اقرأ في هذا المقال
- خام الأورال يظل نقطة محورية لواردات النفط الهندية
- العقوبات مهدت الطريق عن غير قصد أمام الصين لتعزيز وارداتها من النفط الروسي
- استعداد الصين لاستيراد النفط الروسي بكميات كبيرة يمثل بديلًا عمليًا للسوق الهندية
- أعضاء تحالف أوبك+ والدول الخاضعة للعقوبات يتنافسون على حصة من السوق الهندية المربحة
يمثّل تعامل الهند مع النفط الروسي قضية معقدة تتسم بتوازن دقيق بين عوامل الجغرافيا السياسية والاقتصاد، والمساومة الإستراتيجية.
وفي خضم التوترات العالمية والضغط المتزايد للعقوبات الغربية، واصلت الهند السير في طريقها، سعيًا إلى صفقات مفيدة دون رفض النفط الروسي بالكامل.
وتشير التقارير الأخيرة، بما في ذلك الواردة من بلومبرغ ورويترز، إلى صورة دقيقة لتعاملات الهند مع النفط الروسي، ما يظهر انخفاضًا في المشتريات ويُظهر معدل استيراد قياسي في مارس/آذار الجاري بلغ 1.8 مليون برميل يوميًا، وهو أعلى مستوى منذ العام السابق.
ويعكس هذا التناقض الواضح التحديات التي تواجه تجارة النفط الروسية الهندية، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى العقوبات الأميركية ومتطلبات سقف الأسعار لمجموعة الـ7.
ويكمن جوهر الأمر في الحسم على النفط الروسي للمشترين الهنود، الذي يبلغ حاليًا مستوى متواضعًا يتراوح بين 2 و4 دولارات للبرميل، وهو أقل بكثير من بداية عام 2022 عندما وصل إلى 30 دولارًا للبرميل. ويسلط هذا التخفيض في الحسم، إلى جانب رفض الهند الإستراتيجي قبول الناقلات المدرجة على قائمة العقوبات في موانيها، الضوء على الدور المعقد الذي تؤديه الهند على المسرح العالمي.
وعلى الرغم من هذه القيود، يظل خام الأورال، العلامة التجارية الرئيسة للتصدير في روسيا، نقطة محورية لواردات النفط الهندية، ما يدل على استمرار الاعتماد على النفط الروسي على الرغم من الضغوط الجيوسياسية.
مستقبل صادرات النفط الروسي إلى الهند
يقدم الخبراء وجهات نظر متباينة بشأن مستقبل صادرات النفط الروسية إلى الهند.
وعلى الرغم من أن البعض يرى أن الامتثال للعقوبات الأميركية يضر بمصافي التكرير الهندية، وأن سلوكيات السوق سوف تسود في نهاية المطاف، ما يضمن استمرار تدفق النفط الروسي إلى الهند، يعتقد البعض الآخر أن العقوبات، ولا سيما إدراج شركة سوفكومفلوت بأكملها في “قائمة المواطنين المعنيين بالحظر” SDN. وسيؤدي ذلك إلى تراجع صادرات النفط الروسية إلى الهند، وهذا قد يجبر روسيا على البحث عن إستراتيجيات بديلة، مثل توسيع أسطول الظل أو الانخراط في مفاوضات دبلوماسية للحفاظ على صادراتها النفطية.
ويزداد الوضع تعقيدًا بسبب التكتيكات التفاوضية التي تنتهجها الهند، وتذكرنا بإستراتيجيات الصين السابقة، التي كانت تهدف إلى تأمين تخفيضات أفضل على النفط الروسي.
وتسلط هذه المساومة، التي تنقلها القنوات الإعلامية، الضوء على محاولات الهند للاستفادة من الوضع لصالحها.
ويشير التناقض بين التحديات التجارية المعلنة والواردات النفطية القياسية من روسيا إلى إستراتيجية أوسع من جانب الهند، لتعظيم فوائدها في ظل التعامل مع المشهد الجيوسياسي المعقد الذي شكّلته العقوبات الغربية.
نهج الهند في التعامل مع النفط الروسي
في جوهر الأمر، يتسم النهج الذي تتبناه الهند في التعامل مع النفط الروسي بمزيج عملي من المصالح الاقتصادية والدبلوماسية الإستراتيجية.
