بعد الانقلاب على محمد مصدق في إيران وعودة الشاه محمد رضا بهلوي، أرادت أميركا حصة من النفط في البلد، الذي كانت تسيطر عليه شركة بريطانية، لذلك عملت على طرد البريطانيين والأوروبيين، وإدخال شركاتها بدلًا منها.
وفي هذا الإطار، يوضح مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، أن الشركات الأميركية الموجودة في المنطقة، كانت شركة أرامكو، المملوكة حينها لـ4 شركات في الولايات المتحدة.
وقال الحجي -خلال حلقة من برنامجه “أنسيّات الطاقة“، قدمها على منصة “إكس” (تويتر سابقًا) تحت عنوان “آثار مقتل الرئيس الإيراني في أسواق النفط والعلاقات مع أوبك وأوبك+”-، إن أرامكو دخلت وكانت تملك 21% من الشركة الجديدة التي تسيطر على كل النفط لدى طهران.
وأضاف: “أرامكو كانت شريكة، لأنها تمثّل الشركات الأميركية في المنطقة، وبالطبع كان محمد مصدق تحت الإقامة الجبرية، ومات وهو رهن هذه الإقامة في عام 1967، وطيلة هذه المدة ساءت الأمور بصورة كبيرة مع حدوث تطورات مهمة”.
تأسيس أوبك والنفط في إيران
قال مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) الدكتور أنس الحجي، إن أحد أبرز التطورات كان إسهام إيران في تأسيس أوبك عام 1960، إذ كانت أحد المؤسسين الإستراتيجيين للمنطقة.
ولفت إلى أن الشاه محمد رضا بهلوي ظل منزعجًا حتى وفاته مما حدث، وذلك بسبب أن العقود المجحفة التي وقّعها تسببت -حتى قيام الثورة الإيرانية في عام 1979- في أن إيرادات الحكومة كانت بسيطة جدًا مقارنة بما تحصل عليه دول الخليج.
وأضاف: “لقد وقّع الشاه عقودًا مجحفة ولا يستطيع تجاوزها، لذلك عندما نتكلم عن المقاطعة النفطية في عام 1973 كما ذكرنا في حلقات سابقة، نقول إن أثر المقاطعة كان بسيطًا، وما لا يدركه كثيرون، أن دول أوبك قررت قبل المقاطعة بيوم، وبدعم كبيرة من الشاه، رفع السعر المعلن 70%”.
لذلك، وفق الدكتور أنس الحجي، ما أثر في الأسواق حينها ليس المقاطعة، بقدر ما هو رفع السعر المعلن 70% الذي كانت تطالب به إيران، التي كانت تحصل على إيرادات أقل بكثير من دول الخليج، بناء على العقود المجحفة التي وقعها الشاه.
وتابع: “الأمر المرتبط بهذا الموضوع أن طهران كانت تصدر 6 ملايين برميل من النفط الخام يوميًا في ذلك الوقت، وكانت أكبر منتج ودورها العالمي كبير جدًا، إذ إن 6 ملايين برميل في ذلك الوقت من السبعينيات تمثّل رقمًا ضخمًا وحصة كبيرة للغاية”.
ومع قيام الثورة في البلاد، قررت الحكومة الجديدة تخفيض الإنتاج من 6 إلى 3 ملايين برميل، بسبب وجود احتجاجات كبيرة من المهندسين الإيرانيين، بأن ما يحدث استنزاف من الشركات الأميركية والأوروبية لموارد البلاد، وأن الحقول استنزفت وبعض الآبار بدأت تنهار.
كما قال المهندسون إن هناك مشكلات كبيرة في الاحتياطيات، إذ إن هناك احتياطيات لا يمكن استخراجها على الإطلاق بسبب الاستنزاف الشديد لها، لذلك كانوا يوصون بتخفيض الإنتاج للحفاظ على هذه الثروة للمستقبل، ولكن الشاه لم يرد، لأنه ملزم بالعقود التي وقّعها وكان يخاف من التغيير.
الثورة الإيرانية وصناعة النفط
قال خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، إن مجيء الثورة الإيرانية ألغى كل العقود السابقة، ومن ثم ارتفعت أسعار النفط، إذ تغيّر من السعر الوارد في العقود إلى الأسعار العالمية، وتمكّنت الحكومة من الحصول على أموال من بيع 3 ملايين برميل يوميًا، أكثر مما كانت تحصل عليه من بيع 6 ملايين برميل.
لذلك، وفق الحجي، كان هذا حافزًا لخفض الإنتاج بهدف الحفاظ على الموارد النفطية في البلاد من جهة، وجني أموال أكثر من جهة أخرى، فكان هذا التخفيض تقنيًا من جهة، واقتصاديًا من جهة أخرى، وكان له دور كبير في وصول أسعار النفط إلى مستويات قياسية في ذلك الوقت.
وأوضح الدكتور أنس الحجي أن أسعار النفط ارتفعت في البداية بسبب إضراب عمال النفط في عام 1978، ثم قيام الثورة في إيران، ثم التخفيض الكبير في الإنتاج الذي حدث بعد هذه الثورة، وهو ما أسهم في ارتفاع الأسعار بصورة كبيرة.
ولكن، ما أن استقر الوضع للحكومة الجديدة حتى بدأت الحرب مع العراق، واستمرت الأسعار في الارتفاع، ووصلت إلى مستويات قياسية جديدة في عام 1980، إذ استمرت الحرب 8 سنوات، من عام 1980 إلى عام 1988، وخلالها دمر كل بلد كل البنية التحتية لصناعة النفط لدى الآخر.
وضمن المنشآت التي دمرت، كانت مصفاة عبادان، التي كانت حينها أكبر مصفاة نفط في العالم، إذ أدى تدميرها دورًا كبيرًا في المستقبل، لا سيما في عهد الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، بسبب عدم امتلاك بلاده أي قدرة على إنتاج البنزين.
ولاحقًا، فرضت الولايات المتحدة العقوبات على النظام الإيراني، فكان من ضمن ما حدث أن بدأ الحديث في مجلس الشيوخ الأميركي عن تطبيق عقوبات تشمل واردات طهران من البنزين، إذ إن كل البنزين هناك حينها كان مستوردًا.
حينها، وفق الدكتور أنس الحجي، قررت الحكومة إنشاء مصافٍ من النوع البسيط، وبداية إنعاش المصافي القديمة، إذ اتخذت إجراءات عدة في ذلك الوقت، حتى أصبحت مكتفية من البنزين، ومن ثم خسرت أميركا الورقة التي كانت في يدها.
وتابع: “بغض النظر عن موقفنا من إيران، هناك إنجازات للحكومة من ناحية الأمن القومي، يمكن اعتبارها دروسًا تاريخية لدول أخرى، منها كيف استطاعت البلاد أن تتخلص من الاعتماد على واردات البنزين بالكامل خلال مدة قصيرة”.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..