تمتلك مشروعات الرياح البحرية في مصر إمكانات تدعم هدفها باستغلال مصادر الطاقة المتجددة بدلًا من الوقود الأحفوري؛ لتقليل معدلات الانبعاثات الكربونية وتلبية الطلب على الكهرباء النظيفة.
واختلف الخبراء حول أهمية تنفيذ هذه المشروعات في الوقت الراهن، بالنظر إلى الأولويات الاقتصادية محليًا، وكذلك تكلفة إنتاجها، رغم تأكيدهم امتلاك مصر الإمكانات الضخمة في هذا المجال.
وبحسب البيانات التي طالعتها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، يقارب إجمالي قدرات توليد الكهرباء من الإمكانات المحتملة لطاقة الرياح البحرية في مصر 166 غيغاواط.
وتتوزع هذه الإمكانات بين: 139 غيغاواط من المحطات العائمة (على عمق أقل من 1000 متر)، و27 غيغاواط من المحطات الثابتة (تكون على عمق أقل من 50 مترًا)، وفق بيانات صادرة عن البنك الدولي سابقًا.
ورغم هذه الإمكانات، لم تشهد البلاد تنفيذ مشروعات في هذا القطاع حتى الآن.
مواقع مرشحة
نشر البنك الدولي خريطة بشأن الإمكانات المحتملة لمشروعات الرياح البحرية في مصر (الثابتة والعائمة) على بُعد 200 كيلومتر من الشاطئ، في شهر مارس/آذار عام 2020، وعدّلها في يناير/كانون الثاني عام 2021.
وأوضحت بيانات البنك أن أبرز المناطق التي قد تتضمّن إمكانات هائلة للمشروعات البحرية بقطاع الرياح في مصر هي: “أبوزنيمة، والطور، والسويس”، بالإضافة إلى سواحل على البحر الأحمر.
واستحوذت مشروعات طاقة الرياح (بنوعيها البرية والبحرية) على 3% من إجمالي قدرات توليد الكهرباء في مصر خلال العام الماضي (2023)، حسبما أشار التقرير الصادر عن شركة غلوبال داتا للتحليلات والاستشارات البريطانية نهاية شهر سبتمبر/أيلول الماضي، ونشرها موقع باور تكنولوجي.
ومن المتوقع أن يرتفع إسهام مشروعات طاقة الرياح إلى 17% من القدرات الإجمالية لتوليد الكهرباء، من العام الجاري وحتى عام 2035.
وتوقع التقرير أن يبلغ معدل نموها السنوي ما يقارب 21%، خلال المدة بين عام 2023 و2035.
قدرات الرياح
ارتفع إجمالي قدرات توليد الكهرباء من مشروعات طاقة الرياح في مصر خلال العام الماضي بنسبة 15.03% مقارنة بعام 2022، لما يقارب 1.89 ميغاواط، وفق الإحصاءات المنشورة على موقع (ستاتيستا).
ورغم زيادة قدرات الطاقة المتجددة لا تتوافر إحصاءات حديثة لرصد إمكانات مشروعات طاقة الرياح البحرية في مصر، لكن تقريرًا صادرًا عن مجلس طاقة الرياح العالمي -منتصف يونيو/حزيران الماضي- أكّد أن منطقة الشرق الأوسط تمتلك إمكانات منها تقارب 1.4 غيغاواط، وفق ما نشره موقع زاوية.
ويُشير التقرير إلى أن تحقيق إمكانات طاقة الرياح البحرية في مصر ودول المنطقة يتطلّب مجموعة من الإجراءات لتحفيزها، من بينها: مراعاة بيئة الاستثمار، والدعم التنظيمي واللوائح الوطنية، وسرعة استخراج تراخيص المشروعات، وتوافر القوى العاملة الماهرة.
وأضاف أن أنشطة المشروعات البحرية التي تُنفّذ في المنطقة حاليًا تتعلق بالنفط والغاز فقط، في حين يُنظر إلى محطات طاقة الرياح على أنها ما زالت صناعة ناشئة.
ولفت إلى أن بلدان المنطقة تُعدُّ مكانًا مناسبًا لمشروعات الطاقة الشمسية؛ بسبب ظروفها المناخية وموقعها الجغرافي.