وستؤثر نتائج هذه الترابطات، التي تتأثر بقوى السوق العالمية والمفاوضات الدبلوماسية والإستراتيجيات الجيوسياسية، بصورة كبيرة في أمن الطاقة بالهند، وفي السلوكيات الأوسع لتجارة النفط الدولية وسط التوترات العالمية المستمرة.
وفي المشهد المتطور لتجارة الطاقة العالمية، تُظهر المناورات الإستراتيجية للهند قدرتها على التكيف والواقعية في تأمين موارد الطاقة وسط ضغوط جيوسياسية متقلبة.
ومع تشديد واشنطن العقوبات ضد شركة ناقلات الشحن الروسية سوفكومفلوت، زادت الهند بصورة ملحوظة وارداتها من نفط الولايات المتحدة.
وفي أبريل/نيسان المقبل، من المقرر أن يصل متوسط تسليم أكبر شحنات النفط الأميركي منذ العام الماضي، إلى 250 ألف برميل يوميًا، إلى الهند.
ويعكس هذا المحور إستراتيجية التنويع، وقدرة الهند على التعامل مع تعقيدات العقوبات الدولية وديناميكيات التجارة.
ويأتي الارتفاع الكبير في شحنات النفط الأميركية إلى الهند، الذي سهلته شركات مثل ريلاينس إندستريز، وفيتول، وإكوينور، وسينوكور، في وقت حققت فيه الولايات المتحدة إنجازًا تاريخيًا في حجم صادراتها النفطية، إذ وصل متوسطها إلى 4.1 مليون برميل يوميًا في عام 2023، وستكون أوروبا المتلقي الرئيس. ويُعدّ هذا التحول جديرًا بالملاحظة تحديدًا على خلفية انخفاض صادرات النفط الأميركية إلى الهند بنسبة 47% في المدة نفسها، إذ عززت الهند وارداتها من روسيا من 0.9 مليون برميل يوميا في عام 2022 إلى 1.8 مليون برميل يوميًا في عام 2023.
وفي ظل السلوكيات المتقلبة، أكد وزير النفط الهندي هارديب سينغ بوري، انفتاح الهند على استيراد إمدادات الطاقة من روسيا، مؤكدًا العلاقات التجارية الإيجابية التاريخية في قطاع الطاقة بين البلدين.
ويوضح الجدول التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- واردات الهند النفطية من روسيا والسعودية والعراق منذ 2022 حتى الربع الأول من العام الحالي 2024:
تشديد العقوبات ضد شركة سوفكومفلوت
يمثل تشديد العقوبات من جانب الولايات المتحدة ضد شركة الشحن الروسية سوفكومفلوت، الذي بلغ ذروته بإدراج الشركة في “قائمة المواطنين المعنيين بالحظر” في فبراير/شباط 2024، تصعيدًا كبيرًا في الجهود المبذولة للحد من وصول روسيا إلى النظام المالي العالمي وسوق النفط.
وتشمل قيود “قائمة المواطنين المعنيين بالحظر” تجميد الأصول داخل الولايات المتحدة وحظر المعاملات التجارية للمواطنين الأميركيين والشركات مع الكيانات المدرجة.
وتهدف هذه الخطوة، إلى جانب القيود الإضافية على 14 ناقلة نفط مرتبطة بشركة سوفكومفلوت، إلى فرض سقف سعر النفط الروسي، ما يشير إلى جهد إستراتيجي من جانب الولايات المتحدة لممارسة النفوذ على قدرات تصدير النفط الروسية.
ويوضح محور الهند الإستراتيجي، المتمثل في زيادة وارداتها من نفط الولايات المتحدة مع الحفاظ على استعدادها للتعامل مع صادرات الطاقة الروسية، مدى قدرة البلاد على الموازنة بين احتياجاتها من الطاقة والاعتبارات الجيوسياسية.
ويضمن هذا النهج أمن الطاقة في الهند، ويؤكد أهميتها بصفتها لاعبًا رئيسًا في سوق الطاقة العالمية، وقادرة على التأثير والتكيف بفضل الديناميكيات المتطورة لتجارة ودبلوماسية الطاقة الدولية.
سلوكيات تجارة النفط العالمية
تشهد سلوكيات تجارة النفط العالمية تحولًا ملحوظًا في أعقاب تصاعد العقوبات الأميركية ضد صادرات النفط الروسية، ما يؤثر تحديدًا في شحنات نفط سوكول الخام.
