اقرأ في هذا المقال
- • آسيا الوسطى تقدم اليوم لألمانيا فرصة لإعادة تقييم اعتمادها على مصادر الطاقة الأجنبية.
- • احتياطيات الغاز الطبيعي الوفيرة في آسيا الوسطى توفر لألمانيا بديلًا تنافسيًا لإمدادات الطاقة الروسية.
- • تطوير مشروعات الطاقة المتجددة على نطاق واسع يعوق نظام الكهرباء القديم في قازاخستان.
- • قازاخستان توفر لألمانيا بديلًا مستدامًا لإمدادات الطاقة الروسية بفضل إمكاناتها الهائلة لإنتاج الهيدروجين الأخضر.
تترقّب ألمانيا والدبلوماسية الإقليمية نقطة تحول مهمة في 17 سبتمبر/أيلول 2024، قد تمكّنها من الاستغناء تمامًا عن إمدادات الطاقة الروسية، عندما يسافر المستشار الألماني أولاف شولتس، إلى آسيا الوسطى.
وسيلتقي رؤساء الدول الـ5 في المنطقة المستشارَ الألماني لأول مرة، حيث يشكل الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي غيّر جذريًا السياسة الخارجية الألمانية وسياسات الطاقة، الخلفية التي تجري عليها هذه الزيارة.
وتسلط مشاركة شولتس الضوء على رغبة برلين القوية في تعميق علاقاتها بالمنطقة، خصوصًا في مجالات مثل النمو الاقتصادي والتعاون في مجال الطاقة والاستقرار في المنطقة.
ويشير توقيت هذه الزيارة إلى الحاجة الملحّة لألمانيا لتوسيع تحالفاتها، وتقليل اعتمادها على إمدادات الطاقة الروسية، وترسيخ نفسها لاعبًا رئيسًا في المشهد الجيوسياسي المتغير بالمنطقة.
إمدادات الطاقة الروسية إلى ألمانيا
نتيجة لغزو روسيا لأوكرانيا في عام 2022، تغيرت الديناميكيات الجيوسياسية بين برلين والدول الـ5 في آسيا الوسطى -قازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان- جذريًا.
وبعد أن كانت تحت حكم روسيا سابقًا، تقدم آسيا الوسطى اليوم لبرلين فرصة لإعادة تقييم اعتمادها على مصادر الطاقة الأجنبية وتنويع خطوط إمداداتها.
وتتوافق طموحات ألمانيا في مجال تحول الطاقة على المدى الطويل مع احتياطيات الغاز الطبيعي الوفيرة في المنطقة والموارد الحيوية، التي توفر بديلًا تنافسيًا لإمدادات الطاقة الروسية.
وبعيدًا عن الطاقة، ترى برلين أن الروابط الأعمق مع آسيا الوسطى تمثل خطوة محسوبة ضد هيمنة روسيا في المنطقة.
وقد يساعد تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية بالمنطقة في مواجهة محاولات موسكو لإعادة توجيه التجارة عبر الدول المجاورة من أجل تجنب العقوبات التي يفرضها الغرب.
إضافة إلى ذلك؛ فإن تعزيز هذه الشراكات سيمكن ألمانيا من ترسيخ الاستقرار والتنمية الإقليميين؛ حيث تضع نفسها بصفتها ثقلًا موازنًا دبلوماسيًا للنفوذ الروسي.
الفرص الاقتصادية وتنويع مصادر الطاقة
تتعزز الأهمية الاقتصادية المتزايدة لآسيا الوسطى بالنسبة لألمانيا من خلال احتياطياتها الوفيرة من الطاقة، خصوصًا في قازاخستان.
وبفضل 11.7% من إجمالي واردات ألمانيا من النفط في عام 2023، أصبحت قازاخستان بسرعة ثالث أكبر مورد للنفط للبلاد منذ الصراع في أوكرانيا.
ويشكل هذا التغيير أحد جوانب محاولات ألمانيا الملحة لإيجاد مصادر طاقة بديلة في مواجهة الانقطاع الناجم عن الحرب في أوكرانيا.
وتُعَد قازاخستان حليفًا أساسيًا في سعي ألمانيا إلى تحقيق أمن الطاقة بسبب احتياطياتها الضخمة من النفط والغاز، التي تشمل أكثر من تريليوني متر مكعب من الغاز الطبيعي.