وقال التقرير إن الجهود المبذولة في بلدان المنطقة لتنويع مصادر الطاقة قد تشجعها على إعادة النظر في موقفها الحالي من مشروعات الرياح البحرية.
التقنيات الحديثة
قال رئيس المجلس العالمي للاقتصاد الأخضر، كبير مستشاري الطاقة في الصندوق العالمي للتنمية لدى الأمم المتحدة الدكتور محمد جمال كفافي، إن ما يحكم تنفيذ مشروعات الطاقة المتجددة -خاصة الرياح البحرية- في مصر هو: التقنيات القائمة واقتصادات الإنتاج أو التصنيع وتكلفتها.
وأضاف -في تصريحات إلى منصة الطاقة المتخصصة- أن تقنيات توليد الكهرباء من مشروعات طاقة الأمواج أكثر ملاءمة للإنشاء في البحر المتوسط لارتفاع حجم الأمواج فيه، لكنها ستكون مرتفعة التكلفة.
ويرى أن إنشاء محطات طاقة الرياح البحرية في مصر فكرة جيدة وتواكب التقنيات الحديثة، لكنه يرى أن حلول الطاقة الشمسية وطاقة الرياح البرية أرخص منها، لا سيما في ضوء توافر كثير من المساحات التي يمكن إقامتها عليها.
ويرجّح أن ترتفع تكلفة المحطات البحرية في مصر إلى ضعف نظيرتها البرية، لا سيما أنها تحتاج إلى منصات تثبيت في البحر، فضلًا عن ارتفاع قيمة صيانتها.
وأضاف أن هناك الكثير من الإمكانات غير المستغلة بعد لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية في مصر.
الجدوى الاقتصادية
يؤكد رئيس المجلس العالمي للاقتصاد الأخضر أنه ليس ضد الاستعانة بالتقنيات الحديثة، لكن لا بد من الأخذ بعين الحسبان الجدوى الاقتصادية للمشروعات.
ويرى أن تكلفة إنتاج الكهرباء من مشروعات الطاقة المتجددة -خاصة المشروعات البرية- متقاربة مع مصادر الطاقة التقليدية مثل النفط والغاز؛ لذا هناك منافسة شرسة بينهما، في حين لو اتجهنا إلى مشروعات طاقة الرياح البحرية في مصر فسترتفع التكلفة.
وقال إن الدول الأخرى التي تنفذ مشروعات توليد الكهرباء من الحلول البحرية المختلفة لا تمتلك معدلات سطوع شمسي أو رياح مثل التي تملكها مصر.
ويرى أن التوسع في تنفيذ مشروعات الطاقة الشمسية محليًا أفضل من طاقة الرياح البرية، لا سيما أن مصر تُعد من أفضل بلدان العالم في معدلات السطوع الشمسي طوال أيام العام.
وقال إن مكونات محطات الطاقة الشمسية غير ميكانيكية ولا تحتاج إلى صيانة أو إصلاح، في حين أن محطات الرياح -سواء البحرية أو البرية- تتضمن أجزاء ميكانيكية، ولديها عمر تشغيلي محدد، وتحتاج إلى صيانة.
حلول ممكنة ولكن!
يوضح أستاذ هندسة الطاقة الدكتور سامح نعمان، أن تنفيذ مشروعات الرياح البحرية في مصر سيحتاج إلى نقاط استقرار لتثبيت التوربينات، التي ستكون أعلى من نظيرتها البرية، بجانب سرعة الرياح الكبيرة لتحريك التوربينات.
وأضاف، في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة، أن منطقتي خليج الزيت ورأس غالب تعدان من أبرز المناطق المناسبة لتنفيذ مشروعات طاقة الرياح البحرية في مصر.
وأشار إلى أن هاتين المنطقتين يمكن أن تتضمنا سرعات مرتفعة للرياح، بشرط تثبيت التوربينات على ارتفاعات تتراوح بين 150 و180 مترًا، مضيفًا أن مجلس الوزراء منح ترخيصًا بإمكان تثبيتها على ارتفاع يقارب 220 مترًا.
وأشار إلى أن زيادة الارتفاع عن هذه المعدلات تؤثر في الطيور المهاجرة، وإمكان اصطدامها بالتوربينات.
مزايا مختلفة
رجّح الدكتور سامح نعمان إمكان استعمال التوربينات المكونة من 10 شفرات دوارة بمشروعات طاقة الرياح، بدلًا من 3 شفرات كما هو معتاد.
