يعاني العالم في الوقت الحالي سوء حالة البيانات في أسواق الطاقة، سواء تلك المتعلقة بأسواق النفط، أو المتعلقة بأسواق الطاقة المتجددة وأدوات تحوّل الطاقة، سواء السيارات الكهربائية أو التقنيات الأخرى الخضراء.

وفي هذا الإطار، يوضح مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، الدكتور أنس الحجي، أن نوعية البيانات بدأت تتدهور في أسواق النفط، منذ عام 2017، وكان الأمر مرتبطًا بالنفط الصخري الأميركي.

جاء ذلك خلال مشاركة الدكتور أنس الحجي في حلقة من بودكاست “فنجان“، المذاع عبر راديو “ثمانية”، ويقدمه الإعلامي عبدالرحمن أبومالح، التي جاءت بعنوان “كيف سيتخلّى العالم عن النفط؟”.

ولفت الحجي إلى أن سوء حالة البيانات بدأ بسبب النفط الصخري الأميركي، إذ إن ثورة النفط الصخري بدأت خلال عام 2010 في الولايات المتحدة، التي كانت قد قنّنت الصناعة قبل 140 عامًا بسبب الضرائب.

سوء حالة البيانات في أسواق النفط

قال مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، الدكتور أنس الحجي، إن أميركا كانت لديها وعاء ضريبي للنفط، وآخر للغاز، في حين هناك وعاء ضريبي لما يسمى “السوائل الغازية”، وهي التي عرّفوها بأنها ما يخرج من آبار الغاز.

وأضاف: “تاريخيًا سارت الأمور الضريبية بهذه الصورة في الولايات الأميركية، حتى عام 1977 عندما تأسست وزارة الطاقة، وتأسست معها إدارة معلومات الطاقة الأميركية، ولكنهم اكتشفوا أنهم لا يملكون بيانات ولا تاريخًا”.

لذلك، وفق الدكتور أنس الحجي، تواصلت الوزارة والإدارة مع مسؤولي إدارات الولايات، الذين أعطوهم النظام الضريبي نفسه، فورثوا عنهم التقسيم نفسه، وأخذوا منهم البيانات، وتحركت الأمور هناك منذ عام 1977 حتى عام 2010 دون أي إشكاليات.

وهنا يجب التمييز بين النفط الصخري ونظيره التقليدي، إذ إن الأخير “التقليدي” هو نفط مهاجر، وُلد في مكان كانت مساماته واسعة في الصخور، فانتقل حتى بلغ منطقة كتيمة وتجمع فيها، ويُستخرج بالحفر العمودي.

أما النفط الصخري فقد انحبس في الصخرة الأم، التي تتمتع بمسامات ضيقة جدًا، أو لا توجد فيها مسامات على الإطلاق، فلم يتمكن من الهجرة، ومع الوصول إلى الصخرة الأم يجب الحفر في الأرض وتكسير هذا الصخر لينساب النفط.

ولكن، وفق الحجي، عندما ينساب النفط، بما أن هذه الصخرة هي الأم، ينساب معه الغاز وبعض السوائل الغازية؛ لذلك فإن كمية الغاز والسوائل الغازية في آبار النفط الصخري تكون أعلى بكثير من النفط التقليدي.

وهنا وقعت إدارة معلومات الطاقة في مشكلة كبيرة، أدت إلى سوء حالة البيانات الآن، وهي أنها لديها 3 أوعية ضريبية، واحد للنفط والثاني للغاز والثالث للسوائل الغازية، والأخير يأتي في المعتاد من آبار الغاز، ولكن هذه السوائل تأتي الآن من آبار النفط.

حقل نفط بولاية تكساس في الولايات المتحدة
حقل نفط بولاية تكساس في الولايات المتحدة – الصورة من رويترز

ولفت الدكتور أنس الحجي إلى أن الموظف الأميركي أصبح يفكر أين يصنّف السوائل الغازية التي لا يملك لها سوى تعريف قديم، ولأنه موظف حكومي ليست لديه رغبة في عمل إضافي، فقد قرر إضافة هذه السوائل إلى النفط.

