توصلت دراسة حديثة أعدّتها منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول “أوابك” إلى أن الانبعاثات الناتجة عن صناعة بطاريات تيسلا 3 في عام واحد تعادل انبعاثات استهلاك نحو 59 مليون برميل من النفط.
وشددت الدراسة التي أعدّها خبير أوابك، المهندس تركي حسن حمش، بعنوان “السيارات الكهربائية- الواقع والآفاق” على أن جميع الأبحاث عن السيارات الكهربائية تتبنى افتراضات مسبقة حول أن السيارات غير ملوثة للبيئة، وتكاليف استعمالها منخفضة مقارنة بالسيارات التقليدية، وأن قطاع النقل التقليدي يسهم بأعلى حصة من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون.
وأشار إلى سعي العديد من البلدان نحو تعزيز نشر السيارات الكهربائية عبر تقديم مختلف الحوافز، في مسعى لجعل هذه السيارات العنصر الأساس في قطاع النقل العام والخاص، وتتراوح الأسباب المعلنة بين الفوائد الاقتصادية التي يمكن أن تعود على المالكين من ناحية الحصول على الحوافز الحكومية أو التوفير في سعر الوقود، وبين أهمية الاستفادة من التقنيات الجديدة، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، ومن ثم زيادة الاستقلال الطاقي.
وأوضح خبير أوابك أن الذريعة الرئيسة لزيادة التوسع في استعمال السيارات الكهربائية هي الوصول إلى تخفيض جذري في انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، وعلى مستوى أقل -إعلاميًا- أكاسيد النيتروجين وغيرها.
انبعاثات السيارات الكهربائية
شدد خبير أوابك على أن تعبير غاز ثاني أكسيد الكربون الناتج عن النقل “فضفاض”، إذ يمكن أن يكون غير دقيق عند استعماله بشكل مباشر للحديث عن السيارات الكهربائية، وتوضح الأرقام في قاعدة بيانات المفوضية الأوروبية حول أبحاث الانبعاثات العالمية في الغلاف الجوي أن نسبة غاز الكربون الناتج من قطاع النقل بأنواعه (جوي، بحري، بري) ارتفعت من 17.7% عام 1970، إلى 20.7% عام 2022، أي إنها زادت بمعدل 3% فقط خلال أكثر من نصف قرن.
وأشار إلى أن بيانات البنك الدولي تكشف أن إجمالي انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في العالم عام 2020 بلغ 34.7 مليار طن، و تُبيّن منصة كليمت واتش (Climate Watch) أن نحو 7 مليار طن فقط من تلك الانبعاثات صدرت من قطاع النقل إجمالًا، أي ما يعادل 20% من إجمالي انبعاثات العالم.
وأكد الباحث أن معرفة كمية الوقود التي استُهلِكَت وحجم الانبعاثات الناتجة عن السيارات العادية يمكن معرفتها بسهولة، بينما لا يمكن قياس انبعاثات الكربون من السيارات الكهربائية، لأن محركاتها بطبيعة الحال لا تنتج الغاز، لكن هذا لا ينفي أن هناك انبعاثات مرتبطة بها، وكل ما في الأمر أنها تظهر في مكان آخر.
يقول المهندس تركي: “تبدأ انبعاثات الكربون المرتبطة مباشرة بالمركبات الكهربائية في جميع العمليات الصناعية الأولية اللازمة للحصول على المواد المستعملة في تصنيع البطارية، علاوة على عملية التصنيع بحدّ ذاتها”.
وأكد أنه من أجل تقييم انبعاثات السيارة الكهربائية، لا بدّ من النظر في شأن الانبعاثات ضمن 4 مراحل على الأقل:
- المواد الخام اللازمة لصناعة السيارة.
- إنتاج البطارية.
- تصنيع السيارة.
- استعمال السيارة.
وأوضح أن حجم انبعاثات السيارات الكهربائية الأولية ينشأ من حقيقة أن بطارية السيارة تزن نحو 500 كيلوغرام، وتحلّ محلّ خزان الوقود التقليدي الذي يزن بحدود 50 كيلوغرامًا، والبطارية التي يبلغ وزنها نصف طن مصنوعة من مجموعة واسعة من المعادن، بما في ذلك النحاس، والنيكل، والألومنيوم، والغرافيت، والكوبالت، والمنغنيز، وبالطبع الليثيوم.
