تعمل منظمة أوبك على إدارة أسواق النفط، والحفاظ على استقرارها وحمايتها من النكبات، التي تتسبّب فيها المضاربات التي يفتعلها التجار، والتي تؤدي إلى انهيار الأسعار، بما يخلق أزمات لبعض الدول المنتجة.

ويقول مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، إن اجتماعات منظمة الدول المصدرة للنفط تشهد تغطياتها تزييفًا للحقائق بصورة كبيرة، إذ يفسّر الإعلام الآراء المطروحة على أنها خلافات ستؤدي بالمنظمة إلى الانهيار.

وأوضح الحجي -خلال استضافته في حلقة من بودكاست “فنجان“، التي قدّمها الإعلامي عبدالرحمن أبومالح على راديو “ثمانية”، بعنوان “كيف سيتخلى العالم عن النفط؟”-، أن الطبيعي أن وزراء أوبك مجتمعون من أجل النقاش، ولكن التغطية الإعلامية العالمية هذا العام تختلف عن الأعوام الماضية بصورة كبيرة في مجال النفط.

وأضاف: “طبعًا هذا بالنسبة إليّ شخصيًا وبالنسبة إلى شركتي مفيد، لأنه ستكون لدينا سوق أكبر عند تزييف الحقائق، ولكن مع الأسف نحن أيضًا نريد الحقيقة ولا نتكلم إلا بالحقيقة، حتى بالنسبة إلى التغيرات المناخية نريد الحقيقة ونرفض التزييف”.

أوبك وتزييف الحقائق

وجّه الإعلامي عبدالرحمن أبومالح، مقدم بودكاست “فنجان” سؤالًا إلى الدكتور أنس الحجي، بشأن أوبك، وإدارة السوق، إذ يتواءم العرض مع الطلب على النفط، وما إن كانت لم تحقق نجاحًا في ذلك، في مقابل نجاحها مع أوبك+ في ظبط شكل السوق.

وقال أبومالح: “مثلًا، مركز ويلسون يقول إن تحالف أوبك+ نجح في إدارة سوق النفط بكفاءة، كما قال وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان إن الأسواق الثانية مثل الغاز، تشهد إشكالية، إذ ستحتاج إذا أرادت الاستقرار أن تحاكي ما فعله التحالف”.

ورد الدكتور أنس الحجي على الأسئلة، بتأكيد ما قاله وزير الطاقة السعودي، إذ إن الحديث الآن عن بيع الغاز في بعض المناطق في ولاية تكساس الأميركية بأسعار سلبية، أي أنهم يبحثون عن شخص يمنحونه المال مقابل أن يأخذ منهم الغاز.

والسبب في ذلك، وفق الحجي، أن الصخرة الأم، التي تحتوي على النفط الذي يبيعه الأميركيون بسعر 80 و90 دولارًا للبرميل، تحتوي كذلك على الغاز، الذي لا بد أن يتخلصوا منه، وإلا فإنهم سيكونون مجبرين على إغلاق البئر، لذلك يضحون بالغاز في مقابل بيع النفط.

وأضاف: “لذلك، فإن السؤال بوجه عام هو كالتالي: هل تحتاج أسواق النفط إلى إدارة؟ فالأمر الأول أن هناك تاريخًا طويلًا، ودعني أعد إلى موضوع تزييف الحقائق، فالمنتصر يكتب التاريخ، وبما أن أميركا هي التي خرجت منتصرة فهي تكتب التاريخ، وهذا التاريخ مزيف”.

وتابع: “حتى تاريخ النفط نفسه مزيف، فهم يقولون إن تاريخ النفط واكتشافه بدأ في بنسلفانيا خلال عام 1859، وهذا الكلام غير صحيح، فقد اكتُشف النفط قبلها بنحو 15 عامًا في باكو بأذربيجان، ونشأت صناعة النفط هناك وتطورت، لذلك فإن أثر باكو في التاريخ كبير، وهذا كله مُحي من التاريخ الأميركي”.

ولفت إلى أن عاصمة أذربيجان تطورت فيها كل التقنيات الأساسية لصناعة النفط، ومن عجائب التاريخ أن أغلب الموجودين الآن في صناعة النفط جاؤوا عن طريق الصدفة، فشركة “شل” (Shell) في الأصل كانت شركة تجارة “صدف” وليست شركة نفطية.

النفط في أذربيجان

وأوضح الدكتور أنس الحجي أن مؤسس شركة شل كان عراقيًا يهوديًا، هاجر إلى بريطانيا، وكان والده تاجر “أصداف”، وكان يذهب إلى الشرق كثيرًا، وعند اكتشاف النفط في باكو وأرادوا تسويقه، وجدوا أن الحل الوحيد لتصديره بحرًا هو بناء خط سكك حديدية.

