يبرز استعمال الهيدروجين في النقل بوصفه أحد سبل التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري الملوث للبيئة تحقيقًا للالتزامات المناخية، لكن الطريق ليس مفروشًا بالورود.
وتراجع الإقبال بصورة كبيرة على سيارات الهيدروجين في أستراليا، في مقابل صعود لافت للسيارات الكهربائية المدعومة بارتفاع الطلب والتقدم التقني الواسع.
وفي ولاية كاليفورنيا الأميركية، أغلقت شركة النفط متعددة الجنسيات شل (Shell) 7 محطات للتزود بوقود الهيدروجين، لتبقى 50 محطة فقط قيد التشغيل.
يأتي ذلك بالتزامن مع صعوبات تواجه استعمال الهيدروجين في النقل، ومنها ارتفاع تكلفة الإنتاج من مصادر الطاقة المتجددة، مع الحفاظ على أسعار البيع منخفضة، وإقامة مرافق البنية الأساسية اللازمة للتخزين والإمداد، من بين أخرى.
ويثير ذلك الوضع تساؤلات حول مستقبل الهيدروجين في صناعة النقل ودوره في مسيرة التحول الأخضر، وما إذا كانت ستنجح في السباق مع السيارات الكهربائية أم لا.
أزمة سيارات الهيدروجين
يُنظر إلى الهيدروجين بوصفه مصدر طاقة منخفض الكربون وقادرًا على كهربة قطاعات يصعب تقليل بصمتها الكربونية، مثل النقل والصلب والكيماويات.
وعلى نحو خاص، تعدّ أستراليا وكاليفورنيا واليابان وألمانيا أكثر المناطق تعويلًا على الهيدروجين في رحلة خفض الانبعاثات.
لكن تطورات أخيرة قد تؤدي إلى إعادة النظر في دور الهيدروجين في خفض انبعاثات قطاع النقل، بحسب تقرير نشرته منصة “ذا درايفن” (the driven).
وفي أستراليا، بيعت 6 مركبات تعمل بالهيدروجين فقط في عام 2023 المنصرم، بانخفاض عن 15 في عام 2022 السابق، وفي المقابل بيعت أكثر من 87 ألف مركبة كهربائية جديدة، بالإضافة إلى عدد أكبر من المركبات الهجينة.
ويقول خبراء بصناعتي الطاقة والنقل، إنّ تراجُع الطلب على سيارات الهيدروجين في أستراليا كان نتيجة عوامل خارجية، منها خفض تويوتا اليابانية (Toyota) أسعار سيارة ميراي الهيدروجينية بمقدار 40 ألف دولار أميركي في كاليفورنيا.
كما قررت شركة شل إغلاق محطات التزود بالوقود في كاليفورنيا أيضًا، مبررة الخطوة بالتعقيدات في التوريدات وعوامل بالسوق الخارجية، مشيرة إلى أنها ستمنح الأولوية لمحطات تزويد وقود الهيدروجين للمركبات الثقيلة، مع الاستثمار في محطات الشحن الكهربائية للمركبات الخفيفة.
وبحسب الخبراء فإن حصة استعمال الهيدروجين في سيارات الركّاب “تتقلص”، في مقابل خطوات واسعة أحرزتها المركبات الكهربائية ومنها الشاحنات الثقيلة.
بدوره، يرى مدير الأبحاث في معهد المستقبل المستدام بجامعة التكنولوجيا بسيدني، سكوت دواير، أن “الأنباء مدمرة لمستقبل الهيدروجين في صناعة النقل”.
وبحسب دواير، شكّلت عناصر عديدة تحديًا لاستعمال الهيدروجين في النقل، ومنها صعوبات الإنتاج والأسعار والبنية الأساسية للتخزين والإمداد، بالإضافة إلى التقدم السريع الذي تحققه المركبات الكهربائية، ولا سيما في سيارات الركاب والعدد المتزايد من الحافلات التي تعمل بالبطاريات وشاحنات النقل الثقيل.
وتوقّع أن تبقى حافلات الهيدروجين بوصفها نماذج تجريبية وتوضيحية، لكن العمليات التجارية الحقيقية ستبدأ بالحافلات الكهربائية والشاحنات الكهربائية.
واقع جديد
يقول أستاذ التنقل الحضري المستقبلي في جامعة سوينبرن، حسين ضيا، إن الهيدروجين قد يظل بالمشهد بوصفه مفتاحًا لخفض انبعاثات النقل الثقيل، وخاصة في المسافات الطويلة، لكن التقنية والبنية الأساسية تأخذ وقتًا أطول في التطوير من بعض البدائل الكهربائية.
وأضاف ضيا: “قد يكون للهيدروجين مستقبل في المركبات الثقيلة.. يمكنك ملء شاحنة هيدروجين سريعًا لكن تقنية الشاحنة الكهربائية تتغير، والبطاريات تتحسن، وفي الصين تجري مبادلة البطاريات الفارغة للمركبات الثقيلة بأخرى مشحونة”.
وبحسب ضيا، لن تؤثّر التحديات في استعمال الهيدروجين بالنقل في قدراتها بمجالات أخرى، ومنها الهيدروجين الأخضر الذي قد يكون حاسمًا في الحدّ من انبعاثات الكربون بصناعات التعدين مثلًا.
وأوضح: “سيبقى للهيدروجين الكثير من التطبيقات، ولكن ربما خارج قطاع النقل، كما في صناعة الصلب”.
وفي ضوء ذلك، تسعى بعض الشركات لأخذ مسارات بديلة عبر استعمال الهيدروجين بطرق مبتكرة “في حين تصل المعركة إلى نهايتها”.
ويقول الرئيس التنفيذي لشركة ديكارب (DCARB) المتخصصة في تقديم حلول صديقة للبيئة باستعمال الهيدروجين لمحركات الديزل، لينتون بيرنز، إنه يمكن تحديث وحدة المركبات الثقيلة بالشركة “دي 100” لإنتاج الهيدروجين وتقليل استعمال الديزل.
وأضاف: “نرى وفورات في الوقود تتراوح بين 10 و15% بناءً على حجم المحرك”.
وفي حالة نجاح التجربة، يقول بيرنز، إن شركة كوكاكولا قد تضيف التقنية الجديدة لأسطول الخدمات اللوجستية.
وأكد أن استعمال الهيدروجين في صناعة النقل قد يشهد المزيد من التطورات لتقليل استهلاك الوقود وخفض التلوث الكربوني خلال العقد المقبل، إذ إن الطريق إلى خفض وإزالة الانبعاثات من المركبات الثقيلة ما زال طويلًا”.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..