تُشكّل محطات الفحم صداعًا في رأس الحكومات الداعمة لانتقال الطاقة، ورغم إعلان إطار زمني لإغلاق بعضها، فإن هذه الخطوة ما زالت تُثقل كاهل المطورين لمحدودية الخيارات البديلة المتاحة.

ويخشى معنيون من فجوة إمدادات خلال المدة بين مرحلة ما بعد إغلاق محطات توليد الكهرباء بالفحم، وتشغيل مشروعات الطاقة النظيفة والمتجددة للاعتماد عليها بديلًا لتوفير الكهرباء بالوقود الملوث.

ووفق معلومات تابعتها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، يواجه إقليم نيو إنغلاند في أميركا المعضلة ذاتها، مع الاستعدادات لغلق آخر محطة كهرباء تعمل بالفحم في غضون 4 سنوات من الآن.

ويقع الإقليم شمال شرق أميركا، ويغطي 6 ولايات هي: (كونيتيكت، ومين أو ماين، ونيو هامبشاير، وفيرمونت، وماساتشوستس، ورود آيلاند)، وأطلق عليه هذا الاسم بوصفه الوجهة الأولى للمهاجرين من إنجلترا.

خطط ما بعد محطات الفحم

تستعد آخر محطات الفحم في إقليم نيو إنغلاند للتقاعد في وقت قريب، ورغم أن الإغلاق يُرجح له عام 2028، فإن التساؤلات حول مصير البنية التحتية للوقود الملوث، وسبل تلبية الطلب حينها، ظهرت على الساحة من الآن.

وتعتزم شركة غرانيت شور باور (Granite Shore Power) -مقرّها ولاية نيو هامبشاير- إغلاق محطتي توليد كهرباء بالفحم تابعتين لها، وإنشاء مشروعات بديلة مثل بطاريتي تخزين ومزرعة شمسية صغيرة.

أبخرة تتصاعد من محطة ميريماك لتوليد الكهرباء بالفحم في إقليم نيو إنغلاند – الصورة من NH Business Review

وبالنظر إلى أن إحدى هاتيْن المحطتيْن تقع قرب خليج ولاية “مين”، فإن الرئيس التنفيذي للشركة جيم أندروز لم يستبعد احتمال انخراطها في صناعة الرياح البحرية.

وسلّطت رؤية الانتقال من الاستثمار في محطات الفحم لمشروعات الطاقة النظيفة الضوء على حجم استعمال الفحم في إقليم نيو إنغلاند، إذ من الأساس لم يكن هناك توسع بالمعنى الواضح في الاعتماد عليه.

وتضاءل دور الفحم في سوق كهرباء الإقليم وولاياته الـ6، منذ إغلاق محطة كهرباء تعمل به في ولاية ماساتشوستس عام 2017، وتوقفت محطتا الكهرباء العاملتان بالفحم التابعتان لشركة “غرانيت شور باور” منذ عام 2020، وفق ما نشره موقع إي آند إي نيوز (E&E News).

الطلب والانتقال

برز تساؤل مُلّح حول “كيفية الحصول على إمدادات كهرباء خاصة إذا ارتفع الطلب”، مع توقف محطتي شركة “غرانيت شور باور” منذ 4 أعوام، وانخفاض إنتاج المحطات الأخرى أو توقفها عدا أوقات ذروة الطلب، المقدرة بنحو 20 يومًا سنويًا.

ويقتصر إنتاج محطات الفحم في ولايات إقليم نيو إنغلاند على أوقات حرارة الصيف أو برد الشتاء، ما يوضح تحديدًا دور المحطات العاملة بالوقود الأحفوري والأكثر ضررًا بالمناخ وشبكة الكهرباء، إذ لديها القدرة على تلبية الطلب في أوقات الذروة.

وتُعد ذورة الطلب المرتبطة بالطقس، وقدرة الإمدادات البديلة على تلبية الاستهلاك، أبرز التحديات أمام إغلاق محطات الكهرباء غير الصديقة للبيئة وخفض معدل الانبعاثات الكربونية لقطاع الكهرباء.

وتعتمد شبكة الكهرباء في ولايات الإقليم على الغاز بصورة رئيسة، لكن عوائق تتعلق بمحدودية خطوط النقل عاقت هذا الاعتماد، خاصة مع ارتفاع الطلب على التدفئة شتاءً.

احتجاجات بيئية ضد محطات الفحم في إقليم نيو إنغلاند الأميركي
احتجاجات بيئية ضد محطات الفحم في إقليم نيو إنغلاند الأميركي – الصورة من 350 NH Action

خطط متنوعة

حاولت محطات الكهرباء العاملة بالغاز في ولايات إقليم نيو إنغلاند توفير وقود بديل، ومن بين ذلك تشغيل محطة “ميستيك” للكهرباء -كبرى محطات الكهرباء العاملة بالوقود الأحفوري في الإقليم، التي أُغلقت الصيف الجاري- على واردات الغاز المسال.

