اقرأ في هذا المقال
- تعزّز أول محطة طاقة نووية في العالم معايير الأمان في المفاعلات
- تشهد الصين نموًا سريعًا في سعة الطاقة النووية
- الصين ملتزمة بالوصول إلى ذروة الانبعاثات بحلول 2030
- لدى الصين 27 مفاعلًا نوويًا قيد الإنشاء
- يضمن تصميم المفاعل عدم تعرُّضه للتسخين الزائد
تجسّد أول محطة طاقة نووية مقاومة للانصهار في العالم ثمار الجهود المبذولة لتعزيز معايير السلامة والأمان في تلك التقنية النظيفة المحفوفة بالمخاطر.
وتفتح المحطة النووية الجديدة، التي تحتضنها الصين، الباب أمام ظهور مزيد من التقنيات النووية المطورة لإعادة ذلك القطاع إلى الواجهة بعد تراجع الاعتماد عليه في توليد الكهرباء منذ حادثة مفاعل فوكوشيما النووي الياباني في 2011.
وتتزامن أول محطة طاقة نووية مقاومة للانصهار في العالم مع النمو المطّرد الذي يسجله قطاع الطاقة النووية في الصين خلال السنوات القليلة الماضية.
كما تأتي المحطة الجديدة في إطار خطط الحكومة للوفاء بمستهدف الوصول إلى ذروة الانبعاثات قبل نهاية العقد الحالي (2030)، وتحقيق الحياد الكربوني في 2060، وفق متابعات لمنصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).
قواعد اللعبة تتغير
حققت الصين إنجازًا غير مسبوق بكشفها أول محطة طاقة نووية مقاومة للانصهار في العالم، التي من شأنها أن تغير قواعد اللعبة في تلك الصناعة، وفق ما نشرته صحيفة إندبندنت .
وطُورت أول محطة طاقة نووية مقاومة للانصهار في العالم بوساطة نخبة من الباحثين في جامعة تسينغهوا الصينية الحكومية، وتمثّل قفزةً كبيرةً في المعايير المتعلقة بسلامة وأمان الطاقة النووية، التي طالما خضعت للفحص والتدقيق منذ وقوع كارثة مفاعل فوكوشيما الياباني قبل أكثر من عقد.
ويَنتُج عن الانشطار النووي، العملية التي يرتكز عليها تشغيل المحطات النووية، كميات مهولة من الحرارة التي تشكّل مخاطر كارثية حال عدم إدارتها بالشكل الملائم.
وتواجه محطات الطاقة النووية التقليدية خطر الانصهار بسبب تلك الحرارة الهائلة، وإذا تعطلت أنظمة التبريد في تلك المحطات لأيّ سبب، تكون تلك المفاعلات عُرضة للتسخين الزائد؛ ما قد يؤدي إلى انفجارات وتسرّب إشعاعات خطيرة بالنسبة للبشر والبيئة بوجه عام.
تصميم ابتكاري
يتركز بناء أول محطة طاقة نووية مقاومة للانصهار في العالم على تصميم ابتكاري يُطلَق عليه “المفاعل ذو القاعدة الحجرية” (pebble-bed reactor) للتخفيف من مخاطر الانصهار.
ويعتمد المفاعل ذو القاعدة الحجرية على شطر الوقود النووي إلى كريات صغيرة من الوقود، تُشَكَّل في حجم كرة بيسبول مع طبقات متتالية من الغرافيت والسيراميك.
وتعمل تلك الطبقات وسيطًا للنيوترون، وتؤدي مهمة الماء الذي يوضع بين خلايا القضبان الشبكية في المفاعلات التقليدية.
وبخلاف معظم المفاعلات النووية التي تستعمِل المياه لأغراض التبريد، تستعمل المحطة النووية الجديدة غاز الهيليوم الذي لديه القدرة على التعامل مع درجات حرارة مرتفعة جدًا.
وبدلًا من استعمال قضبان وقود ضخمة، تستعمل أول محطة طاقة نووية مقاومة للانصهار في العالم كريات غرافيت صغيرة مملوءة بجزيئات وقود اليورانيوم الصغيرة.
