناعة لابتكارات تصنيع البطاريات الصلبة وشبه الصلبة لضمان سدَّ هذه الفجوة في المستقبل.
وتعمل بطاريات السيارات الكهربائية بديلًا لخزان الوقود في سيارات البنزين والديزل، لكن هذه البطاريات -خاصة النوع الشائع الليثيوم أيون- تظل في النهاية عبارة عن سائل كيميائي مضغوط في مساحة صغيرة يتعرّض لتيارات كهربائية ودرجات حرارة مرتفعة، ما يجعلها عرضة لمخاطر التآكل والاحتراق والانفجار.
ويوضح الإنفوغرافيك التالي، الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة، الفارق بين بطاريات الحالة الصلبة ونظيرتها المصنوعة من الليثيوم:
وتتكون أي بطارية من قطبين -موجب وسالب- بينهما مادة وسيطة، وفي حالة بطاريات الليثيوم السائلة يكون القطب الموجب مصنوعًا من أحد مركبات الليثيوم، في حين يصنع القطب السالب من الغرافيت غالبًا، وتكون بينهما مادة الإلكتروليت التي تعمل بصفتها وسيطًا ناقلًا للطاقة بين أقطابها الكهربائية، إذ تسمح هذه المادة للأيونات بالمرور من القطب السالب إلى الموجب عند استعمال البطارية والعكس عند شحنها.
وتختلف بطاريات الحالة الصلبة عن السائلة من حيث اعتمادها على إلكتروليتات صلبة بدلًا من الإلكتروليتات السائلة في حالة بطاريات الليثيوم أيون، وهذا هو الفرق الرئيس بينهما، إذ يعمل النوعان بالطريقة نفسها باستثناء ذلك، بحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
وتصنع الإلكتروليتات الصلبة من عدة مواد أبرزها السيراميك والزجاج والصوديوم، وتُستعمل بطاريات الحالة الصلبة حاليًا في أجهزة طبية مثل جهاز تنظيم ضربات القلب والساعات الذكية، لكن انتشارها على مستوى تجاري في صناعة السيارات الكهربائية ما يزال محدودًا.
ما البطاريات شبه الصلبة؟
هناك نوع ثالث من البطاريات الوسط يطلق عليه البطاريات شبه الصلبة (Semi-Solid-State Batteries)، وهى أحد الأنواع الهجينة المطروحة لتحسين نمط بطاريات الليثيوم أيون السائلة المنتشرة حاليًا من حيث الأداء والسلامة.
وتستعمل البطاريات شبه الصلبة إلكتروليتات من النوع الهلامي الذي يُصنّف بين الحالة السائلة والصلبة، وتتمتع بقدرة عالية على منع الاشتعال والسير لمسافات أطول بكثافة طاقة أعلى، وهي مواصفات قريبة من الإلكتروليتات الصلبة، بحسب موقع باتري إنسايد المتخصص (BATTERY INSIDE).
وعادة ما يحدث توليف بطاريات الحالة شبه الصلبة من خلال تجميع مواد البوليمر والأكسيد مع كميات صغيرة من الإلكتروليتات السائلة معًا لتغطية أوجه القصور وزيادة قوة كل مادة إلى الحد الأقصى.
ولا يتطلب إنتاج هذا النوع من البطاريات إدخال تغييرات كثيرة على عمليات تصنيعها مقارنة بتصنيع البطاريات التقليدية، كما يمكن استعمالها في مجموعة متنوعة من التطبيقات لمرونة تصميمها، بالإضافة إلى قابليتها للتحول إلى نظام يعتمد على العملاء، بمعنى أنه يمكن استعمالها في أي تطبيقات يحتاج إليها العملاء، بداية من الأجهزة القابلة للارتداء إلى جانب السيارات الكهربائية.
ومن المتوقع أن تُسهم هذه الخصائص في تسويق البطاريات شبه الصلبة بصورة أسرع من بطاريات الحالة الصلبة، على الرغم من تمتع الأخيرة بمعدلات أمان أعلى من بطاريات الليثيوم أيون، بحسب رئيس فريق البطاريات شبه الصلبة في شركة إل جي إنرجي سوليوشن (LG Energy Solution) الكورية المتخصصة دونغ غيو كيم.
مزايا بطاريات الحالة الصلبة
تتميز بطاريات الحالة الصلبة بعدة خصائص، أبرزها كثافة الطاقة التي تصل إلى 400 واط لكل كيلوغرام، مقارنة بنحو 250 واط لكل كيلوغرام فقط في بطاريات الليثيوم أيون، ما يسمح للسيارات الكهربائية بقطع مسافات أطول تتراوح من 500 إلى 600 كيلومتر.
ويوفر هذا النوع من البطاريات سعة أكبر من البطاريات السائلة لاحتوائها على أقطاب كهربائية صلبة تجعلها قادرة على حمل طاقة أكبر من بطاريات الليثيوم أيون بما يتراوح من مرتين إلى 3 مرات.
