لا يخفى على أحد أن أوضاع الكهرباء في لبنان تشهد تفاقمًا واضحًا مؤخرًا، مع دخول البلاد حالة العتمة الشاملة، الأمر الذي يضيف أعباء -بلا شك- على الدولة اللبنانية والحكومة التي تسعى إلى حل الأزمة في أقرب وقت.

كما لا يخفى أن الوضع تفاقم بسبب تأخر وصول شحنة النفط العراقي إلى لبنان، وتأخر فتح الاعتمادات اللازمة لسداد ثمن هذا النفط، في وقت ثارت فيه تساؤلات ومحاذير حول الناقلة “سبوت كارغو” (Spot Cargo)، لم تجعلها تصل في وقتها.

ويجب الإشارة هنا إلى أن وزارة الطاقة والمياه تُعد سلطة وصاية على مؤسسة كهرباء لبنان، وليست لديها سلطة تنفيذية عليها، ومن ثم فإن المؤسسة لديها مجلس إدارتها الخاص وقراراتها الخاصة، وكذلك سياساتها الخاصة، بما يتناسب مع توجيهات وزير الطاقة والحكومة اللبنانية.

لذلك، فإن المؤسسة لها استقلاليتها في اتخاذ القرارات، ولكن ذلك من ضمن السياق العام والسياسة العامة، كما أن سلب استقلالية المؤسسة لن يحل أزمة الكهرباء في لبنان، لأن الأزمة غير مرتبطة بمشكلة واحدة.

فأزمة الكهرباء في لبنان مرتبطة بعدد كبير من المشكلات، وحل مشكلة واحدة منها لن يعوّض غياب التيار، فيجب أن يكون الحل من ضمن سلة متكاملة، بدأت بوادرها -تباعًا- بتفكيك العُقد وحل الإشكاليات الموجودة فيها.

خطة عاجلة لحل أزمة الكهرباء في لبنان

تشمل خطة وزارة الطاقة اللبنانية لتجاوز معضلة الكهرباء التي أدت إلى انقطاع شامل، قبل يومين، 5 محاور، أو مراحل، وهي:

  • المرحلة الأولى: تأمين 100 ميغاواط بصورة فورية من مؤسسة الكهرباء المصلحة الوطنية لنهر الليطاني.
  • المرحلة الثانية: تمتد من يوم الإثنين حتى الأحد 25 أغسطس/آب 2024، وتستهدف الوصول إلى 300 ميغاواط (200 من محطة الزهراني بعد التزوّد بـ4 آلاف طن ديزل من المنشآت والجيش، تُضاف إلى 100 ميغاواط من محطة الليطاني).
  • المرحلة الثالثة: تستمر من الإثنين 26 أغسطس/آب، حتى 5 سبتمبر/أيلول، وتستهدف الوصول لقدرة 600 ميغاواط، بعد وصول شحنة الديزل الأحمر “الغاز أويل” من مصر على متن الناقلة “كيم هيلين”.

يُشار إلى أنه باستعمال 30 ألف طن من الديزل الأحمر المصري، يمكن لمحطتي “دير عمار، والزهراني” رفع القدرة الإنتاجية إلى 600 ميغاواط.

  • المرحلة الرابعة: تبدأ من 6 سبتمبر/أيلول حتى 30 من الشهر ذاته، وتستهدف زيادة القدرة الإنتاجية عن مستوى 600 ميغاواط، وذلك اعتمادًا على 60 ألف طن من الديزل الأحمر “غاز أويل”، بعد استيراده من العراق بنظام المقايضة والمبادلة.

ومن المقرر تحميل شحنة الديزل الأحمر العراقي في 24 أغسطس/آب الجاري، حسب معلومات وردت في رسالة من شركة تسويق النفط لدى بغداد سومو (SOMO).

  • المرحلة الخامسة: تبدأ من مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وتعتمد على استمرار تلقي وقود الديزل الأحمر العراقي بنظام المبادلة، ليشغل -بجانب محطات الطاقة الحرارية- محطتي “الذوق، والجية” لتعطي طاقة إضافية.

