ما تزال الأسباب وراء قرار تعليق تصاريح صادرات الغاز المسال الأميركي الجديدة محلّ تمحيص، حتى بعد مرور وقت منذ صدوره في أواخر شهر يناير/كانون الثاني (2024).

وفي مقال له بعنوان “بايدن لن يسمح لأميركا بتزويد العالم بالغاز منخفض الكربون.. إنه جنون الطاقة”، دحض محلل شؤون الطاقة الأميركي ديفيد بلاكمون أسبابًا بررت بها إدارة الرئيس جو بايدن القرار.

ووصف باكمون القرار بالتعسفي المدفوع -بشكل واضح- باعتبارات سياسية مصممة تقريبًا لسرقة النفوذ الإستراتيجي للولايات المتحدة، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).

وبينما قالت الحكومة، إن القرار يستهدف تقييم الآثار الشاملة لصادرات الغاز المسال الأميركي على المناخ، أظهرت نتائج دراسة واقعًا مغايرًا؛ إذ إن انبعاثات الغاز المسال الأميركي أقل من الفحم، وأيضًا من الغاز المنقول عبر الأنابيب إلى وسط أوروبا وشمالها.

وأدت الولايات المتحدة دورًا محوريًا في تعويض غياب الغاز الروسي، وفي ذلك الوقت كانت القارة العجوز بحاجة ماسّة إلى الغاز المسال، وليس الطاقة المتجددة، التي -بحسب الكاتب- ما زالت غير قادرة على تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء.

وبعدما أصبحت أكبر مصدر للغاز المسال في العالم خلال 2023، سيبدّد القرار ثقة شركاء أميركا وحلفائها في قدرتهم على الاعتماد على صادرات الغاز المسال الأميركي لتلبية احتياجات شعوبهم.

تعليق صادرات الغاز المسال الأميركي

في معرض تبريره لقرار تعليق تراخيص محطات تصدير الغاز المسال الأميركي الجديدة، قال الرئيس جو بايدن: “تغير المناح تهديد وجودي لعصرنا”.

ونال القرار إشادة واسعة من قبل الجماعات المدافعة عن البيئة الذين يُعوّل عليهم بايدن للتصويت له في الانتخابات المرتقبة أمام المرشح المتوقع والرئيس السابق دونالد ترمب.

وبحسب بايدن، ستكون تراخيص محطات تصدير الغاز المسال الأميركي الجديدة موضع تحقيق؛ ما يعني أن الموافقات ستتأخر لما بعد الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني (2024).

ناقلة غاز مسال أمام محطة تابعة لشركة شينير إنرجي الأميركية- الصورة من وكالة بلومبرغ

وعلى نحو خاص، يحمل القرار عواقب ضخمة محتملة على المملكة المتحدة التي تعتمد على واردات الغاز المسال لتلبية ثُلث احتياجاتها، ويأتي نحو نصفها من أميركا، ولذلك، فمن شأن أيّ قيود على الإمدادات أن تؤثّر في الأسعار وأمن الطاقة هناك.

وكانت آخر مراجعة لمشروعات صادرات الغاز المسال الأميركي في 2018، ومنذ ذلك الحين تضاعفت قدرات التصدير الأميركية 3 مرات، ومن المتوقع أن ترتفع أكثر بحلول 2030 مع دخول مشروعات جديدة حيز التشغيل.

آثار القرار

حذّر نقّاد من أن القرار المستمر لأجل غير مسمى سيقوّض النفوذ الإستراتيجي للولايات المتحدة في الشؤون العالمية، بالنظر لكونها أكبر مصدر للغاز المسال في العالم، كما سيُضعف ثقة الشركاء في قدرتهم على الاعتماد على الصناعة الأميركية.

ويقول المدير في هيئة أوفشور إنرجيز يو كيه ( Offshore Energies UK) التي تمثّل صناعة النفط والغاز والرياح في المملكة المتحدة، روس دورنان، إن الولايات المتحدة ثالث أكبر مصدر للغاز إلى المملكة المتحدة، لكن التصريحات الأخيرة تُظهر كيف أن ذلك الوضع لا يمكن عَدّه أمرًا مسلمًا به.

وفي سياق متصل، أشار الكاتب والمحلل ديفيد بلاكمون إلى أن القرار فتح الباب أمام دول أخرى مصدرة للغاز المسال، مثل قطر وأستراليا وروسيا لزيادة الصادرات والاستحواذ على حصة أكبر في السوق العالمية.

وبالفعل، اتجهت قطر وروسيا لزيادة الصادرات وإقامة محطات جديدة، في وقت يقوم فيه البيت الأبيض بقيادة جو بايدن بإضاعة الوقت، وفق ما جاء في تقرير لصحيفة “ذا تيليغراف” البريطانية (The Telegraph).

انبعاثات الغاز المسال الأميركي

وجهت دراسة جديدة ضربة لمبررات وقف تصاريح محطات صادرات الغاز المسال الأميركي التي أعلنتها إدارة الرئيس جو بايدن.

وكشفت مجموعة بيركلي للأبحاث (BRG) أن كثافة انبعاثات غازات الدفيئة من صادرات الغاز المسال الأميركي أقل من الغاز الطبيعي المنقول عبر الأنابيب إلى أوروبا من الجزائر وروسيا وتركمانستان، وأقل بنحو 50% من انبعاثات الفحم.

وكانت انبعاثات الغاز المسال الأميركي أعلى من الغاز المنقول إلى وسط أوروبا، قادمًا من أذربيجان والنرويج.

وبناءً على النتائج، يقول الكاتب ديفيد بلاكمون، إن القرار بُني على أساس “مبرر خادع” مماثل لأمر تنفيذي اتخذه بايدن في أول أيامه بالبيت الأبيض بإلغاء مشروع توسُّع خط أنابيب النفط “كيستون إكس إل” بين كندا وأميركا.

الكاتب ديفيد بلاكمون
الكاتب ديفيد بلاكمون- الصورة من “blackmon.substack”

أهمية الغاز المسال

انتقدت مديرة حملة ما وراء الوقود القذر في منظمة سيرا كلوب البيئية (Sierra Club) كاثي كولنتين المقارنة المستمرة “الخاطئة” بين انبعاثات الغاز المسال والفحم، مع التجاهل الكامل لمصادر الطاقة المتجددة في المعادلة.

وفي المقابل، قالت، إنه لتقييم الآثار العميقة بدقة لصادرات الغاز على أزمة المناخ، يمكن إضافة مقارنات تشمل الزيادة السريعة في الوصول إلى الكهرباء المتجددة.

وهنا يقول ديفيد بلاكمون، إن ذلك الرأي يتجاهل حقيقة أن نشر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح يتسارع، لكنها لم تنجح بعد في اللحاق بوتيرة الطلب المتزايد على الكهرباء.

وفي هذا الصدد، دافع الرئيس التنفيذي لمنظمة “إل إن جي ألايز” (LNG Allies) فريد هاتشيسون عن نتائج الدراسة، قائلًا، إن المنتقدين لها يتجاهلون الحقائق على الأرض.

وأضاف: “في عام 2022، عندما غزت روسيا أوكرانيا وانقطع الغاز، لم يكن هناك المزيد من الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح المستعملة في تلك الأوقات، وإذا كانت هناك لكانت قد خفضت الطلب على الغاز المسال الأميركي”.

وتابع: “كان العالم في حاجة شديدة للغاز المسال، وكانت أوروبا في الغالب بحاجة ماسّة للغاز المسال”.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.

رابط المصدر

شاركها.