اقرأ في هذا المقال

  • الحرب الأوكرانية تشعل الجدل خارج الميدان حول سياسات المناخ الأوروبية
  • تشديد سياسات تسعير الكربون يمكنها خفض الانبعاثات، لكنها قد ترفع أسعار الطاقة
  • التوسع بسياسات تحسين كفاءة الطاقة في قطاعي النقل والمنازل أكثر فعالية
  • خفض واردات الوقود الأحفوري وإحلالها بكهرباء متجددة منتجة محليًا قد يساعد
  • تعزيز تجارة الكهرباء الإقليمية بين الدول الأوروبية وبعضها إحدى التوصيات

احتدم الجدل حول سياسات المناخ في أوروبا ومدى جدواها الاقتصادية ودعمها أمن الطاقة أو تهديده، في ظل الاضطرابات الجيوسياسية التي يمرّ بها العالم منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وحتى الآن.

في سياق هذا الجدل، أظهرت دراسة تحليلية حديثة -حصلت وحدة أبحاث الطاقة، ومقرها واشنطن، على نسخة منه- أن سياسات المناخ يمكنها أن تعزز أمن الطاقة في أوروبا بنسبة 8% بحلول عام 2030 على الأقل.

وتسبَّب الغزو الروسي لأوكرانيا في اندلاع أسوأ أزمة طاقة منذ سبعينيات القرن العشرين، ما أعاد قضايا أمن الطاقة إلى قمة خطة السياسات الحكومية، وأشعل الجدل مجددًا حول سياسات المناخ في أوروبا.

ويخشى معارضو سياسات المناخ في أوروبا من التحديات الواقعية ومخاطر تجاهلها على أمن الطاقة في القارة، بينما يتشبث المؤيدون بمواقفهم الداعمة لهذه السياسات بدوافع بيئية غالبة على خطابهم.

وكان ردّ فعل صنّاع السياسات سريعًا بعد اندلاع الحرب عبر تأمين إمدادات الغاز الطبيعي البديلة وتحسين كفاءة استعمال الطاقة والتوسع في الطاقة المتجددة، استنادًا إلى أنها ستخفض الانبعاثات من ناحية، وتعزز أمن الطاقة على الجانب الآخر.

في المقابل، رأى المعارضون أن هذا النهج من شأنه أن يزيد من تكلفة الطاقة، وأن يدفع باتجاه التخلص التدريجي من الفحم بسرعة أكبر ستؤدي في النهاية إلى إضعاف أمن الطاقة في القارة.

حساب آثار سياسات المناخ في أوروبا

تُظهر دراسة مشتركة صادرة عن صندوق النقد الدولي -مؤخرًا- أن تعزيز سياسات المناخ في أوروبا قد يحقق فوائد كبيرة في مجال أمن الطاقة، إلى جانب الأهداف البيئية المعروفة.

وحاول 4 باحثين اشتركوا في إعداد هذه الدراسة قياس آثار العمل المناخي في القارة الأوروبية عبر عملية محاكاة تعتمد على اثنين من مقاييس أمن الطاقة الأساسية، وهما: أمن الإمدادات وانقطاع واضطرابات الطاقة.

ويقيّم المقياس الأول خطر انقطاع إمدادات الطاقة من خلال الجمع بين مدى اعتماد الدولة في استهلاكها للطاقة على الواردات ومدى تنوع هذه الواردات، بينما يقيس الثاني مرونة اقتصادها في مواجهة حالات انقطاع الطاقة والإنفاق اللازم لذلك وتقدير حصته في الناتج المحلي الإجمالي للدولة.

وكان من المثير للدهشة لدى الباحثين ما أظهرته النتائج من أن أمن الطاقة في أوروبا تدهور بالفعل خلال العقود التي سبقت الغزو الروسي لأوكرانيا، بسبب الاعتماد المتزايد على الواردات عبر عدد أقل من المورّدين.

لماذا تسعير الكربون أقل فاعلية؟

تُظهر نتائج الدراسة أن رفع أسعار الكربون وتشديد لوائح كفاءة الطاقة في قطاعات معينة، إضافة إلى تسريع إجراءات التراخيص اللازمة لمصادر الطاقة المتجددة، من شأنها أن تعمل معًا على تحسين أمن الطاقة في أوروبا وفقًا للمقاييس المعتمدة.

ورغم ذلك، فقد تختلف تأثيرات هذه الآليات في سياسات المناخ في أوروبا حسب ظروف كل منطقة، إذ يمكن لتسعير الكربون -على سبيل المثال- أن يساعد في خفض الانبعاثات بأقل تكلفة على الاقتصادات عامة.

ورغم ذلك، قد يستغرق أثر آلية تسعير الكربون بعض الوقت لتحسين أمن الطاقة في بعض الاقتصادات كثيفة الاستهلاك للطاقة عالية الانبعاثات، خاصة في أوروبا الوسطى والشرقية، حال الاعتماد عليها فقط لخفض الانبعاثات.

