مع استمرار سوء حالة البيانات في أسواق النفط، وعدد من العوامل الأخرى، من بينها زيادة الضغوط التي تشكّلها جماعات الضغط لصالح تغير المناخ، أصبح كثير من وسائل الإعلام قادرًا على تزييف الحقائق، أو بثّ بيانات غير صحيحة.
وفي هذا الإطار، يشير مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، إلى الخبر الذي نشرته وكالة بلومبرغ (Bloomberg) الأميركية، الذي تحدثت فيه عن وجود انخفاض كبير في صادرات النفط السعودية خلال شهر يونيو/حزيران الماضي (2024).
جاءت تصريحات الدكتور أنس الحجي، خلال حلقة جديدة من برنامجه “أنسيات الطاقة“، الذي يقدّمه عبر مساحات منصة “إكس” (تويتر سابقًا)، التي جاءت هذا الأسبوع بعنوان “تطورات أسواق النفط والغاز وتوقعات النصف الثاني من 2024”.
وأوضح الحجي أن نوعية البيانات في أسواق النفط بدأت تسوء منذ عام 2017 بشكل مزعج، لدرجة أنها أثّرت في التوقعات، وأثّرت كذلك في الخلاف بين الخبراء والوكالات المختلفة وبيوت الخبرة.
أزمة البيانات في أسواق النفط
قال مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) الدكتور أنس الحجي، إن ما زاد الطين بلة فيما يتعلق بسوء بيانات أسواق النفط، هو الإغلاقات التي اتُّخذت بصفتها إجراءات في مواجهة تفشّي جائحة كورونا عالميًا، ما جعل هذه البيانات تتدهور بشكل أكبر.
وأضاف: “مع انتهاء الإغلاقات وانتهاء جائحة كورونا، حدث الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022، فساءت البيانات بشكل أكبر، لأن أغلب الأسطول الذي يحمل النفط الروسي أصبح من الصعب تتبّعه، ومعرفة حجم صادرات روسيا بالضبط”.
ولفت الدكتور أنس الحجي إلى أن سوء حالة البيانات في أسواق النفط له انعكاسات كبيرة وسيئة على أمور كثيرة في الأسواق، لا سيما مع وجود هجوم في الوقت نفسه على النفط والغاز من وكالة الطاقة الدولية ودعاة تغير المناخ وحماة البيئة.
وتابع: “هذا الهجوم بالنسبة إلى حماة البيئة يُعدّ أمرًا قديمًا، ويحدث منذ زمن بعيد، ولا توجد لدينا أيّ مشكلة معهم، بل إننا نشكرهم على عملهم في مجال حماية البيئة، ولكن الأزمة تطورت عندما قرر السياسيون في الغرب أن يتبنّوا فكرة التغير المناخي، وأن يبنوا سياسات بناءً على هذه الفكرة”.
وأوضح أن السياسيين عملوا على منح إعانات حكومية ضخمة جدًا تعادل ميزانيات دول للشركات، وذلك لبناء صناعة غير موجودة أصلًا، ومن ثم كونت هذه الصناعات جماعات ضغط “لوبيات” قوية للإبقاء على هذه الإعانات.
وأردف: “الهدف عادةً من الإعانات، كما يقولون، أن هناك صناعات تتطلب رأس مال ضخمًا، لن يتمكن القطاع الخاص من القيام بها، لذلك تساعد الحكومة القطاع الخاص من خلال منحه هذه الإعانات، ليتمكن من النهوض بالصناعة، وبعدها يعتمد على نفسه وتوقف الحكومات هذه الإعانات”.
وأكد الدكتور أنس الحجي أنه بالنظر إلى موضوع الإعانات خلال الـ70 أو 80 عامًا الماضية في جميع أنحاء العالم، سيتضح أن هناك فشلًا ذريعًا، والصناعة التي ستقوم وهي “مشلولة في الأصل”، لن تتمكن من الوقوف، لأنها وُلدت مشلولة.
وأشار إلى أن الصناعات مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والسيارات الكهربائية كلّها تعاني، على الرغم من أن الطاقة الشمسية تحصل على إعانات منذ ما يقارب 40 عامًا، ومع ذلك حتى أمس هناك أخبار عن محاولات الصين التدخل لدى شركات الطاقة الشمسية، من خلال محاولة دمجها وتقديم مساعدات لها.