وتستهدف هذه المرحلة إضافة ما يزيد على 200 ميغاواط، لترتفع خطة الإنقاذ التي أقرّتها وزارة الطاقة اللبنانية، لتعزيز إمدادات مؤسسة الكهرباء في البلاد إلى ما يزيد على 800 ميغاواط.

تأمين التغذية للمرافق الأساسية

مع انقطاع الكهرباء في لبنان بصورة كاملة، طال المرافق الرئيسة مثل المطار ومرفأ بيروت والمنشآت الحيوية، كانت هناك ضرورة للتحرك لعدم تكرار ذلك.

وحاليًا جرى تأمين التغذية، بنحو 200 ميغاواط، المطلوبة للإنتاج حتى نهار يوم السبت 24 أغسطس/آب 2024.

وإذا احتاجت هذه المرافق إلى كميات إضافية من منشآت الزهراني، فالأخيرة جاهزة للضخ، ومعمل الزهراني تابع لمؤسسة كهرباء لبنان، التي تمنح موافقتها على إعارة كميات من الغاز أويل “الديزل الأحمر”.

والمعروف أن المنشآت الحيوية في كل دول العالم تكون لديها خطة احتياطية، ولا تعتمد على مصدر واحد للطاقة، وكذلك المرافق والمستشفيات.

الكهرباء في لبنان

ولبنان بلد يواجه حربًا، لذلك ليس من المفترض أن يكون لديه مصدر واحد للطاقة، وإنما يجب أن يكون هناك مصدران أو 3 مصادر، أو حتى 4 مصادر للطاقة لتوفير الكهرباء بصورة دائمة.

والسبب في ذلك أن لبنان ليس في وضع سليم، في حين دول العالم التي تعيش أوضاعًا طبيعية تكون لديها مصدران أو 3 مصادر للطاقة.

تجدر الإشارة إلى أن ساعات التغذية قبل الأزمة تراوحت بين 3 و5 ساعات يوميًا، ونأمل أن تزيد هذه المدة مع زيادة الضخ النفطي باتجاه لبنان.

كما أنه مع اقتراب فصل الصيف من نهايته، يخف استهلاك الكهرباء في لبنان، وهو ما يضمن توفير كميات إضافية من الطاقة الموجودة على الشبكة، لتصبح في متناول المواطنين لأوقات أكبر.

شحنات الوقود الجزائرية والعربية إلى لبنان

يأتي الوقود الجزائري بصفته حلًا مهمًا لأزمة الكهرباء في لبنان، ووصول الشحنة من الجزائر ووقتها وحجمها أمر متروك للأشقاء الجزائريين، فهم من يقررون ذلك.

والنفط القادم من الجزائر لن يجري استعماله في لبنان، ولكنه ستجري مبادلته من خلال مناقصات وآلية معتمدة مثل تلك التي يعتمدها لبنان مع النفط العراقي.

والحقيقة، ليس معروفًا بعد ما إذا كانت شحنة الوقود التي أعلنت شركة سوناطراك الجزائرية إرسالها، والتي يبلغ حجمها 30 ألف طن، مطابقة للمواصفات التي يستعملها لبنان لتشغيل معامل إنتاج الكهرباء أم لا.

وهنا يجب التنويه إلى أنه بخلاف العراق، ومؤخرًا الجزائر، لا توجد دول أخرى تقدم الدعم لحل أزمة الكهرباء في لبنان.

النفط الجزائري

وفيما يخص مصر، فهي أمّنت الشحنة للناقلة “سبوت كارغو”، أي أمنت الشحنة للتاجر الذي يسعى إلى توصيل الوقود إلى وزارة الطاقة والمياه اللبنانية.

وفي بداية أزمة الكهرباء في لبنان، أمّنت مصر الغاز، ولكن لسوء الحظ بسبب عقوبات قانون “آيسر” لم يصل الغاز المصري إلى المصافي اللبنانية لتستفيد منه البلاد.

