كشفت صناعة الطاقة الشمسية في الصين خلال عام 2023 عن وجه جديد لهيمنتها العالمية، كما تطمح بكين إلى تحقيق نجاحات جديدة.
وتسعى الصين إلى دعم صناعات الألواح الشمسية والسيارات الكهربائية وبطاريات الليثيوم، وتسخير الصناعات الناشئة مثل الشمسية التي يراها الرئيس شي جين بينغ قوى إنتاجية جديدة، لإعادة الدماء إلى شرايين الاقتصاد الذي يشهد تباطؤًا منذ أكثر من 10 سنوات.
كما يأتي الاهتمام بصناعة الطاقة الشمسية في الصين، في إطار برنامج لجعل بكين أقل اعتمادًا على واردات الطاقة، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
في المقابل، تشهد الولايات المتحدة وبلدان أوروبا محاولات مستميتة لإحياء إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة، وإبعاد الشركات عن شفا الإفلاس، وسط إغراق الواردات الصينية الرخيصة، والحاجة الملحة إلى توفير إمدادات موثوقة لملء فراغ كبير خلّفه خروج الغاز الروسي من القارة العجوز.
صناعة الطاقة الشمسية في الصين
كان تدني الأجور وتوافر الأراضي والدعم الحكومي الوفير وراء الطفرة التي شهدها العام الماضي (2023) في صناعة الطاقة الشمسية لدى الصين.
وفي مقال له بصحيفة “ذا نيويورك تايمز” الأميركية (The New York Times)، حلل الكاتب كيث برادشر، أسباب النجاح الصيني، بالمقارنة بأوروبا والولايات المتحدة.
وكانت تركيبات الألواح الشمسية الصينية في 2023 أكثر بكثير من نظيرتها في الولايات المتحدة على مدى تاريخها.
وخفّضت الصين أسعار البيع بالجملة للألواح بمقدار النصف تقريبًا، وقفزت صادرات الألواح المجمعة بالكامل بنسبة 38%، كما تضاعفت صادرات المكونات الرئيسة للألواح.
ويرجع ذلك بالأساس إلى ميزة انخفاض تكاليف التصينع في الصين، وهو ما أكدته وحدة بحثية تابعة للمفوضية الأوروبية التي قالت في تقرير صدر خلال شهر يناير/كانون الثاني (2024)، إن التكلفة تتراوح بين 16 و18.9 سنتًا لكل واط.
في المقابل، تتراوح التكلفة بالنسبة إلى الشركات في أوروبا بين 24.3 و30 سنتًا للواط، وفي أميركا نحو 28 سنتًا.
يأتي هذا الفارق الهائل في التكلفة بدعم من انخفاض الأجور في الصين، كما توفر المدن الأراضي اللازمة لبناء مصانع إنتاج الألواح الشمسية بانخفاض كبير عن أسعار السوق، وتقدم المصارف الحكومية -أيضًا- القروض الضخمة بأسعار فائدة منخفضة حتى لو كانت الشركات قد خسرت أموالها وأفلست.
ووجدت شركات صناعة الطاقة الشمسية في الصين السبيل لبناء المصانع وتزويدها بالأجهزة بصورة غير مكلفة.
وأيضًا، يُحدث انخفاض أسعار الكهرباء فارقًا كبيرًا، فالبولي سيليكون (المادة الخام الأساسية لتصنيع الألواح الشمسية) يتطلب كميات هائلة من الكهرباء التي يأتي ثلثها من الفحم بتكلفة منخفضة.
كما تعمل الشركات على خفض التكاليف أكثر عبر تركيب الألواح الشمسية في صحراء غرب البلاد، على أراضي الدولة المجانية، ثم تستعمل الكهرباء المنتجة من تلك المزارع الشمسية لإنتاج المزيد من البولي سيليكون.
أوروبا والولايات المتحدة
على عكس الصين، فإن أسعار الكهرباء في أوروبا باهظة، خاصة بعد التوقف عن شراء الغاز الطبيعي من روسيا (المزود الرئيس سابقًا) على خلفية غزو أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، بالإضافة إلى ذلك فإن الأراضي اللازمة لبناء المزارع الشمسية مكلفة أيضًا.
وفي الولايات المتحدة، عرقلت المخاوف البيئية في جنوب غرب البلاد تركيبات المزارع الشمسية.
وألقت الانتعاشة بصناعة الطاقة الشمسية في الصين بالفزع في نفوس الولايات المتحدة وأوروبا، وهو ما دفع صناع السياسات إلى التدخل لإنقاذ الصناعة من الانهيار الكامل.
وتباينت ردود الأفعال الغربية على صادرات الصين من مكونات صناعة الطاقة الشمسية، ففي الولايات المتحدة قدمت إدارة الرئيس جو بايدن إعانات سخية، لتغطية معظم تكاليف تصنيع الألواح الشمسية، وجزء من تكاليف التركيب المرتفعة.
وفي أوروبا، قدمت الحكومات إعانات لشراء الألواح من أي مكان، ما أدى إلى زيادة ضخمة في مشتريات المستهلكين من الصين، وهو ما ألحق الضرر بصناعة الطاقة الشمسية في القارة.
وتجلى ذلك مؤخرًا في حالات الإفلاس التي اجتاحت الصناعة الأوروبية، إذ تقدّمت شركة “كريستالز” النرويجية (Crystals) بطلب لإشهار إفلاسها في أغسطس/آب (2023).
كما أعلنت شركة نورصن النرويجية (Norsun) في سبتمبر/أيلول (2023)، تعليق إنتاجها حتى نهاية ذلك العام، وفي فبراير/شباط (2023)، قالت شركة ماير برجر السويسرية (Meyer Burger) إنها ستوقف الإنتاح في النصف الأول من مارس/آذار الجاري داخل مصنعها الكائن في فرايبرغ الألمانية.
نجاح وتفوق
يقول الكاتب كيث برادشر، إن الصين نجحت في تجاوز العقبات الجمركية التي وضعتها الولايات المتحدة لواردات البولي سيليكون.
ويُنتج البولي سيليكون في منطقة شينجيانغ ذاتية الحكومة لقومية الإويغور المسلمة في شمال غرب الصين، وحظرت الولايات المتحدة استيراد مكونات الألواح التي تنتجها العمالة القسرية هناك، على خلفية اتهامات باضطهاد الأقلية المسلمة.
وبينما يدرس الاتحاد الأوروبي فرض حظر مماثل، لجأت الشركات الصينية إلى تصدير المكونات لتجميعها في مصانع بالخارج، في حين تقوم بعمليات التصنيع الأولية للألواح الشمسية داخل الصين، وهو ما يسمح بتجنيب الشحنات الحواجز التجارية، ومنها التعرفات الجمركية التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترمب.
كما تقيم العديد من كبريات شركات صناعة الطاقة الشمسية في الصين مصانع تجميع لها داخل أميركا، للاستفادة من إعانات قانون خفض التضخم الذي يقدم إعانات سخية لإحياء صناعة الألواح الشمسية التي انهارت تمامًا قبل أكثر من عقد بسبب الواردات الصينية الرخيصة.
ويرى كاتب المقال أن بناء صناعة أميركية قادرة على الاعتماد على نفسها سيكون عسيرًا، لأن الصين تنتج عمليًا كل المعدات العالمية لتصنيع الألواح الشمسية، وتوفير كل المعروض تقريبًا من مكونات الألواح بدءًا من الرقائق وحتى الزجاج.
وقد يواجه أي شخص يحاول صناعة الألواح الشمسية بمعزل عن الصين، تأخيرات محتملة في التركيب أو إصلاح المعدات.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..