وتؤكد التطورات الأخيرة، حسبما أفادت شركتا الشحن إل إس إي جي LSEG، وكبلر Kpler، التعقيدات والمناورات الجيوسياسية في أسواق الطاقة العالمية، مع ظهور الصين بصفتها لاعبًا مهمًا وسط هذه التوترات.
ويمثل التسليم النهائي لخام سوكول بوساطة الناقلة السابعة الخاضعة للعقوبات الأميركية إلى تيانجين في الصين، لحظة محورية في معالجة فائض النفط الخام الذي تراكم على السفن بسبب العقوبات والتحديات اللوجستية. وتؤدي هذه الخطوة إلى تخفيف تخمة التخزين، وتدعم واردات الصين من النفط الروسي المنقولة بحرًا في شهر مارس/آذار الجاري إلى مستويات غير مسبوقة.
تعزيز واردات الصين النفطية من روسيا
مهدت العقوبات، التي تهدف إلى تقليص الموارد المالية لروسيا في ضوء تورطها في أوكرانيا، الطريق عن غير قصد أمام الصين لتعزيز وارداتها من النفط الروسي، وبالتالي التدخل بصفتها سوقًا مهمة للخام الروسي وسط انخفاض المشتريات من الهند، التي كانت تقليديًا أكبر مشتري النفط الروسي في 2023.
ويُظهر استحواذ الصين الإستراتيجي على النفط الروسي، خاصة الخام الخفيف الممتاز من سخالين 1، وسط تشديد العقوبات، قدرتها على مواجهة نظام العقوبات مع تأمين موارد الطاقة بسعر تنافسي.
وما يُسهل هذا التحول موقف الصين ضد العقوبات الأحادية وتأكيدها ضرورة احترام وحماية أنشطتها التجارية المشروعة.
ويشير تدفق النفط الروسي إلى الصين، بما في ذلك كميات كبيرة من خامات الشرق الأقصى مثل سوكول وإسبو، إلى إعادة تشكيل سلاسل إمدادات الطاقة العالمية، مع استفادة الصين من موقفها لتأمين إمدادات الطاقة التي أصبحت مثيرة للجدل على نحو متزايد بسبب الاحتكاكات الجيوسياسية.
وتعكس واردات النفط الروسي إلى الصين ذات المستوى القياسي، مدفوعة بشحنات من ناقلات مثل كريمسك ولايتيني بروسبكت وغيرها، اتجاهًا أوسع للتكيف وإعادة التنظيم في أسواق الطاقة الدولية.
وتُعدّ هذه التحركات جديرة بالملاحظة، لأن معظم عمليات التسليم هذه جرت خلال مدة الإغلاق التي منحتها واشنطن، ما يسلط الضوء على الالتزامات الدقيقة والتكتيكية من جانب البلدان للحفاظ على تدفقات الطاقة الواردة وسط العقوبات العالمية والعقبات التنظيمية.
ويسلط هذا السيناريو الضوء على التوازن المعقد بين الإستراتيجيات الجيوسياسية، والمصالح الاقتصادية، واحتياجات أمن الطاقة.
وعلى الرغم من أن دولًا مثل الصين تستغل الفرص المتاحة لتأمين صفقات طاقة مواتية، يواصل المجتمع العالمي صراعه مع العواقب الأوسع نطاقًا المترتبة على العقوبات، وديناميكيات التجارة، والسعي إلى الاستقلال الذاتي في مجال الطاقة.
ويمثل استعداد الصين لاستيراد النفط الروسي بكميات كبيرة بديلًا عمليًا للسوق الهندية، مع وجود خطط لزيادة واردات خامي إسبو وسوكول بصورة كبيرة.
ويمكن للصين أن تزيد إمداداتها من النفط الروسي من خامي إسبو وسوكول 3 أضعاف، لتصل إلى 1.7 مليون برميل يوميًا.
ويُظهر تفضيل المعاملات باليوان على الروبية الاعتبارات المالية الكامنة وراء هذه العلاقات التجارية.
وتوضح مشتريات تركيا المتزايدة من النفط الروسي، على الرغم من التحديات اللوجستية، إذ اشترت رقمًا قياسيًا بلغ 400 ألف برميل يوميًا، والتوسع المحتمل لأسطول الظل لاستيعاب رفض التعاون الهندي، الشبكة المعقدة من الإستراتيجيات التي نشرتها روسيا، للحفاظ على توسيع صادراتها النفطية في ظل مشهد عالمي سريع التغير.