وتشكّل الطاقة المستعملة للوصول إلى إنتاج بطارية السيارة الكهربائية عاملًا حاسمًا في تقدير حجم الانبعاثات، إذ حاولت دراسة صدرت عام 2017 في البرتغال، رصد التأثير البيئي لإنتاج بطاريات ليثيوم- أيون، عبر مراجعة 113 دراسة منشورة حول الموضوع، ووجدت أن 36 دراسة فقط وردت فيها معلومات كافية للحصول على التأثير البيئي حسب وزن البطارية أو سعة تخزينها.
يقول خبير أوابك: “حتى هذه الدراسات تضمنت العديد من الافتراضات والتقديرات، وبالإجمال بلغ متوسط تقديراتها لاستهلاك الطاقة نحو 328 كيلوواط/ساعة لكل 1 كيلوواط من سعة التخزين، و110 كغ مكافئ غاز ثاني أكسيد الكربون لكل كيلوغرام واحد من السعة”
وأشار إلى أنه إن صحّت التقديرات، فهذا يعني أن البطارية التي وزنها نصف طن يحتاج إنتاجها إلى 164 ألف كيلوواط/ساعة من الكهرباء (تعادل 85 برميل من النفط)، وينتج عن تصنيعها 55 طن من مكافئ غاز ثاني أكسيد الكربون (تعادل حرق 21 طنًا من الفحم الحجري).
انبعاثات تيسلا
قال خبير أوابك، إن معهد إم آي تي (MIT) الأميركي أشار إلى أن استخراج طن واحد من الخام الحاوي على الليثيوم، ينتج عنه انبعاث 15 طن من ثاني أكسيد الكربون، وأن تصنيع بطارية لسيارة تيسلا 3 (Tesla-3) بسعة 80 كيلوواط/ساعة، ينتج عنه ما بين 2.4- 16 طن من ثاني أكسيد الكربون.
وتوضح بيانات تيسلا أنها أنتجت مليونًا و775 ألفًا و159 من تلك السيارة في عام 2023، مما يعني أن إنتاج بطاريات تيسلا 3 (دون النظر لباقي المكونات) تسبَّب في انبعاثات تتراوح بين 4.4 إلى نحو 28 مليون طن.
وتبيّن وكالة “حماية البيئة الأميركية” أن انبعاثات كل 1 طن من ثاني أكسيد الكربون تعادل استهلاك 2.1 برميل من النفط، فيمكن القول، إن الانبعاثات الناتجة عن البطاريات التي صنعتها تيسلا لطراز 3 فقط، تعادل من ناحية الانبعاثات استهلاك 8.4- 58.8 مليون برميل من النفط.
وشدد خبير أوابك على أن التقدير الدقيق للكميات الفعلية من الوقود المستعملة عند تصنيع السيارة الكهربائية أمر في غاية التعقيد، بسبب متاهة المورّدين العالميين وانعدام الشفافية أحيانًا مع العديد من الشركات.
وأوضح أن وكالة الطاقة الدولية خلصت إلى أنه مقارنة بالسيارة العادية، فإن هناك انخفاضًا بنسبة 50% تقريبًا في انبعاثات دورة الحياة للمركبات الكهربائية، لكن التقرير نفسه يبيّن أن الوكالة تعتمد في تقديراتها على استعمال بطارية بقدرة 40 كيلوواط/ساعة، وهو نصف حجم البطاريات في معظم السيارات الكهربائية الشائعة.
وقال خبير أوابك، إن وكالة الطاقة الدولية تشير إلى أن سيارات الدفع الرباعي ذات البطاريات الكبيرة تمثّل 60% من إجمالي السيارات الكهربائية، باستثناء الصين، حيث تمثّل تلك السيارات 40% فقط، إذ حصل التغاضي عن أن السيارات الأكبر تحتاج إلى كميات أكبر من المعادن، وخاصة الألومنيوم، في هيكلها، مما يعني المزيد من الانبعاثات المتعلقة بتصنيع هذا المعدن.