وهذه الكرات الصغيرة توفرها شركة إس جي إل غروب (SGL Group) الألمانية، وتتّسم بخاصية المقاومة الشديدة للحرارة، وفق معلومات طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.
وبمقدور المواد المُستعمَلة في هذا المفاعل أن تتحمل درجات حرارة مرتفعة تصل إلى 950 درجة مئوية دون تعرُّضها للانصهار
ويضمن تصميم المفاعل عدم تعرُّضه للتسخين الزائد إلى المستويات الخطرة، حتى إذا تعطَّل نظام التبريد المستعمَل في المفاعل، علمًا بأن غاز الهيليوم وكرات الغرافيت تعمل بصورة طبيعية على تبديد الحرارة.
وإذا ارتفعت درجة حرارة المفاعل بمستويات حرجة، يستطيع المفاعل تلقائيًا إبطاء سلسلة التفاعل النووي، مانعًا أيّة فرصة لحصول الانصهار.
درس فوكوشيما
في عام 2011، واجه مفاعل فوكوشيما النووي الياباني معضلة نادرة، حينما توقفت إمدادات الطاقة الدورية والاحتياطية إلى نظام التبريد عن العمل؛ ما نتجَ عنه حصول انصهار في المفاعل.
وعلى الرغم من أن تقنية “المفاعل ذي القاعدة الحجرية” لا تحلّ مشكلة النفايات النووية بالكامل، فإن شكل الوقود يتيح خيارات متعددة للتخلص من تلك النفايات.
وتستهدف الصين التخلص من النفايات النووية نهائيًا، أو حتى خفضها، عبر إعادة تدوير الوقود النووي المستنفد.
وتلامس سعة إنتاج الكهرباء من المفاعلين المستعملين بأول محطة طاقة نووية مقاومة للانصهار في العالم 105 ميغاواط لكل منهما، علمًا بأن المفاعلين يخضعان للتطوير منذ عام 2016.
مصدر نظيف لتوليد الكهرباء
تقدّم الطاقة النووية مصدرًا كبيرًا وموثوقًا من الكهرباء منخفضة الكربون؛ ما يساعد على خفض انبعاثات غاز الدفيئة المسببة للاحترار العالمي ومكافحة تغير المناخ.
لكن معيار السلامة يظل -دائمًا- مصدرًا باعثًا على القلق عند التخطيط لبناء مشروعات محطات الطاقة النووية.
ولا يمكن تعديل تصميم أول محطة طاقة نووية مقاومة للانصهار في العالم بما يتواءم مع المفاعلات النووية الحالية، لكنه قد يكون نموذجًا لتصنيع محطات نووية مستقبلية أكثر تطورًا.
ويأتي تطوير محطة الطاقة النووية الصينية الجديدة في إطار جهود بكين الأوسع نطاقًا لتعزيز إمدادات الطاقة النووية، وخفض الاعتماد على الفحم، الذي ما يزال المكون الرئيس بمزيج الكهرباء الوطني في ثاني أكبر الاقتصادات العالمية.
أعداد المفاعلات تتزايد
تمتلك الصين 27 مفاعلًا نوويًا قيد الإنشاء -حاليًا- بمتوسط زمني للبناء يبلغ نحو 7 سنوات، وفق معلومات طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.
ويُتوقع أن تشرع الصين في تشغيل 23 مفاعلًا قيد الإنشاء حاليًا، وهو ما يعني إضافة نحو 24 غيغاواط إلى قدرة توليد الكهرباء من الطاقة النووية.
ويتجاوز عدد المفاعلات قيد الإنشاء في الصين مرتين ونصف المرة نظيره في أيّ دولة أخرى من دول العالم، وفق تقديرات الوكالة الدولية للطاقة الذرّية.
وبنهاية أبريل/نيسان (2024)، لامس عدد المفاعلات النووية قيد التشغيل في الصين 55، بصافي سعة بلغ 53.2 غيغاواط، نظير 19 غيغاواط فقط في عام 2014، بارتفاع 180% خلال 10 سنوات.
ويوضح الفيديو أدناه آلية عمل المفاعل ذي القاعدة الحجرية:
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..