وكانت الزيادة الهائلة التي حققتها الهند في وارداتها من النفط الروسي، من الصفر تقريبًا إلى 9 ملايين طن شهريًا في أقل من عامين، بمثابة حجر الزاوية في إستراتيجية روسيا لتعويض الخسائر التي تكبدتها من السوق الأوروبية بسبب العقوبات.
وقد سمحت هذه العلاقة لروسيا بالتعويض عمّا يقرب من 80% من خسائرها في السوق الأوروبية، ما يسلط الضوء على الدور المهم الذي تؤديه الهند في إستراتيجية تصدير النفط العالمية التي تنتهجها روسيا. رغم ذلك، فإن مشهد سياسات الطاقة العالمية معقد، إذ يتنافس أعضاء تحالف أوبك+ والدول الخاضعة للعقوبات مثل فنزويلا وإيران على حصة من السوق الهندية المربحة.
وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يرتفع الطلب على النفط في الهند بصورة أسرع من أي دولة أخرى، ليصل إلى 6.6 مليون برميل يوميًا بحلول عام 2030، ما يزيد من أهميتها الإستراتيجية في تجارة النفط العالمية.
في المقابل، ينطوي فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات ضد روسيا وتأثيرها في سوق النفط العالمية على عواقب غير مقصودة، خصوصًا بالنسبة إلى المستهلكين الأوروبيين.
وقد تعرّض دور الهند كونها مصدرًا مهمًا للمنتجات البترولية إلى الاتحاد الأوروبي للخطر، بسبب انخفاض مشترياتها من النفط الروسي، الأمر الذي قد يؤدي إلى تراجع حجم الإمدادات إلى المنطقة.
وكانت الزيادة في التكاليف اللوجستية، والعمولات الوسيطة، والتعويضات عن مخاطر العقوبات، سببًا في دفع أسعار المنتجات النفطية في الاتحاد الأوروبي إلى الارتفاع بنسبة 20% إلى 30% في المتوسط.
بدوره، يؤدي الصراع الدائر في الشرق الأوسط إلى تفاقم هذه التحديات، إذ تؤدي العمليات العسكرية التي تشارك فيها إسرائيل ودول حلف شمال الأطلسي وإيران واليمن إلى زيادة المخاطر والتكاليف المرتبطة بنقل النفط عبر قناة السويس.
ويسلط المسؤولون والخبراء الروس الضوء على عوامل مختلفة تؤثر في قرارات الشراء في الهند، بما في ذلك جودة وسعر النفط الروسي واحتمال فرض عقوبات ثانوية.
ويتأرجح النقاش بين المخاوف بشأن القدرة على تحمل تكاليف النفط الروسي عالي الجودة للشركات الهندية والنفوذ الإستراتيجي الذي تكتسبه الهند في التفاوض على تخفيضات إضافية بسبب العقوبات الجديدة.
ولا يشير هذا الوضع حتى الآن إلى نقص المعروض في سوق النفط العالمية، لكنه قد يؤدي إلى زيادة التكاليف التشغيلية وانخفاض هوامش الربح لشركات الطاقة الروسية.
أسواق بديلة
تستكشف روسيا أسواقًا بديلة للتخفيف من تأثير الديناميكيات التجارية المتغيرة، مع ظهور الدول الأفريقية والآسيوية، بما في ذلك منغوليا وأوزبكستان، بصفتها وجهات محتملة لصادرات النفط الروسي.
ويُعد توسيع أسطول الظل لتجاوز العقوبات والحفاظ على حجم الصادرات وسيلة أخرى يجري اتباعها، ما يؤكد قدرة إستراتيجيات تصدير النفط الروسية على التكيف في مواجهة الضغوط الجيوسياسية.
ومع استمرار سوق النفط العالمية في مواجهة التوترات الجيوسياسية، والعقوبات، وإعادة التنظيم الإستراتيجي، فإن مرونة وقدرة اللاعبين الرئيسين مثل روسيا والهند والصين على التكيف سوف تؤثر بصورة كبيرة في الاتجاه المستقبلي لتجارة الطاقة العالمية والدبلوماسية الاقتصادية.
فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
اقرأ أيضًا..