وأوضح أنه عند النظر إلى التقديرات التي قدّمتها شركة فولفو (Volvo) والتحليل الممول من الاتحاد الأوروبي لسيارة “فولكس فاغن غولف الكهربائية” -سيارة صغيرة تستعمل بطارية صغيرة- فإن الانبعاثات الأولية لسيارة غولف الكهربائية، جنبًا إلى جنب مع الانبعاثات الصادرة عن محطات الطاقة المنتجة للكهرباء في الاتحاد الأوروبي، تنتج انبعاثات إجمالية من ثاني أكسيد الكربون أكبر من نسخة الديزل من تلك السيارة لأول 60 ألف ميل من القيادة (96 ألف كم تقريبًا).
وقال، إنه بعد قطع مسافة 93 ألف ميل (150 ألف كيلو متر) خلال 10 سنوات، تُقدَّر الانبعاثات الإجمالية للسيارة الكهربائية بنحو 20% فقط أقل من نسخة السيارة ذات محرك الاحتراق الداخلي.
وأكد خبير أوابك أن استبدال البطارية في السيارة الكهربائية سوف يضيف المزيد من الانبعاثات إلى الإجمالي، خاصة أن استبدال البطارية لا يرتبط بالمسافة المقطوعة بقدر ما يرتبط بعمر البطارية وطريقة تصنيعها، وفي حالة سيارة “فولكس فاغن” المدروسة، توصي الشركة الصانعة باستبدال البطارية كل 5 سنوات.
وكشفت تقديرات فولفو التي جرت على سيارة دفع رباعي كهربائية من إنتاجها، أن انخفاض الانبعاثات الإجمالية يبلغ 30%، وبيّنت أنه بحسب مزيج الكهرباء العالمي، فإن الانبعاثات الإجمالية من غاز ثاني أكسيد الكربون من السيارات العادية لن يتجاوز تلك الناتجة عن السيارة المدروسة إلّا بعد قطع مسافة 110 آلاف كيلومتر، على افتراض أن عمر السيارة ينتهي عند قطع مسافة 200 ألف كم.
وأجرى معهد مانهاتن (Manhattan) الأميركي دراسة تضمنت مراجعة فنية لـ50 تحليلاً مختلفًا حول انبعاثات السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة، وتبيَّن أنها تختلف عن بعضها بـ5 أضعاف أحيانًا، مما يعني أن التحاليل لا يمكن الأخذ بها بصورة مؤكدة.
وشدد خبير أوابك على أن كون السيارات الكهربائية صديقة للبيئة من ناحية انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بسلاسل الإمداد ثم بالاستعمال، ما يزال يحتاج إلى الكثير من الدراسة والتمحيص بعيدًا عن الافتراضات والتقديرات والتخمينات.
وأوضح أن كل ادّعاء بأن المركبات الكهربائية تقلل الانبعاثات يبقى مستندًا إلى تقريبات أو تخمينات تعتمد على المتوسطات أو التقديرات، أو حتى على التطلعات المستقبلية لبعض المعاهد.
انبعاثات قطاع النقل
قال خبير أوابك، إن نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن السيارات الخاصة من إجمالي انبعاثات قطاع النقل تختلف بين دولة وأخرى، إذ قُدّرت عام 2019 بنحو 70% في دول الاتحاد الأوروبي، بينما كانت أقل من 60% في الولايات المتحدة في العام نفسه، وتعمل بعض الجهات على تعميم الرقم، مما يرفع قيمته إلى نحو 83% على مستوى العالم.
وأضاف أنه يمكن النظر إلى انبعاثات قطاع النقل في الولايات المتحدة وأوروبا مثالًا، كونهما تدفعان قدمًا باتجاه استعمال السيارات الكهربائية، إذ تشير بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية إلى أن قطاع النقل استهلك نحو 67% من إجمالي المشتقات النفطية في الولايات المتحدة عام 2022، واستحوذت انبعاثات مركبات النقل العام والشاحنات التجارية على 42% من انبعاثات غاز الكربون المرتبطة بالمركبات في الولايات المتحدة، حسب وسيلة النقل في عام 2019، بينما مثّلت السيارات الخاصة 58% من إجمالي انبعاثات قطاع النقل.