كما أّمنت المملكة الأردنية كميات من الكهرباء، لنقلها عبر سوريا، ولكن -أيضًا- بسبب قانون “آيسر” لم يتمكن لبنان من الحصول على الكهرباء الأردنية.

تجدر الإشارة هنا إلى أن الغاز المصري والكهرباء الأردنية لم تكن هبات، بل كانت إمدادات طاقة مدفوعة الثمن، في حين الهبات تأتي عبر جزء من النفط العراقي، ومؤخرًا النفط الجزائري.

هل محطات الكهرباء اللبنانية ملوثة للبيئة؟

فيما يخص تأثير تشغيل محطات الكهرباء في لبنان -حاليًا- بالديزل وزيت الوقود الثقيل، وإمكان تأثيرها في البيئة، فهذه المحطات تعمل بأنواع محددة من الوقود، ضمن مواصفات عالمية بيئية، بنسب كبريت وانبعاثات محددة.

ومسألة أن استعمال أنواع معينة من الوقود ستؤدي إلى انبعاثات أكثر خطورة، هي السبب في إجراء المبادلة، لتصبح المواد التي سنحرقها لتوليد الكهرباء في لبنان ضمن المواصفات العالمية للحفاظ على البيئة والحفاظ على الحد الأدنى من التلوث.

ويجب ملاحظة أنه مهما بلغت درجة التلوث التي ستنتجها محطات توليد الكهرباء في لبنان، في محيطها، فإن خطرها على البيئة يظل أقل بكثير من خطر مولدات الكهرباء المنتشرة في الأحياء السكنية، التي تنشر سمومها في جميع الأجواء ويتنفسها السكان.

انتشار الطاقة الشمسية ورفع أسعار الكهرباء

أسهمت أزمة الكهرباء في لبنان في انتشار أمور أخرى، من بينها محطات الطاقة الشمسية المنزلية، ولبنان في الوقت الحالي يعتمد على الطاقة الشمسية والمصادر المتجددة في توليد نحو 30% من الكهرباء، وهذه نقطة مهمة.

الطاقة الشمسية في لبنان

النقطة الأخرى، أن لبنان تمكن من ترشيد الإنفاق فيما يخص قطاع الكهرباء بنسب تتراوح بين 30 و35%، خاصة مع استعمال المكيفات الموفرة للكهرباء، وكذلك الإنارة الموفرة، وعمليات أخرى.

وفيما يتعلق بالربط بين رفع أسعار الكهرباء في لبنان وحل الأزمة، يجب التنويه إلى أن زيادة الأسعار غير مرتبطة بالحل، فسعر الكيلوواط كان مدعومًا ومتدنيًا جدًا، حتى إنه خلال الأزمة المالية كان سعر الدولار متدنيًا جدًا.

ولكن الآن أصبح سعر الدولار منطقيًا، ليغطي تكلفة الإنتاج، وقيمة الإهدار التقني وغير التقني، وأصبح الآن سعر الكيلوواط نحو 27 سنتًا، وهذا هو ما تسبب في اتجاه المواطنين إلى ترشيد الإنفاق.

في السابق، كانت الكهرباء رخيصة للغاية، وكان الدعم يذهب إلى الغني والفقير، ولكنه أصبح الآن موجهًا إلى الطبقة الفقيرة ومتوسطة الحال، التي أصبحت بدورها ترشد الإنفاق لتخفيف الأعباء عن كاهلها.

لذلك، لا حاجة في الوقت الحالي إلى زيادة أسعار الكهرباء في لبنان، بل إن المهم أنه مع زيادة عدد ساعات التغذية يمكن بحث إمكان تخفيض التعرفة، لا سيما مع إمكان شراء كهرباء الطاقة الشمسية من المنازل مستقبلًا، وإدخالها على الشبكة، إذ سيجري شراؤها بسعر رخيص، وبيعها بسعر أرخص.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.

رابط المصدر

شاركها.