دائمًا ما كانت التقديرات والتوقعات الخاصة بنمو الطلب العالمي على النفط تبدأ مختلفة وبينها فروقات، حسب المؤسسات ومعلوماتها، ولكن تتقارب هذه التقديرات في النهاية مع توافر مزيد من البيانات والحقائق ومع مرور الوقت.
ويوضح مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، أن هناك خلافًا كبيرًا يتعلّق بنمو الطلب العالمي خلال عامي 2024 و2025، وهو أمر معتاد في بدايات العام التي تشهد خلافات كبيرة، وهو أمر متكرر على مدى عقود.
جاء ذلك خلال حلقة جديدة من برنامج “أنسيّات الطاقة“، قدّمها الدكتور أنس الحجي على مساحات منصة “إكس” (تويتر سابقًا)، بعنوان: “هل تحسم بيانات تجارة النفط العالمية الخلاف حول نمو الطلب العالمي عليه؟”.
وقال إن المعتاد أن تبدأ التقديرات بشأن الطلب العالمي على النفط مختلفة في البداية، ومع مرور الأشهر تبدأ هذه التوقعات بالتلاقي والاقتراب من بعضها، وتكون هناك فروقات بسيطة، وذلك مع توافر معلومات إضافية، لتصبح الأرقام في النهاية متقاربة.
أزمة بيانات تجارة النفط العالمية
قال مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) الدكتور أنس الحجي، إن الأمور اختلفت بصورة كبيرة بعد جائحة كورونا والإغلاقات التي رافقتها، إذ حدثت اختلافات كبيرة في تقديرات نمو الطلب العالمي على النفط.
وأضاف: “المشكلة أن هذه الاختلافات الكبيرة ما زالت مستمرة حتى الآن، إذ إنه بالنظر إلى تقديرات العام الماضي، يتضح أن الأرقام مختلفة عن بعضها بصورة كبيرة، وهنا توجد مشكلة كبيرة، إذ لا أحد يعرف حقيقة هذه الأرقام”.
وأوضح الدكتور أنس الحجي أن الأزمة أن الحقيقة ذاتها مجهولة، فهل شهد الطلب العالمي على النفط نموًا بمقدار 2.2 مليون برميل أم بمقدار 1.5 مليون برميل، أم 800 ألف برميل؟ إذ إنها كلها تقديرات لمؤسسات، والجميع يدّعي أن أرقامه صحيحة.
وتابع: “تاريخيًا كان العام يبدأ بخلافات كبيرة بشأن حجم نمو الطلب العالمي على النفط، ثم تبدأ الأرقام بالتلاقي والتقارب بنهاية العام، وهذا ما كان يحدث في البعض، ولكن ما يحدث في الوقت الحالي يمثّل إشكالية، لأن الأرقام تظل متباعدة في نهاية العام”.
ولفت إلى أن منظمة أوبك ترى أن الطلب العالمي على النفط سينمو في عام 2024 بمقدار 2.2 مليون برميل يوميًا، وعلى الطرف الآخر ترى وكالة الطاقة الدولية أن الطلب سينمو بمقدار 960 ألف برميل تقريبًا، أي أقل من مليون برميل، ما يشير إلى وجود فارق بأكثر من 1.2 مليون برميل.
لذلك، وفق الدكتور أنس الحجي، فإن الفارق في تقدير البيانات الخاصة بحجم نمو الطلب هنا ليس 50 أو 60 ألف برميل مثلما كان يحدث في السابق، فالحديث عن فروقات ضخمة، ومع ذلك هم ليسوا الوحيدين في الأسواق الذين يتوقعون أرقامًا في هذا الشأن.
وأردف: “هناك منظمات أخرى لها توقعاتها أيضًا، إذ إن البنوك العالمية لها توقعات، ولو نظرنا -مثلًا- إلى توقعات الربع الأول من العام الجاري، نجد أنه انتهى مع اختلافات كبيرة، إذ رأت أوبك أن الطلب العالمي على النفط حقق خلال الربع الأول نموًا بمقدار 2.3 مليون برميل يوميًا، في حين تُقدر وكالة الطاقة الدولية أنه نما بمقدار 800 ألف برميل فقط”.
توقعات المؤسسات العالمية لحجم نمو الطلب
قال خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، إن الفروقات في تقدير حجم الطلب العالمي على النفط ضخمة جدًا، إذ كانت توقعات بنكي “جي بي مورغان” (JP Morgan) و”مورغان ستانلي” (Morgan Stanley) أقرب إلى توقعات وكالة الطاقة الدولية.
وأضاف: “لو نظرنا إلى توقعات سيتي بنك (CITI Bank)، نجدها أقرب نوعًا ما إلى توقعات منظمة أوبك، ولكنها تقل عنها بمقدار 400 ألف برميل يوميًا، ما يعني أن منظمة أوبك ما زالت بعيدة عن الجميع في توقعاتها”.
وأشار إلى توقعات شركة أرامكو السعودية، التي كانت بحدود 1.5 مليون برميل يوميًا، أي أن توقعات أرامكو بدورها تختلف عن توقعات أوبك، مضيفًا: “توقعاتنا في الشركة كانت 1.48 مليون برميل يوميًا، أي العدد قريب من أرامكو في التوقعات التي صدرت أواخر العام الماضي”.
وتابع الدكتور أنس الحجي: “لذلك فإن الفروقات في تقديرات الربع الأول كانت كبيرة؛ لأن أوبك+ قرر في اجتماعه الأخير أن يعيد أو يتوقف عن التخفيضات الطوعية بمقدار 2.2 مليون برميل يوميًا التي أقرها العام الماضي، وذلك بداية من الربع الرابع من 2024، ومن ثم ستعيد هذه الكميات إلى الأسواق تدريجيًا”.
وأوضح أنه إذا كان الطلب العالمي على النفط أقل بكثير من توقعات أوبك وأوبك+ فإن هذه مشكلة كبيرة، إذ سيؤدي إلى انخفاض كبير في أسعار النفط، وزيادتها في توقيت غير مناسب.
وضرب الحجي مثالًا بهذه المشكلة، موضحًا أنها تعيد إلى الأذهان ما حدث عندما رفعت أوبك الإنتاج بأكثر من مليوني برميل يوميًا في عام 1997، ما أدى إلى انهيار الأسعار، ثم زيادتها في وقت خطأ.
ولفت إلى أنه لا أحد يعرف الحقيقة بشأن الأرقام الواقعية، ولكن هناك أدوات يمكن استعمالها لتقييم هذه التوقعات؛ إذ يمكن تحديد من هو أكثر دقة من الآخر، أو من المخطئ بصورة أكبر، ولكن رغم ذلك لا أحد يعرف الرقم الحقيقي لنمو الطلب العالمي على النفط.
بعبارة أخرى، وفق الدكتور أنس الحجي، هناك الآن رقمان لتقديرات نمو الطلب العالمي على النفط، الأول من أوبك بمقدار 2.2 مليون برميل يوميًا، والآخر من وكالة الطاقة الدولية ويقل عن مليون برميل يوميًا، وهناك أدوات يمكن بوساطتها تقييم الأقرب للدقة، وكذلك تحديد ما إذا كان كلاهما مخطئًا.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..