شهدت الآونة الأخيرة تزايد حدّة مخاوف أميركا من نمو طموحات ومشروعات التعدين الصينية إلى خارج حدود البلاد، إذ توسعت أكبر الاقتصادات الآسيوية في التنقيب بمناجم أفريقية، وأسست لأصول واستثمارات على نطاق كبير هناك.

ويبدو أن امتداد نفوذ بكين غير المحدود في الصناعة أثار القلق، خاصة أن غالبية مسارات خطة الرئيس جو بايدن المناخية تتطلب توافر المعادن الضرورية لانتقال الطاقة وتحولها.

ووفق معلومات تابعتها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، تُرجمت هذه المخاوف عمليًا في صورة محاولات تقليص امتداد قطاع التعدين الصيني في القارة السمراء، عبر تسهيل صفقات استحواذ لشركات صديقة، لكن يبدو أن الأمر يسير في اتجاه التورط مع ملياردير إسرائيلي متهم بـ”الفساد”.

ويبحث مسؤولون عن مخرج للملياردير الإسرائيلي دانيال غيرتلر (المعروف اختصارًا باسم دان غيرتلر) من الكونغو، بعدما اضطرت وزارة الخزانة الأميركية لفرض عقوبات عليه عامي 2017 و2018 بتهم تتعلق بالفساد، في حين يرجّح بعضهم أن الهدف الرئيس هو حصار توسعات التعدين الصيني.

حصار التعدين الصيني

ترى أميركا أن تقليص مساحة التعدين الصيني في الأصول الأفريقية هو إحدى أدواتها لسطوع نجمها في الصناعة، ولتحقيق ذلك تسعى إلى تسهيل صفقة استحواذ مثيرة للجدل في الكونغو.

وتتضمن الخطة التدخُل في إتمام صفقة استحواذ مجموعة ميركوريا (Mercuria) للطاقة -مقرها سويسرا- على أصول لمناجم نحاس وكوبالت في جمهورية الكونغو الديمقراطية تخضع لإدارة مجموعة موارد أوراسيا (إي آر جي) في قازاخستان.

وتعثرت محادثات الصفقة العام الماضي 2023 لسبيين: أولهما خلاف حول تقدير قيمة الأصول في ظل تسجيل سعر الكوبالت على مدار العامين الماضيين انخفاضًا لما يقارب النصف.

عمال في محيط منجم ميتالكول – الصورة من ERG Africa

والسبب الثاني هو ادّعاء الملياردير الإسرائيلي احتفاظه بحقوق ملكية 3 مناجم اشترتها المجموعة القازاخستانية، ما يعطّل إتمام أيّة صفقة بيع أو استحواذ دون موافقته.

وزاد من حدّة الموقف تجميد قدرته على التعامل مع حقوق ملكيته للمناجم، بعدما واجه اتهامات بالفساد بعد استغلال علاقته الوطيدة مع الرئيس الكونغولي السابق “جوزيف كابيلا” لتأمين صفقات تعدين.

وفرضت وزارة الخزانة الأميركية على الملياردير الإسرائيلي “دانييل غيرتلر” عقوبات في ديسمبر/كانون الأول 2017، ويونيو/حزيران 2018، شملت ما يزيد على 30 مشروعًا لشركاته، طبقًا لما نشرته رويترز.

المقترح الأميركي

وجدت أميركا في مقترح شراء “ميركوريا” لأصول المجموعة الأوراسية في جمهورية الكونغو الديمقراطية (مناجم نحاس وكوبالت)، فرصة سانحة لتقليص طموحات التعدين الصيني في أفريقيا.

وقدّمت أميركا مقترحًا يحرر الملياردير الإسرائيلي “غيرتلر” من قبضة العقوبات المفروضة عليه وعلى مشروعاته، عبر تخفيف حدة العقوبات المفروضة عليه بما يسمح له ببيع حقوق الملكية للمناجم وإعادة الأصول الأخرى (من بينها منجم ميتالكول) التابعة له، لحكومة الكونغو مقابل 300 مليون دولار.

وعقب تخلّيه عن استثماراته في الكونغو، يمكن للملياردير الإسرائيلي “دان غريتلر” استئناف اندماجه في النظام المالي الأميركي، وهو ما وصفه بعضهم بأنه محاولة أميركية لإنقاذه من تهم الفساد في الاستحواذ على أصول تعدين بالكونغو.

ومن شأن تخفيف العقوبات عن “غريتلر” أن يتيح للشركات التي تتمتع بصداقة مع أميركا (مثل ميركوريا) الاستثمار في مناجم جمهورية الكونغو، دون التعرض لتداعيات قانونية.