النفط الصخري الأميركي والسوائل الغازية

قال خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، إن هذا الكسل أدى إلى سوء حالة البيانات، إذ إن إضافة السوائل إلى النفط -في حين هي ليست نفطًا وسوقها تختلف تمامًا وكذلك أسعارها- أصبحت البيانات تتضارب بوساطتها وتخرج بصورة غير صحيحة.

وأضاف: “عندما كنا نضع توقعات بأن نمو إنتاج النفط الأميركي سيكون 800 ألف برميل، كان يخرج بنحو 1.2 مليون برميل، فيعتقد الناس أن توقعاتنا قد فشلت، في حين لو نظرنا إلى نوعية التوقعات نجد أنها صحيحة، ولكنهم أضافوا عليها 400 ألف برميل من السوائل الغازية، فيحدث سوء حالة البيانات.

النفط الصخري الأميركي

وأوضح الدكتور أنس الحجي أن سوء حالة البيانات أدى بدوره إلى مشكلة ثانية، وهي أن هذه السوائل الغازية لا سوق لها، إذ إن أحد استعمالاتها أنها تمزج مع النفط الثقيل لجعله انسيابيًا، فيمكن استعماله ونقله في خطوط الأنابيب.

الأمر الآخر، أنه يمكن استعمالها عن طريق مزجها للحصول على نفط متوسط له استعمالات أخرى، فلما كثرت السوائل الغازية في الأسواق، اشتراها بعض المستثمرين الأذكياء، ومزجوها مع النفط الكندي الثقيل الذي يصل إلى هيوستن عبر خطوط الأنابيب، لإنتاج نفط متوسط.

وتابع: “هذا النفط المتوسط يجري تصديره إلى بلاد أخرى، لذلك فإن البيانات تقول إن السوائل الغازية تُباع، ومن ثم تُحسب ضمن الطلب على النفط، لذلك يتضح هنا سوء حالة البيانات، لا سيما خلال إغلاقات كورونا، التي لم يعد الموظفون فيها يعملون، فأصبحت المشكلة أكبر، وأصبح هناك حجب كامل لهذه البيانات”.

ولاحقًا، جاء الغزو الروسي لأوكرانيا، والعقوبات التي جرى فرضها على موسكو، التي اضطرت في المقابل إلى استعمال أساطيل لا تشغل أجهزة التتبع، فلم يعد أحد يعرف بالضبط حجم صادرات روسيا، فزاد سوء حالة البيانات بصورة أكبر.

صادرات النفط الروسي

ولفت الدكتور أنس الحجي إلى أن العام الجاري 2024 شهد أمرًا جديدًا لم يحدث في تاريخ صناعة النفط، وهو أن هناك انتخابات في أميركا والهند، يخوضها “بايدن” و”مودي”، والجميع يعلم أن الحملات الانتخابية تشهد دفع مبالغ ضخمة للإعلام، إما في صورة إعلانات مباشرة للترويج للمرشح، وإما لقاءات، وإما أمور أخرى.

وأردف: “هذا العام تحديدًا وجدنا أن التغطية الإعلامية من أكبر وكالات الأنباء، تروّج لنجاح السياسات التي يتبعها بايدن ومودي، منها توقف الهند عن استيراد نفط سوكول الروسي، بسبب نجاح سياسات بايدن الخاصة بالسقف السعري والعقوبات على موسكو، ثم الحديث عن تعاون مودي مع أميركا والغرب ضد روسيا”.

ولكن، وفق الحجي، عند التحقيق في الأمر يتضح أن القصة مختلفة تمامًا، ولا علاقة لها بالعقوبات ولا السقف السعري، إنما الحقيقة الخاصة بخام سوكول أنه كانت هناك اتفاقية في عام 2020، لاستيراد هذا النفط، فلما حدثت العقوبات انخفضت أسعار النفط الروسي.

صادرات النفط الروسي إلى الهند

وحسب العقد، ظلت أسعار خام سوكول كما هي، ففضلت الشركات الهندية الشراء من السوق بأسعار أقل، لا سيما أنها طالبت الروس بتغيير العقد فرفضوا، فامتنعت شركات الهند عن تسلم 14 شحنة، ولكن الإعلام حوّر القصة ومدح بايدن ومودي على أنهما تعاونا ضد روسيا، وهذا نموذج آخر لسوء حالة البيانات.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.

رابط المصدر

شاركها.