اقرأ في هذا المقال
- • توقعات بوصول عائدات النفط والغاز إلى 15 مليارًا و600 مليون دولار في العام المقبل.
- • إنتاج غازبروم من الغاز زاد بنسبة 16% في النصف الأول من عام 2024.
- • تاريخيًا كان اقتصاد روسيا شديد التأثر بالتحولات في أسعار النفط.
- • التوقعات طويلة الأجل تتنبأ بفصل تدريجي للموازنة عن الاعتماد على النفط والغاز.
تشير التوقعات إلى أن انخفاض إيرادات النفط والغاز الروسية، التي كانت تتمثل تقليديًا أساسًا في الموازنة الوطنية، يُلقي بظلال قاتمة على اقتصاد البلاد الذي يشهد تحولًا كبيرًا.
بدورها، نفّذت الحكومة الروسية، في السنوات الأخيرة، سياسات مالية تهدف إلى الحد من اعتماد البلاد على النفط والغاز، بما يتماشى مع الاتجاهات العالمية الأوسع التي تشير إلى انخفاض الطلب على الهيدروكربونات.
من جهة ثانية، توضح التوقعات بشأن إيرادات النفط والغاز الروسية، وتأثيرها في صندوق الرعاية الاجتماعية الوطني، جهود البلاد الرامية إلى استقرار اقتصادها وسط أسواق الطاقة المتقلبة والضغوط الجيوسياسية.
ويتناول هذا التحليل الاتجاهات الحالية في الإيرادات والنفقات المالية في روسيا، وتداعيات التغييرات في ضريبة استخراج المعادن، والتداعيات الجيوسياسية الأوسع نطاقًا للإستراتيجية الاقتصادية المتطورة في روسيا.
أولًا: الضغوط المالية وديناميكيات إيرادات النفط والغاز الروسية
في عام 2024، من المتوقع أن تبلغ إيرادات النفط والغاز الروسية الموجهة إلى صندوق الرعاية الاجتماعية الوطني 45 مليار روبل فقط (47 مليارًا و721 مليون دولار أميركي)، وهو ما يتناقض بشكل صارخ مع التوقعات السابقة التي بلغت 334 مليار روبل.
ويسلط هذا الانخفاض العشري في العائدات الضوء على الطبيعة غير المتوقعة لأسواق الطاقة العالمية والضغوط المالية التي تفرضها على الاقتصاد الروسي.
رغم ذلك؛ فمن المتوقع حدوث انتعاش حاد في العام المقبل؛ حيث من المتوقع أن تصل عائدات النفط والغاز إلى 1.56 تريليون روبل (15 مليارًا و600 مليون دولار).
ويعكس هذا التقلب اعتماد موسكو على إيرادات النفط والغاز الروسية، حتى مع عمل الحكومة على تنويع مصادر إيراداتها.
(الروبل الروسي = 0.010 دولارًا أميركيًا)
بالإضافة إلى ذلك، يشير تقديم الحكومة الروسية لموازنة تعاني عجزًا إلى مجلس الدوما للمدة 2025-2027 إلى كفاح البلاد لتحقيق التوازن في سجلاتها وسط انخفاض عائدات النفط والغاز.
ويوضح العجز المتوقع في الموازنة الذي يقل عن 1% للمدة 2025-2026، ويرتفع إلى 1.1% بحلول عام 2027، التحديات التي تواجهها روسيا في محاولتها خفض الإنفاق مع الحفاظ على البرامج الحكومية الأساسية.
إضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي، من 3.9% في عام 2024 إلى 2.5%-2.8% في السنوات التالية، ما يعكس الظروف الاقتصادية الصعبة الناجمة عن تراجع صادرات الطاقة، ومن ثم انخفاض إيرادات النفط والغاز الروسية.
ثانيًا: تأثير ضريبة استخراج المعادن ودور شركة غازبروم
يعود جزء كبير من توقعات إيرادات النفط والغاز الروسية المنخفضة إلى التغييرات في ضريبة استخراج المعادن على الغاز.
وهذه من المتوقع أن تخفض إيرادات النفط والغاز الروسية بمقدار 440 مليار روبل في عام 2025.
من جهتها، نجحت شركة غازبروم الروسية Gazprom، وهي لاعب بارز في قطاع الطاقة الروسي، في الضغط من أجل خفض ضريبة استخراج المعادن بدءًا من عام 2025، ما قد يؤدي إلى خسارة 600 مليار روبل في الإيرادات للحكومة.
ويهدف هذا التحول في السياسة إلى تخفيف العبء المالي على شركة غازبروم والسماح لها بالحفاظ على القدرة التنافسية في سوق الطاقة العالمية المتقلبة.
وقد زاد إنتاج غازبروم من الغاز بنسبة 16% في النصف الأول من عام 2024، بإجمالي 208.14 مليار متر مكعب، ما يعكس جهود الشركة المستمرة لتوسيع حضورها في السوق المحلية والدولية.
ويُبرز الانخفاض المتوقع في عائدات النفط والغاز من 11.3 تريليون روبل في عام 2024 إلى 10.9 تريليون روبل في عام 2025، التحديات الطويلة الأجل التي يواجهها قطاع الطاقة في روسيا.