كما تتميز بوزن أقل من البطاريات السائلة، ما يسهل إنتاجها بأحجام أصغر تتيح لشركات صناعة السيارات الكهربائية خيارات أفضل لمعالجة مشكلة وزن السيارات في الطرازات المستقبلية، إذ يؤثر الوزن في تآكل الإطارات والطرق السريعة، كما يؤثر في استهلاك الطاقة ومعدلات الشحن.
كذلك تتميز البطاريات الصلبة بسرعة الشحن في وقت قريب من التزود بالوقود التقليدي (10 دقائق)، بالإضافة إلى معدل احتفاظ أعلى بالشحن، ما يقلل من معدلات إعادة شحنها ويتيح مرونة أكبر للمسافرين عبر مسافات أطول، خلافًا لأنواع بطاريات السيارات الكهربائية السائلة المنتشرة حاليًا، بحسب موقع توب سبيد المتخصص (top speed).
بالإضافة إلى ذلك، تتمتع هذه النوعية من البطاريات بمتانة أعلى وعمر أطول من نظيرتها السائلة، لاعتمادها على مواد صلبة تقلل من عمليات تحلل الخلايا داخل البطارية، ما يمنحها عمرًا تشغيليًا أعلى ويخفض تكاليف صيانتها مع الزمن، بالإضافة إلى تخفيف مشكلة إعادة تدوير البطاريات في الصناعة.
كما تتمتع بدرجة أمان أعلى من مخاطر الاشتعال، لعدم احتوائها على إلكتروليتات سائلة، ما يجعل مكوناتها غير قابلة للاشتعال إلى جانب قدرتها على تحمل العمل في درجات حرارة أعلى بكثير من بطاريات الليثيوم أيون التي تحتاج إلى دوائر حماية لمنع الشحن الزائد والحرارة الزائدة.
وتتعرض السيارات الكهربائية لدرجات حرارة عالية خاصة في الصيف، ما يجعل هذه البطاريات أكثر ملاءمة لتشغيلها من حيث انخفاض المخاطر وكفاءة التشغيل وزيادة العمر الافتراضي، وانعكاسات ذلك على انخفاض تكلفة التأمين التي ما زالت باهظة في الوقت الحالي.
وتمثّل التحديات المرتبطة بعمر بطاريات الليثيوم أيون ومدى قدرتها على تسيير الرحلات الطويلة، أحد أبرز المخاوف التي تعوق المستهلكين الأميركيين عن شراء سيارة كهربائية إلى جانب التكلفة ومخاوف نقص محطات الشحن، بحسب استطلاع رأي أجرته شركة إبسوس موري (Ipsos) المتخصصة عام 2023.
كذلك تتميز بطاريات الحالة الصلبة بالسرعة الثابتة في أثناء تشغيل المحرك، خلافًا لبطاريات الليثيوم أيون التي تتدرج بالسرعة حتى 60 ميلًا في الساعة، ثم تبدأ في التناقص مع طول الرحلة بسبب الليثيوم ومشكلاته مع درجات الحرارة المرتفعة.
ولا يقتصر استعمال البطاريات الصلبة على السيارات الكهربائية، وإنما يمتد إلى جميع أنواع المركبات، مثل الدرجات النارية التقليدية والشاحنات والسيارات الرياضية، ما يجعلها بديلًا متعدد الاستعمالات.
البطاريات الصلبة أكثر صداقة للبيئة
تُصنف بطاريات الحالة الصلبة بأنها صديقة للبيئة بدرجة أكبر من بطاريات الليثيوم أيون، إذ لا يحتاج إنتاجها إلى معادن أرضية نادرة مثل الكوبالت أو النيكل، إذ نجح المطورون لهذه البطاريات في إدخال إلكتروليتات مصنعة من البوليمر وكاثودات مصنعة من فلوريد الحديد قادرة على توفير أكثر من ضعف الطاقة لكل كيلوغرام من بطاريات الليثيوم التقليدية وبتكلفة أقل كثيرًا.
ويؤدي ابتعاد تصنيع هذه البطاريات عن المعادن الأرضية النادرة إلى تخفيف الضغوط البيئية والاجتماعية لاستخراج هذه المعادن من أعماق البحار ومن المناجم والمناطق البرية التي مزقتها الحروب ويستغل فيها الأطفال في أعمال المناجم، كما يعصف بحقوق المجتمعات المحلية والشعوب الأصلية.
كما يُسهم ذلك في الحد من تلوث المسطحات المائية نتيجة عمليات التعدين، إلى جانب خفض استعمال المياه على نطاق واسع كما هو الحال في أميركا الجنوبية التي يُستهلك فيها 2.2 مليون لتر من المياه لإنتاج طن واحد من الليثيوم، بحسب موقع “توب سبيد”.
ويمكن لتحول السيارات الكهربائية إلى نماذج بطاريات الحالة الصلبة أن يخفض بصمتها الكربونية بنسبة 39%، إلى جانب تقليل النفايات في سلسلة التوريد كاملة، بالإضافة إلى تقليل المخاطر البيئية مع تجنب استعمالها للمواد الخطرة والسامة في تصنيعها، بحسب تقرير منشور على موقع منظمة النقل والبيئة ومقرّها بروكسل.