في هذه الحالة، ستضطر هذه الاقتصادات إلى التخلص التدريجي من الفحم المحلي في أقرب وقت ممكن، لتجنّب دفع تكاليف الكربون المتزايدة، ما قد يؤدي إلى خفض الاستهلاك و الانبعاثات بالفعل، لكن ذلك قد يأتي على حساب أمن الطاقة ويؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة وتكاليفها.

أبراج تبريد في محطات توليد بالفحم في أوروبا – الصورة من bloomberg

على النقيض من ذلك، تعدّ التنظيمات الأقوى المتعلقة بكفاءة استعمال الطاقة في قطاعات النقل والمباني أقل كفاءة من تسعير الكربون في خفض الانبعاثات، ولكنها ستحقق فوائد مشتركة أكبر في أمن الطاقة.

إذ يمكن لهذه الإجراءات الترشيدية أن تسهم في خفض استهلاك الطاقة مثلما تفعل سياسات تسعير الكربون، لكنها تميل إلى خفض أسعار الطاقة، وكذلك الإنفاق الإجمالي على الطاقة بصورة أكبر، بحسب دراسة صندوق النقد الدولي.

ومن شأن الجمع بين اللوائح التنظيمية لتحسين كفاءة الطاقة ودعم الأسر الأكثر فقرًا لشراء المزيد من المركبات الموفرة للطاقة وأنظمة التدفئة المنزلية الأقل استهلاكًا للطاقة، أن يجعل هذه الإجراءات أكثر قبولًا بين الجمهور، ويساعد في تسريع تنفيذها والامتثال لها.

كما يمكن لتسريع إجراءات الحصول على التراخيص والتصاريح اللازمة لمشروعات الطاقة المتحددة أن يسهم في تحسين أمن الطاقة على نطاق واسع في جميع أنحاء أوروبا، عبر توسيع إمدادات الطاقة المحلية.

3 طرق لتحسين أمن الطاقة

توصي الدراسة بتضمين سياسات المناخ في أوروبا كل الأدوات سالفة الذكر معًا، لكونها تجمع بين الكفاءة الاقتصادية لآلية تسعير الكربون والفوائد الأخرى الأوسع نطاقًا للآليات التنظيمية الأخرى في تعزيز أمن الطاقة.

وعلى وجه التحديد يمكن تحسين أمن الطاقة عبر 3 طرق رئيسة تشمل خفض الاعتماد على الواردات أولًا، ثم تنويعها ثانيًا، ثم خفض نفقاتها أخيرًا، بحسب توصيات الدراسة.

ويختص المسار الأول لتحسين أمن الطاقة بتقليل الاعتماد على الواردات، عبر الاستغناء عن الوقود الأحفوري المستورد والتوسع في إحلاله بمزيد من الكهرباء المتجددة المنتجة محليًا.

بينما يختص المسار الثاني بالعمل على تنويع واردات الطاقة في الاقتصادات الفردية، ولكن عبر مورّدين من داخل القارة بعيدًا عن المورّدين غير الأوروبيين، وخاصة في مجال تجارة الكهرباء الإقليمية.

ويستلزم هذا المسار تعزيز الطاقة المتجددة والتوسع في عمليات كهربة النقل وأنظمة التدفئة المنزلية على وجه الخصوص، وذلك عبر دعم تجارة الكهرباء الحالية بين الدول الأوروبية وبعضها، ما يسمح بتداول المنافع المتبادلة.

مشروعات طاقة رياح في أوروبا
مشروعات طاقة رياح في أوروبا – الصورة من bloomberg

أمّا المسار الثالث، فيختص بخفض الإنفاق على الطاقة، وهو مسار ممكن عبر زيادة استثمارات كفاءة الطاقة التي ستقلل الطلب من جانب، وتسارع نشر الطاقة المتجددة التي ستؤدي إلى زيادة إمدادات الطاقة على الجانب الآخر، وكلاهما سيؤديان إلى انخفاض أسعار الطاقة وتعويض التكلفة المرتفعة الناجمة عن ارتفاع أسعار الكربون.

استنادًا إلى هذا التحليل، ترى دراسة صندوق النقد الدولي أن حزمة سياسات المناخ في أوروبا التي تستهدف خفض الانبعاثات بنسبة 55% مقارنة بمستويات عام 1990، يمكنها أن تعمل على تحسين مقاييس أمن الطاقة بنسبة 8% بحلول عام 2030، على مستوى القارة بأكملها.

كما يمكن لهذه الحزمة أن تمكّن الاتحاد الأوروبي من عكس اتجاه 13 عامًا من تدهور القدرة الاقتصادية على الصمود في مواجهة انقطاعات الطاقة و8 أعوام من الانخفاض في إمداداتها، بحسب التحليل الذي يتوقع مكاسب أعلى، مع تعزيز أوروبا سياسات المناخ بعد عام 2030.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.

رابط المصدر

شاركها.