وأرجع ذلك إلى عملها على سرعات رياح أقل، وارتفاع كفاءة تشغليها، وإمكان عملها طوال أيام العام مقارنة بالتوربينات ذات الشفرات الـ3 التي لا تعمل إلا مدة تتراوح بين 3 و4 أشهر.
ولفت إلى أن تكلفة توليد الكهرباء من مشروعات الرياح البحرية والبرية في مصر متقاربة، لكنه يرى أن المزيد من التقدم في هذه المشروعات يتوقف على التوجه الحكومي اللازم لتنفيذها، وحجم احتياجات الدولة إلى مشروعات الطاقة المتجددة المتوقع أن ترتفع خلال السنوات المقبلة.
وفي ضوء هذه التطورات، أكد أستاذ هندسة الطاقة أهمية زيادة حجم وقدرات مشروعات الطاقة المتجددة التي تتضمّن طاقة الرياح.
تحديات عدة
قالت أستاذة الاقتصاد والطاقة الدكتورة وفاء علي، إن صناعة الطاقة المتجددة في العالم تواجه تحديات محفوفة بالمخاطر في المدة الراهنة بسبب تأثيرات التوترات الجيوسياسية في السوقين العالمية والمحلية.
وأضافت، في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، أن مصر تمضي حاليًا في طريقها لتصبح مركزًا إقليميًا ودوليًا لتداول الطاقة المتجددة، ضمن مساعيها لتكون رائدة بالقطاع في المنطقة.
ولفتت إلى أن مصر استطاعت أن تحرز تقدمًا ملحوظًا في هذا القطاع، وتستهدف استحواذ مشروعات طاقة الرياح على 42% من إجمالي قدرات توليد الكهرباء عبر مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2035.
وأضافت أن مجلس الطاقة العالمي، ووكالة الطاقة الدولية، أقرّا أن مصر لديها كل الإمكانات لهذه الصناعة.
وأشارت إلى أن كفاءة التوربينات ومعدلات تشغيلها تقارب 90%؛ الأمر الذي يجعل مشروعات طاقة الرياح فرصة واعدة لتوليد الكهرباء محليًا.
شراكات دولية
أضافت الدكتورة وفاء علي أن مصر أطلقت العنان للإمكانات المتاحة في مختلف القطاعات المرتبطة بطاقة الرياح، وانخرطت في شراكات دولية لإقامة مشروعات مختلفة فيها.
وقالت إن طاقة الرياح أرخص من حيث التكلفة، مقارنة بالطاقة الشمسية، فضلًا عن توافر الإمكانات المحلية لتصنيع المكونات الأساسية لهذه الصناعة.
وأشارت إلى أن مصر تُعد الأولى عربيًا في إنتاج طاقة الرياح، لافتًة إلى أن هناك 3 مشروعات برية عاملة حاليًا هي: مزرعة الزعفرانة بقدرة 585 ميغاواط، وجبل الزيت بقدرة تقارب 580 ميغاواط، ومحطة خاصة بخليج السويس بقدرة 250 ميغاواط.
وقالت إن مصر تسعى لزيادة عدد محطات طاقة الرياح بالتعاون مع الشركاء الدوليين، لا سيما أن مشروعات الطاقة المتجددة تفتح آفاقًا جديدة، وتوفر ما يقارب 100 ألف فرصة عمل، مع تفادي 23.8 مليون طن سنويًا من الانبعاثات الكربونية.
في المقابل، قالت إن مشروعات طاقة الرياح البحرية في مصر تعدّ مصدرًا مستدامًا للطاقة، لكنها تحتاج إلى ضخ استثمارات كبيرة لتنفيذها.
ولفتت إلى أن تلك المشروعات استأثرت بـ40% من موازنات الدول المنفذة لها خلال العام الماضي (2023).
وأضافت أنه رغم التكلفة المرتفعة لمشروعات الرياح البحرية، فإن الشراكات مع الكيانات الكبرى وتوطين صناعة التوربينات تقلّل من التكاليف، مع الأخذ في الحسبان أن هذه المحطات تحظى بميزة التوقف اللحظي في أثناء عبور الطيور المهاجرة حفاظًا على التنوع البيولوجي.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..