جماعات الضغط ومعاداة النفط
قال خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، إن الشركات التي تحصل على الإعانات الحكومية، سواء في الصين أو دول الغرب، لديها جماعات ضغط قوية، مهمتها أن تقنع الحكومات بالاستمرار في دعم هذه الصناعات.
ولفت إلى أن جزءًا من سوء حالة البيانات في أسواق النفط، أن هذه “اللوبيات” فجأة وجدت نفسها مضطرة إلى تشويه صورة النفط والغاز لكي تتواصل هذه الإعانات، فأصبح هناك عدو جديد للنفط والغاز، وأصبح أيّ مدافع عن صناعة النفط والغاز عدوًا يجب التخلص منه، لأنه يؤثّر في دخلهم والإعانات القادمة لهم.
من هنا، وفق الدكتور أنس الحجي، بدأت البيانات في أسواق النفط تتدهور بشكل أكبر، بسبب عمليات التعتيم من جهة، وعمليات الإساءة إلى صناعة النفط والغاز من جهة أخرى، بالإضافة إلى وجود وسائل التواصل الاجتماعي التي أسهمت بدور ملحوظ في حالة التدهور.
وأضاف: “ما حدث وزاد الطين بلة، أن الانتخابات الرئاسية التي ستجري في الولايات المتحدة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام الجاري 2024، والانتخابات التي جرت قبل شهر في الهند، تسببت بدورها في مفاقمة سوء حالة البيانات”.
وأوضح أن الحملات الانتخابية عادةً ما تشهد إنفاق أموال ضخمة، أغلبها يكون على الإعلانات في التلفاز، ولكن هذا العام شهد حدوث أمر جديد لم يكن موجودًا في السابق، وهو أن وكالة إعلامية ضخمة مثل “بلومبرغ” و”رويترز” تحديدًا، بدأت تنشر أخبارًا “مجيّرة”، وأحيانًا غير صحيحة، فساءت كذلك نوعية الأخبار بشكل كبير، لدرجة أن الناس أصبحوا غير قادرين على معرفة الحقيقة من الزيف.
وتابع: “واضح أن هذه الحملات الانتخابية دفعت أموالًا كبيرة إلى بلومبرغ ورويترز، لنجد في أخبارهما أن هناك انخفاضًا في واردات الهند من النفط الروسي، وهذا خبر انتهت مع نشره مهمة الصحفي”.
ولكن، فجأة يتدخل الصحفي برأيه، ويقول، إن الانخفاض سببه أن جو بايدن والاتحاد الأوروبي فرضا عقوبات على روسيا، ووضعا سقفًا سعريًا تسبَّب في تخفيض واردات الهند، بالتعاون مع حكومة مودي مع الغرب، وكل هذا كذب.
هل انخفضت صادرات النفط السعودية في يونيو؟
قال مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة الدكتور أنس الحجي، إن هذا النوع من الأخبار بدأنا نراه يوميًا، خاصة من بلومبرغ، فيكون الخبر عاديًا، ثم يُجَيَّر، بهدف مدح سياسات بايدن ومودي، أو للإساءة لمنظمة أوبك بطرق مختلفة.
وأشار إلى أن كل هذا الحديث عن سوء حالة البيانات في أسواق النفط، والتحيز الإعلامي ضد النفط لصالح تغير المناخ، يقود إلى الإجابة عن سؤال: هل انخفضت صادرات النفط السعودية خلال شهر يونيو/حزيران الماضي؟
وأجاب الدكتور أنس الحجي عن السؤال بالقول: “نعم انخفضت صادرات النفط السعودية خلال شهر يونيو/حزيران الماضي 2024، ولكن الإنتاج نفسه لم ينخفض، وهناك سبب لتراجع الصادرات”.
وأردف: “خبر بلومبرغ قال، إنه (عادة ما يُحرَق النفط في الصيف عندما تشتد الحرارة، ويبدو أن السعودية خزّنت هذا النفط استعدادًا للصيف)، ولكنهم نسوا تمامًا موضوع موسم الحج، حيث الحديث عن آلاف الطائرات ومئات الألوف من الحافلات والسيارات، ومئات الآلاف من الغرف الفندقية التي تستهلك الكهرباء”.
وشدد على أنه من الطبيعي مع قدوم موسم الحج في شهر يونيو/حزيران أن تنخفض صادرات السعودية، لكن الإنتاج نفسه لم ينخفض، ومع النظر إلى البيانات التاريخية، يتضح أن صادرات المملكة من النفط الخام دائمًا ما تنخفض في شهر الحج.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..