ونتيجة لانخفاض الطلب العالمي على الهيدروكربونات وتحول أسواق التصدير الرئيسة لروسيا، خصوصًا في أوروبا، نحو الطاقة المتجددة، فإن قدرة غازبروم على استدامة النمو سوف تكون موضع اختبار.
ثالثًا: التداعيات الجيوسياسية والاقتصادية لإستراتيجية الموازنة الروسية
يمثل خفض اعتماد روسيا على عائدات النفط والغاز، التي من المتوقع أن تشكل 27% فقط من الموازنة الفيدرالية بحلول عام 2025، خطوة إستراتيجية من جانب الكرملين لحماية الاقتصاد من تقلبات سوق الطاقة العالمية.
تاريخيًا، كان اقتصاد روسيا شديد التأثر بالتحولات في أسعار النفط، ولكن التخفيض المخطط له في الاعتماد على النفط والغاز يمثل تحولًا كبيرًا في السياسة الاقتصادية.
ويهدف هذا التحول إلى جعل الموازنة الروسية أكثر مرونة، على الرغم من أنه يثير تساؤلات حول الاستدامة طويلة الأجل لسياستها الاقتصادية.
ومن منظور جيوسياسي، فإن خفض إيرادات النفط والغاز الروسية قد يحد من قدرة موسكو على ممارسة النفوذ من خلال دبلوماسية الطاقة.
وبالنظر إلى استمرار أوروبا في خفض اعتمادها على الغاز الروسي، سوف تحتاج موسكو إلى تحديد أسواق بديلة، مثل الصين والهند، للحفاظ على نفوذها الاقتصادي والجيوسياسي.
في المقابل، قد لا يعوض هذا التحول بشكل كامل عن حصة السوق الأوروبية المفقودة، لأن هذه البلدان تعمل على تنويع وارداتها من الطاقة.
إضافة إلى ذلك، تهدف الإستراتيجيات المالية التي تنتهجها الحكومة الروسية، مثل الحفاظ على قاعدة الموازنة التي توجه عائدات النفط إلى صندوق الرعاية الاجتماعية الوطني عندما تتجاوز الأسعار 60 دولارًا للبرميل، إلى احتواء التضخم وضمان الاستقرار الاقتصادي في الأمد البعيد.
ويشير الاعتماد على آليات السوق المحلية، وليس مبيعات الطاقة الخارجية، لدفع النمو الاقتصادي إلى أن روسيا تستعد لعزلة جيوسياسية مطولة وانخفاض إيرادات النفط والغاز الروسية، وصادرات الطاقة التقليدية.
خاتمة: التداعيات الإستراتيجية والتوقعات طويلة الأجل
تعكس التقلبات المتوقعة في إيرادات النفط والغاز الروسية، إلى جانب السياسات المالية المتطورة للحكومة، اتجاهًا أوسع نطاقًا للتكيف الاقتصادي في مواجهة انخفاض الطلب العالمي على الهيدروكربونات والعزلة الجيوسياسية.
وعلى الرغم من أن التوقعات قصيرة الأجل لعائدات صندوق الرعاية الاجتماعية الوطني في روسيا تظهر انتعاشًا محتملًا، فإن التوقعات طويلة الأجل تشير إلى فصل تدريجي للموازنة الروسية عن الاعتماد على النفط والغاز.
وستكون لهذا التحول آثار جيوسياسية عميقة، ما يحد من قدرة روسيا على التأثير في عملائها التقليديين بمجال الطاقة، خصوصًا في أوروبا، ويدفع موسكو إلى البحث عن شراكات إستراتيجية جديدة في آسيا.
في السنوات المقبلة، ستعتمد قدرة روسيا على الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي على التنفيذ الناجح لسياساتها المالية، بما في ذلك إدارة العجز غير النفطي والغازي وتخفيف الضغوط التضخمية.
وتؤكد التغييرات في ضريبة استخراج المعادن والانخفاض المحتمل في عائدات النفط والغاز الحاجة إلى إصلاحات اقتصادية هيكلية لضمان مرونة البلاد في اقتصاد عالمي محايد كربونيًا.
بالنسبة لروسيا، فإن الطريق أمامها محفوف بالتحديات الاقتصادية والجيوسياسية، ولكنه يمثل فرصة لإعادة توجيه اقتصادها نحو قدر أعظم من الاكتفاء الذاتي والتنويع.
تسلط البيانات الضوء على التقلبات الكبيرة في إيرادات النفط والغاز الروسية، خصوصًا فيما يتعلق بمساهماتها في صندوق الرعاية الاجتماعية الوطني. وعلى الرغم من أن العجز في الموازنة يظل مستقرًا عند نحو 1%؛ فمن المتوقع أن تنخفض عائدات النفط والغاز على مدى السنوات المقبلة.
ويشير هذا الانخفاض إلى جانب التغييرات التي طرأت على ضريبة استخراج المعادن، إلى أن موسكو تعمل على تقليل اعتمادها على إيرادات النفط والغاز الروسية.
رغم ذلك، فإن التأثير طويل الأجل لهذه التعديلات في الاستقرار الاقتصادي لروسيا لا يزال غير مؤكد.
فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..