وأسهمت محطتا الفحم التابعتان لشركة “غرانيت شور باور” بإنتاج كهرباء محدود، وكذلك عزّزت محطة تعمل بالنفط في ولاية “كونيتيكت” من الإنتاج أيضًا.

ودعّمت المحاولات السابقة (سواء المحطات العاملة بالفحم أو الغاز المسال أو النفط) من إنتاج الكهرباء، بما مكّن الإقليم من تلبية الطلب خلال أوقات الذروة، لكنها ما زالت في نهاية الأمر طرق غير نظيفة.

وستواجه ولايات إقليم نيو إنغلاند خسارة قدرها 3 آلاف ميغاواط (بما يعادل عُشر قدرة التوليد) خلال السنوات الـ4 المقبلة، حتى إغلاق المتبقي من هذه المحطات تمامًا بحلول عام 2028.

بدائل أنظف.. وفجوة متوقعة

مع إغلاق محطات الفحم في الإقليم تظهر على الساحة بدائل صديقة للبيئة، من بينها: استئناف العمل في بناء خط من كندا يمكنه نقل 1200 ميغاواط بعد تحديات استمرت عامين، ومشروعان مرتقبان للرياح البحرية قد يعززان شبكة الإقليم بنحو 1500 ميغاواط أخرى.

وهنا تظهر فجوة في توافر الإمدادات قد تصل إلى حد العجز، بين موعد إغلاق محطات الفحم وموعد تشغيل المشروعات النظيفة قيد البناء حاليًا، وأبرزها مشروعات الرياح البحرية الأكثر جاذبية في منطقة شمال الأطلسي للطلب خلال فصل الشتاء.

ورغم فرص الرياح البحرية في الإقليم ودورها المتوقع لتعزيز موثوقية الشبكة، فإنها قد لا تكون كافية وحدها مع انخفاض درجات الحرارة وتراجع سرعة الرياح، ما يضطر الشبكة حينها إلى الاعتماد على مصادر إضافية.

وتملك شركة أيزو نيو إنغلاند (ISO New England) المعنية بتشغيل شبكة الإقليم ونقل الإمدادات، إمدادات كافية لتلبية الطلب حتى عام 2032 بعد إغلاق آخر محطات الفحم في 2028.

وحتى ذلك الوقت تأمل الشركة أن تضيف مشروعات الرياح البحرية 4 آلاف و800 ميغاواط، لكن يبدو أن هذا الطموح صعب التحقيق مع تسبب التضخم في إلغاء عقود عدد من المطورين في الإقليم.

رفض بيئي لاستعمالات الفحم والغاز
رفض بيئي لاستعمالات الفحم والغاز – الصورة من 350 NH

حلول التخزين

اتهمت الشركة المسؤولة عن تشغيل إمدادات الشبكة ونقلها في الإقليم السيارات الكهربائية والمضخات الحرارية بالضغط على الشبكة مع زيادة الطلب، خاصة مع توقعات ارتفاع الطلب 17% خلال السنوات الـ10 المقبلة.

وربما تفسّر هذه التداعيات عزم شركة “غرانيت شور باور” التوسع في حلول تخزين الطاقة عقب إغلاق محطات الفحم.

ورغم أن رصيف المياه العميقة الملحقة بإحدى محطات الفحم التابعة للشركة “محطة شيلر” كان مخصصًا في السابق لاستقبال شحنات الفحم، فإن الشركة تدرس تحويله إلى موقع للرياح البحرية، غير أن اقتصار موافقات إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على “التأجير” فقط عطّل انطلاق المشروعات الجديدة.

من جانب آخر، تخطط الشركة لبناء بطارية تخزين بقدرة 150 ميغاواط في محطة شيلر، وبطارية بقدرة 100 ميغاواط في محطة “ميريماك” ملحقة بمزرعة شمسية بقدرة 10 ميغاواط، بعد أن كانتا لسنوات ضمن أبرز محطات الفحم في الإقليم.

وتنظر الشركة إلى تحويل محطات الفحم لمشروعات نظيفة بوصفها خطوة مهمة، للتغلب على تحديات محدودية إمدادات الغاز عبر خطوط الأنابيب.

لكن حلول التخزين في البطاريات عادة ترتبط بمستوى إنتاج الطاقة المتجددة، الذي يُعد “محل شك” في ولايات الإقليم مع ارتباط أداء الرياح والطاقة الشمسية بالطقس.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.

رابط المصدر

شاركها.