ردود أفعال

يبدو أن المخاوف الأميركية من توغُّل مشروعات التعدين الصيني وهيمنة بكين على الصناعة ستوقعها في دائرة جدل واسعة، إذ حذّرت مجموعات مجتمع مدني و4 مشرّعين من الإضرار بـ”مصداقية” النظام الأميركي للعقوبات.

وقالوا، إن تخفيف العقوبات ضد اتهامات الفساد واستغلال العلاقات لزيادة المكاسب -التي يواجهها الملياردير الإسرائيلي- قد يهدم الثقة في النظام الأميركي.

وطرحت المديرة التنفيذية لمجموعة رايد (RAID) غير الربحية، آنكي فان وودنبرغ، تساؤلات حول تورُّط أميركا في إنقاذ الملياردير الإسرائيلي ومحاولة تخفيف العقوبات المفروضة عليه، خاصة في ظل عدم إبداء شركات أميركية رغبتها بشراء المناجم.

منجم فرونتير في جمهورية الكونغو الديمقراطية
منجم فرونتير في جمهورية الكونغو الديمقراطية – الصورة من مايننغ.كوم

وشددت المسؤولة في المجموعة -المعنية برصد مخالفات الشركات والانتهاكات، وتتخذ من المملكة المتحدة مقرًا لها- على أن الملياردير الإسرائيلي هو المستفيد الأبرز من تخفيف العقوبات، حسب معلومات في تقرير لفايننشال تايمز (Financial Times).

ومقابل ذلك، يرى فريق أميركي آخر يضم عددًا من المسؤولين أن مشاركة البلاد في إتمام الصفقة تمثّل ضمانًا لشركة “ميركوريا” والمجموعة القازاخستانية، لتجنُّب مخاطر الانخراط الجديد في الكونغو الديمقراطية وتقليص نفوذ التعدين الصيني.

وفسَّر أحد المسؤولين ذلك بأنه كانت هناك حاجة لإنهاء علاقة الملياردير الإسرائيلي “غيرتلر” بمنجم “ميتاكول” وغيره من الأصول في الكونغو، سواء آلت الصفقة لصالح شركة “ميراكوريا” أو غيرها.

سيطرة غير مباشرة

قد تسعى الحكومة الأميركية إلى الاستحواذ -غير المباشر- على هذه المناجم لتقليص نمو التعدين الصيني، إذ كشفت معلومات تابعتها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) أن مسؤولين أميركيين طلبوا من شركة أنغلو أميركان عام 2022 شراء بعض مناجم الشركة القازاخستانية.

وربما تكون هذه الفكرة قد واجهت تحديات آنذاك، قبل أن يُطرح على الساحة عرض شركة “ميركوريا” السويسرية.

جدير بالذكر أن هناك علاقة صداقة قوية تربط الحكومة الأميركية بالشركة السويسرية، قد تتمكن أميركا من خلالها من الاستفادة برغبة المجموعة القازاخستانية في بيع مناجم الدولة الأفريقية منذ 7 سنوات، لتحديات تتعلق بالتمويل.

واصطدمت الطموحات الأميركية، المناهضة لتوسعات قطاع التعدين الصيني، بقضية الفساد والعقوبات التي واجهها الملياردير الإسرائيلي، لكنها حاولت -تدريجيًا- إظهار الأمر كأنه تدخُّل لصالح إنقاذ لقطاع التعدين في جمهورية الكونغو.

وفي مايو/أيار 2024، أكد مسؤول أميركي عزم وزارة الخزانة إقرار تخفيف للعقوبات المفروضة على رجل التعدين الإسرائيلي “دانييل غيرتلر”، والعمل على تخارجه من مشروعات الكونغو بطريقة سهلة.

وأوضح أن أميركا سعت لدعم حكومة الكونغو في تخليص قطاع التعدين من أعمال الفساد، مشيرًا إلى أن تخارج “غيرتلر” نهائيًا من البلاد هو جزء من حماية صناعة في الدولة الأفريقية.

وشدد في الوقت ذاته على أن التخفيف لا يعني إلغاء تجميد أصول “غيرتلر” وإسقاط تهم الفساد عنه، بقدر ما يهدف إلى دعم جمهورية الكونغو وسلاسل التوريد، خاصة أن أميركا تنظر إلى “الكونغو وزامبيا” بوصفهما مصدرًا لإمدادات المعادن عالميًا في ظل مخاوف من تمدد مشروعات التعدين الصينية.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.

رابط المصدر

شاركها.