ومن المتوقّع أن تزداد أهمية قازاخستان في محفظة الطاقة الألمانية مع استمرار برلين في النأي بنفسها عن الطاقة الروسية.
وتهتم ألمانيا بالاستثمار في آفاق الطاقة المتجددة بآسيا الوسطى، خصوصًا في إنتاج الهيدروجين الأخضر، بالإضافة إلى واردات الطاقة التقليدية.
وتُموَّل مشروعات الطاقة المتجددة واسعة النطاق بشكل مكثف في قازاخستان من قبل شركات مثل مجموعة سفيفيند إنرجي غروب الألمانية SVEVIND Energy Group.
وتوفر هذه البرامج وسيلة لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، خصوصًا الإمدادات الروسية، وهي متوافقة مع أهداف برلين المناخية.
ونتيجة لذلك، اتسعت التجارة بشكل كبير بين البلدين، مع زيادة حجم التداول الثنائي بنسبة 89.5% في عام 2022 مقارنة بالعام السابق.
ويؤكد هذا التطور الاقتصادي أهمية قازاخستان في سياسة تنويع الطاقة الألمانية، ويُظهر مدى التعاون بين البلدين في عدد من المجالات، مثل التجارة والخدمات اللوجستية والطاقة المتجددة.
التحديات والآفاق المستقبلية
على الرغم من وجود آفاق عديدة للتعاون الوثيق؛ فإن ألمانيا ستواجه صعوبة في تنمية نفوذها في آسيا الوسطى.
وتشكل مخاوف حقوق الإنسان تحديات دبلوماسية لأن السياسة الخارجية الألمانية مكرسة لتعزيز المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، خصوصًا في دول مثل قازاخستان وأوزبكستان.
وتواجه برلين تحديات إضافية في محاولة زيادة المشاركة دون إزعاج موسكو بسبب المشهد الجيوسياسي المعقّد في المنطقة، الذي تأثّر بروابطها التاريخية مع روسيا.
في المقابل، يعوق تطوير مشروعات الطاقة المتجددة على نطاق واسع نظام الكهرباء القديم في قازاخستان من الحقبة السوفيتية وغير ذلك من القيود على البنية الأساسية.
إضافة إلى ذلك، قد يكون مستوى مشاركة برلين في المنطقة مقيدًا بالصعوبات الاقتصادية، مثل التضخم وتكلفة تحول الطاقة لديها.
وعلى الرغم من هذه الصعوبات؛ فإن التحول الإستراتيجي لألمانيا نحو آسيا الوسطى هو رد فعل على الظروف الجيوسياسية والاقتصادية المتطورة في أعقاب سقوط الاتحاد السوفيتي.
ومن خلال التصدي لهذه التحديات وتنمية التحالفات الدائمة، تستطيع ألمانيا تعزيز سيادتها في مجال الطاقة، وتقليص اعتمادها على الإمدادات الروسية، وتعزيز استقرار منطقة محورية وتقدمها.
وتمثل زيارة المستشار شولتس بدايةً لحوار أكثر عمقًا واستمرارية بين ألمانيا وآسيا الوسطى، وهو ما قد يغير البيئة الجيوسياسية لصالح نظام دولي أكثر قوة وتنوعًا وتوازنًا.
الآفاق المستقبلية
يمثل الاجتماع الذي سيحضره المستشار أولاف شولتس في آسيا الوسطى نقطة حاسمة في التحول الجيوسياسي الألماني نحو المنطقة.
ويُعد إنشاء “ممر أخضر” لنقل الطاقة الخضراء والهيدروجين من آسيا الوسطى إلى أوروبا أحد أهم المشروعات؛ وهذا يتماشى مع الأهداف الأكبر لألمانيا فيما يتعلق بتحول الطاقة.
وقد تكون قازاخستان لاعبًا رئيسًا في هذا المسعى؛ حيث توفر لألمانيا بديلًا مستدامًا لإمدادات الطاقة الروسية بفضل إمكاناتها الهائلة لإنتاج الهيدروجين الأخضر.