لذلك، وفق الحجي، جاء التمويل من عائلة روتشيلد المعروفة، فسيطرت شركة روتشيلد على السكك الحديدية، ولكي تسترجع أموالها أرادت أن يتحرك النفط إلى آسيا، فسألوا عمن يعرف الأسواق الآسيوية، ولجؤوا إلى هذا العراقي، واسمه “ماركوس”، وطلبوا مساعدته لتوصيل النفط إلى آسيا، ومنذ ذلك الحين بدأت شل المعروفة.

هل أسواق النفط بحاجة إلى إدارة؟

رد خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي على سؤال: هل تحتاج أسواق النفط إلى إدارة؟ قائلًا إنه في حال الأخذ بالرواية الأميركية بشأن اكتشافهم النفط أولًا في 1859، يتضح أن الأسعار في فترات معينة كانت متذبذبة بصورة بسيطة جدًا، وهناك استقرار في الأسواق، ثم مرت فترات كانت فيها ذبذبة ضخمة، وارتفاع وانخفاض شديدان.

وأضاف: “الآن عندي بيانات على مدى 140 و150 عامًا، يمكن أن أدرسها، لأجد أن الاستقرار في الأسواق كان موجودًا دائمًا عندما كانت هناك إدارة، والآن نحن لا نتحدث عن أوبك، أو أوبك+، فهذه المنظمة جاءت في 1965”.

النفط الصخري الأميركي

وأكد الدكتور أنس الحجي، أن أول درس في أسواق النفط أنه عندما كانت هناك إدارة حدث استقرار، وأسهم ذلك في استقرار الاقتصاد العالمي، وفي المقابل عندما توقفت الإدارة لأسباب -إما حروب وإما تدخل حكومي- كانت تحدث ذبذبة كبيرة في الأسواق.

ولفت إلى أن إمبراطورية جون روكفيلر كانت تسيطر على السوق، وعند تدخل الحكومة الأميركية وتفتيتها حدثت ذبذبة ضخمة في الأسواق، وأصبحت هناك مشكلات كبيرة، وبعدما جاءت “الأخوات الـ7″، التي سيطرت على صناعة النفط بالكامل حدث الاستقرار لعقود.

وتابع: “عندما أتكلم عن السيطرة الكاملة الآن، يقولون إن منظمة أوبك هي منظمة احتكارية تتحكم في الأسواق، على الرغم من أن النفط في أميركا ملكية خاصة، والشركات خاصة، وعندما قررت حكومتا تكساس وأوكلاهوما التدخل وإدارة السوق، بسبب وجود وفرة كبيرة وانهيار للأسعار، لم تستطع، فأرسلوا الحرس الوطني المدجج بالسلاح لاحتلال حقول النفط وطرد الملاك الأصليين”.

لذلك، وفق الحجي، عندما يقولون إن أوبك تجتمع وتمارس الاحتكار، وإنها منظمة احتكارية، عليهم أولًا التطلع إلى تاريخهم، فهم أدخلوا الجيش والحرس الوطني في ثلاثينيات القرن الماضي، لاحتلال المناطق وإدارة حقول النفط نيابة عن القطاع الخاص، أي أنهم لديهم تاريخ طويل في هذه الأمور.

أوبك

وقال الدكتور أنس الحجي، إنه على مدار الأعوام الـ150 الماضية، كانت الدلائل واضحة على أن أسواق النفط تستقر عندما تُدار، وعندما لا تُدار تشهد ذبذبة شديدة وخسائر ضخمة، ويحدث انخفاض في الاستثمار، ويكون هناك إهدار للموارد بصفة كبيرة.

وأردف: “الإدارة تمنع هذا الهدر وتخفّض التكاليف، وتخفّض من الذبذبة، لذلك فإن فكرة إدارة السوق موجودة ومؤكدة، وهو أمر مهم ليس فقط للنفط، ولكن للموارد الطبيعية ككل، فهي في حاجة إلى إدارة”.

هل تمارس أوبك الاحتكار؟

قال مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة الدكتور أنس الحجي، إن أوبك لم تستطع أن تؤدي دور الأخوات الـ7 أو سكك حديد تكساس أو شركة روكفيلر، لأنها تسيطر فقط على قطاع بسيط من صناعة النفط، وهو الإنتاج، في حين الآخرون كانوا يسيطرون على كل شيء، من الاستكشاف وحتى البيع.

وأضاف: “أوبك لا تسيطر على محطات البنزين ولا على عمليات التكرير ولا على التسويق والبيع، في حين الشركات كانت تسيطر على كل شيء، ففي سكك حديد تكساس استغلوا الجيش، وهو أمر لا تستعمله المنظمة، كما أنها لا تستطيع التحكم في الأسواق”.

صناعة النفط

ورد الدكتور أنس الحجي على من يقولون إن الذبذبة زادت في عهد أوبك، بالقول إن المقارنة خاطئة من الأساس، لأن السيطرة تختلف، إذ إن مهمة المنظمة في هذه الحالة هي منع الذبذبات الكبيرة، فبدلًا من أن تكون ضخمة تكون أقل، لذلك فهي لها دور مهم.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.

رابط المصدر

شاركها.