أبرز عيوب البطاريات الصلبة
عادة ما تفقد جميع أنواع البطاريات قدرًا كبيرًا من إمكاناتها النظرية بسبب القيود العملية، لكن بطاريات الحالة الصلبة ما تزال تتفوق على بطاريات الليثيوم أيون من حيث السلامة وكثافة الطاقة.
ورغم ذلك، فإن هذا النوع من البطاريات ما زال يواجه تحديات فنية، أبرزها عدم قدرة الإلكتروليتات الصلبة على منع تسرب الليثيوم تمامًا في أثناء عملية الشحن، ما قد يؤدي إلى حدوث ماس كهربائي إذا وصل الليثيوم إلى الكاثود.
كما قد يؤدي تراكم الليثيوم إلى التدهور السريع للبطارية بعد عدد من دورات الشحن والتفريغ، وهو ما انتبهت إليه الجهود البحثية المستمرة التي تعمل على تطوير بطاريات الحالة الصلبة مع شحنها وتفريغها عدة مرات دون تدهور كبير، بحسب شركة أبحاث بلاك ريدج المتخصصة (black ridge research).
وهناك عيب آخر في هذه البطاريات، يتمثّل في المقاومة العالية عند واجهة القطب الكهربائي/الإلكتروليت الصلب، التي قد تعوق الشحن والتفريغ السريع.
على الجانب الآخر، تُعد معالجة وتصنيع بطاريات الحالة الصلبة أكثر تعقيدًا من بطاريات الليثيوم أيون، ما ينعكس على ارتفاع تكلفتها الحالية، ويعوق التحول إلى نمط الإنتاج الكبير في صناعتها ويقلل من سرعة دمجها في الاستعمالات اليومية.
كما تواجه مشكلات أخرى متعلقة بسهولة الاستعمال، إذ سجلت بعض التجارب أداءً ضعيفًا لهذه البطاريات في أثناء العمل في درجات حرارة منخفضة، ما يعني أن تثبيتها لتكون مفيدة في درجات حرارة الغرفة ليس أمرًا مسلمًا به دائمًا، بالإضافة إلى أن اعتبارات الضغط تجعلها أكثر هشاشة، بحسب ما نشره موقع إيكونوبوليس المتخصص (econopolis).
ويمكن إصلاح كل هذه المشكلات والتحديات الفنية في تصنيع البطاريات الصلبة، لكن ذلك قد يأتي على حساب كثافة الطاقة، إلا أن كثيرًا من الباحثين يأملون في أن تُسهم التطورات التقنية في معالجة هذه المشكلات لتجد طريقها إلى التطبيقات المعاصرة في أجهزة تنظيم ضربات القلب والأجهزة القابلة للارتداء والسيارات الكهربائية والمعدات الفضائية.
أبرز الشركات المصنعة للبطاريات الصلبة
زاد اهتمام شركات صناعة السيارات بتصنيع البطاريات في إطار موجة السيارات الكهربائية الصاعدة في العالم، مع تركيزها على بطاريات الليثيون أيون السائلة.
واتجهت عدة شركات مصنعة للسيارات في أوروبا وآسيا إلى خطط تصنيع بطاريات الحالة الصلبة على أمل إنتاجها بكميات تجارية كبيرة بحلول 2030، ما قد يغيّر مشهد صناعة السيارات الكهربائية في العالم.
وتُعد شركات نيسان وفولكسفاغن وتويوتا من أكبر المخططين لتصنيع سيارات كهربائية عاملة ببطاريات الحالة الصلبة في غضون سنوات قليلة، إذ حددت تويوتا موعدًا لطرح هذه الطرازات في السوق بين عامي 2027 و2028، في حين تستهدف نيسان طرحها بحلول 2029، بحسب تطورات صناعة البطاريات العالمية التي ترصدها وحدة أبحاث الطاقة بصورة دورية.
وما زال عدد الشركات العاملة في مجال تصنيع بطاريات الحالة الصلبة محدودًا في العالم، لكن من المتوقع أن يتزايد عددها مع انتشار استعمالها في تطبيقات مختلفة خاصة في قطاع السيارات الكهربائية.
وتضم قائمة أبرز الشركات المصنعة حاليًا كلًا من شركة بلو سوليوشن الفرنسية (blue solutions)، وبرولوغيوم تكنولوجي التايلاندية (ProLogium Technology ).
كما تضم 3 شركات أميركية هي: كوانتم سكيب (QuantumScape)، وسوليد باور (Solid Power)، وفاكتوريال إنرجي (Factorial Energy)، بالإضافة إلى تويوتا موتور اليابانية (Toyota Motor) التي تمتلك أكثر من 1000 براءة اختراع في مجال صناعة بطاريات الحالة الصلبة، بحسب شركة أبحاث بلاك ريدج.
وتخطط 4 من كبريات شركات السيارات الكهربائية الصينية لإنتاج بطاريات الحالة الصلبة بحلول 2025 و2026، وتضم هذه الشركات كلًا من شركة سايك (SAIC)، وشركة آي إم ( IM)، وشركة جي إيه سي غروب (GAC Group)، وشركة نيو (Nio)، بحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..