وسيكون إنشاء مثل هذا الممر مفيدًا لأمن الطاقة في ألمانيا فضلًا عن الأهداف المناخية الشاملة للاتحاد الأوروبي؛ ما يسلط الضوء على أهمية المنطقة في حملة إزالة الكربون.
إلى جانب دراسة الإمكانات في المواد الكيميائية والعمالة الماهرة والطاقة المتجددة والخدمات اللوجستية والتعليم، ستؤكد زيارة شولتس هدف ألمانيا المتمثل في توسيع علاقاتها الاقتصادية مع آسيا الوسطى.
ومع توسع الاقتصادات، تقدم آسيا الوسطى فرصًا هائلة في عدد من المجالات.
ويُعد تركيز ألمانيا على هذه المجالات جزءًا من خطة أكبر لتأمين موارد الطاقة والاستفادة من أسواق العمل والصناعة الأخرى المتوسعة في المنطقة.
وفي ظل إمكان عقد قمة متابعة في آسيا الوسطى في عام 2024، من المتوقع تعزيز صيغة (سي 5 + ألمانيا) -التي تجمع الدول الـ5 في آسيا الوسطى وألمانيا لإجراء مناقشات متعددة الأطراف- خلال القمة؛ ما يعزز العلاقات عبر مختلف القطاعات ويضمن استمرار التعاون الدبلوماسي والاقتصادي.
الأهمية الإستراتيجية والتحديات المقبلة
أصبحت آسيا الوسطى شريكًا مهمًا لبرلين في عملها على تحسين استدامة سلاسل التوريد وتنويع علاقاتها التجارية الدولية.
وتجتذب المنطقة الاستثمارات الألمانية بسبب مواردها الوفيرة من الطاقة، خصوصًا المتجددة مثل الهيدروجين الأخضر، وموقعها المميز عند نقطة التقاء أوروبا وآسيا.
وسوف تتمكن برلين من تقليل اعتمادها على الطاقة الروسية مع تعزيز قنوات التجارة التي تتجنب النفوذ الروسي من خلال الشراكات في مجالات الطاقة والخدمات اللوجستية والعمالة الماهرة والتعليم.
وبسبب إمكاناتها غير المحققة واقتصاداتها المتوسعة، تُعد آسيا الوسطى عنصرًا مهمًا في المبادرات الأكبر لألمانيا لتنويع تحالفاتها الاقتصادية وإنشاء شبكات إمداد قوية.
ويُعد حل العديد من القضايا أمرًا ضروريًا لنجاح هذه العلاقة؛ فقد تؤدي قضايا حقوق الإنسان إلى توتر العلاقات، خصوصًا في ضوء التزام ألمانيا القوي بالمعايير الديمقراطية وقمع الحريات السياسية والافتقار إلى الانتخابات الحرة في العديد من جمهوريات آسيا الوسطى.
بدورها، تزداد مشاركة برلين تعقيدًا بسبب الديناميكيات الجيوسياسية في المنطقة، التي تشمل الروابط التاريخية مع روسيا.
وقد تعوق البنية الأساسية المتدهورة في قازاخستان، التي تشمل نظامها الكهربائي، مبادرات الطاقة واسعة النطاق، مثل الممر الأخضر المخطط له.
إلى جانب ذلك؛ فإن القيود المالية التي تواجهها الدولة الأوروبية قد تحد من مدى مشاركتها، خصوصًا في ضوء صراع البلاد مع التضخم والتكاليف المرتبطة بتحول الطاقة.
خاتمة
على الرغم من وجود العديد من الفرص لألمانيا لتنويع اقتصادها في آسيا الوسطى؛ فإن التعاون سوف يحتاج إلى التعامل بحذر مع العقبات المحلية والدولية.
ويتطلب بناء تحالف طويل الأمد ومنتج للطرفين معالجة قضايا حقوق الإنسان، وإدارة الديناميكيات الجيوسياسية المعقدة، والتغلب على الحواجز الاقتصادية والبنية الأساسية.
وفي حالة نجاح هذا التعاون، فمن المحتمل أن يعزز سيادة برلين في مجال الطاقة ويدعم النمو المستدام في آسيا الوسطى، ومن ثَم ترسيخ مكانة المنطقة بصفتها مشاركًا رئيسًا في أنظمة الطاقة والتجارة العالمية.
الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب “دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001”.
* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..