وبلغ إجمالي انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في الولايات المتحدة عام 2021 نحو 4.6 مليار طن، وكانت حصة قطاع النقل إجمالًا 1.7 مليار طن، أي ما يعادل 38% من إجمالي الانبعاثات، وفق ما رصدته دراسة أوابك، نقلًا عن كتب ميزانية الكونغرس.
وأكد المهندس تركي حسن حمش أن انبعاثات النفل لا تزيد كثيرًا عن كمية 1.5 مليار طن التي نتجت عن توليد الكهربائية (ما يعادل 33% من إجمالي الانبعاثات)، بينما نتج 1.4 مليار طن عن الاستعمالات الصناعية والمنزلية والتجارية تمثّل 29% من إجمالي الانبعاثات.
وأوضح خبير أوابك المهندس تركي حسن حمش أن انبعاثات قطاع النقل في الولايات المتحدة تجاوزت انبعاثات توليد الكهرباء بعد عام 2017، لكن ذلك التجاوز لم يكن بسبب ارتفاع انبعاثات قطاع النقل، بقدر ما كان بسبب تراجع انبعاثات قطاع توليد الكهرباء.
وأشار إلى أنه بالعودة إلى بيانات توليد الكهرباء في الولايات المتحدة حسب مصدر الطاقة، يُلاحَظ أن توليد الكهرباء باستعمال النفط ارتفع من 23 تيراواط/ساعة عام 2017، إلى 25 تيراواط/ساعة عام 2022، كما ارتفع توليد الكهرباء باستعمال الغاز من 1395 تيراواط/ساعة عام 2017 إلى 1816 تيراواط/ساعة عام 2022، بينما كان المصدر الوحيد الذي انخفض استعماله في توليد الكهرباء هو الفحم الحجري، إذ تراجع من 1310 تيراواط/ساعة عام 2017 إلى 904 تيراواط ساعة عام 2022.
وتوضح الأرقام أنّ تراجُع كميات الكهرباء المولدة باستعمال الفحم الحجري بنسبة 30%، كان له أثر أكبر بكثير على خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، مقارنة بارتفاع تلك الانبعاثات في قطاع النقل، مما قد يكون مؤشرًا على توجيه أصابع اللوم نحو قطاع النقل بصفته متسببًا رئيسًا في انبعاثات الكربون.
انبعاثات النقل في أوروبا
تشير بيانات وكالة البيئة الأوروبية إلى أن مساهمة قطاع النقل في انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بلغت 25% من إجمالي انبعاثات أوروبا عام 2019، وكانت الانبعاثات متساوية في قطاعي النقل البحري والمواصلات البرية في عام 2021.
وتكشف بيانات الوكالة المحدّثة في أواخر عام 2023 أن انبعاثات قطاع النقل ارتفعت بنحو 8.6% عام 2021، وارتفعت بنسبة 2.7% في عام 2022.
وبلغ إجمالي انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في العالم عام 2022 نحو 53.9 مليار طن، في حين بلغت انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في الدول العربية مجتمعة 3.1 مليار طن، أي ما يمثّل 5.8% فقط من إجمالي انبعاثات العالم (منها 5.1% من دول منظمة أوابك).
أمّا إجمالي انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون من قطاع النقل العالمي، فبلغ نحو 8 مليار طن، منها 0.44 مليار طن فقط تمثّل انبعاثات قطاع النقل في الدول العربية مجتمعة، أي نحو 5.6% من إجمالي انبعاثات العالم في هذا القطاع، وتشكّل انبعاثات قطاع النقل في الدول الأوروبية نحو 9.7% من إجمالي انبعاثات قطاع النقل في العالم، أي إنها تزيد عن انبعاثات قطاع النقل في الدول العربية مجتمعة بأكثر من 73%.
وكانت انبعاثات قطاع النقل في السعودية الأعلى بين الدول العربية ووصلت إلى نحو 140 مليون طن، تمثّل 17% من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في المملكة، لكن ذلك أمر متوقع في ضوء خصوصية المملكة في مجال حركة المواصلات والنقل الكثيفة وعدد المركبات الكبير فيها.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..