قلّل تحليل حديث من جدوى تقنية احتجاز الكربون وتخزينه المستعملة في مشروعات الهيدروجين الأزرق وتوليد الكهرباء من الغاز.
ووفق التقرير الذي حصلت عليه منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، فإن التقنية التي تلقى احتفاءً لا تأخذ في الحسبان انبعاثات قطاع المنبع عند التنقيب واستخراج ونقل الغاز الطبيعي.
ومن شأن انبعاثات المنبع المرتفعة أن تضاعف بمقدار ثلاث مرات كثافة الكربون بالنسبة لمشروعات الهيدروجين الأزرق المنتج من الغاز، وهو ما يتجاوز المعايير في كلٍ من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ولذلك، فلا يمكن عَدّ الهيدروجين الأزرق وتوليد الكهرباء من الغاز باستعمال تقنية احتجاز الكربون وتخزينه مشروعات منخفضة انبعاثات الكربون، ما لم تضمن انخفاض انبعاثات قطاع المنبع مع تحقيق معدلات مرتفعة لاحتجاز الكربون.
تقنية احتجاز الكربون وتخزينه
كشف مركز أبحاث “كربون تراكر” المتخصص (Carbon Tracker) أن تقنية احتجاز الكربون وتخزينه تهدد الخطط المناخية للملكة المتحدة التي تطمح إلى تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، بسبب انبعاثات الغاز المسال في قطاع المنبع.
وتشير التقديرات إلى أن تلك الانبعاثات تستهلك ما يتراوح بين 22% و63% من ميزانية الكربون السادسة في المملكة المتحدة.
يُقصد بميزانية الكربون الحدّ الأقصى لكمية ثاني أكسيد الكربون التي يمكن إطلاقها في الغلاف الجوي.
يقوم التحليل على قياس كثافة الكربون الناتجة عن مشروعات الهيدروجين الأزرق وتوليد الكهرباء بالغاز باستعمال تقنية احتجاز الكربون وتخزينه، مع الأخذ في الحسبان انبعاثات المنبع، بدءًا من استخراج الغاز ومعالجته، حتى نقله.
وعلى نحو خاص، يحتلّ ذلك العامل أهمية خاصة بالنسبة للمملكة المتحدة وأوروبا التي يتزايد اعتمادها على واردات الغاز المسال، وخاصة من الولايات المتحدة، بعد أزمة الطاقة التي أعقبت الحرب الروسية الأوكرانية في عام 2022.
وعلى سبيل المثال، تشير دراسات مستقلة إلى أن كثافة الكربون الخاصة بالغاز المسال المستورد من الولايات المتحدة قد تكون أعلى بنسبة تتراوح بين 80% و150% مقارنة بكثافة غاز هيئة بحر الشمال الانتقالية في المملكة المتحدة.
وحذّر التقرير من أن ارتفاع انبعاثات المنبع سيؤدي إلى مضاعفة كثافة الكربون في مشروعات الهيدروجين الأزرق بمقدار 3 مرات، وهو ما يتجاوز معايير الوقود منخفض الكربون في المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وحتى مع استعمال أفضل التقنيات، قد ينتج عن الهيدروجين الأزرق المنتج من الغاز المسال المستورد زيادة بكثافة الكربون بمقدار 2.5 ضعف معايير الهيدروجين المحلية في المملكة المتحدة.
أزمة بيانات
ثمة حالة كبيرة من عدم اليقين بشأن انبعاثات المنبع التي عادةً لا يُبَلَّغ عنها، وغالبًا ما تتجاهل أو تقلل التي تُشيد باستعمال تقنية احتجاز الكربون وتخزينه في محطات الكهرباء العاملة بالغاز من قدر انبعاثات المنبع.
بدوره، يقول مؤلف التقرير والمحلل في مركز “كربون تراكز” لورنزو ساني، إنه لا ينبغي عدّ مشروعات الهيدروجين الأزرق والغاز التي تستعمل احتجاز الكربون وتخزينه “منخفضة انبعاثات الكربون” ما لم تضمن استعمال غاز طبيعي ذي انبعاثات منبع منخفضة، بالإضافة إلى تحقيق معدلات عالية لاحتجاز الكربون.
وأشار إلى أن الهيدروجين الأخضر المنتج بوساطة الكهرباء المولّدة من مصادر متجددة مثل الشمس والرياح مازال الطريق الوحيد لخفض الانبعاثات.
وسترفع مشروعات الهيدروجين الأزرق والغاز باستعمال احتجاز الكربون وتخزينه الطلب على الغاز، وإذا أُقيمت كل المشروعات المقترحة بموجب إستراتيجية الحياد الكربوني، سيكون الطلب بحلول 2035 ضعف الإنتاج المحلي المقترح في المملكة المتحدة.
وفي ضوء التراجع الطبيعي لإنتاج حقول بحر الشمال والتوسع في محطات استيراد الغاز المسال، فلا مفر من الزيادة في واردات الغاز المسال التي ستأتي محمّلة بانبعاثات كربون مرتفعة، وخاصة إذا كان مصدرها الولايات المتحدة.
وفي حالة إقامة كل مشروعات الغاز التي تستعمل احتجاز الكربون وتخزينه المنصوص عليها في إستراتيجية الحياد الكربوني باستعمال الغاز المسال المستورد، ستطلق ما يتراوح بين 20 و600 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون على طول عمرها التشغيلي.
دور الحكومة
لم يضع أيّ من الأحزاب السياسية الكبرى سياسات خاصة لترشيد استعمال تقنية احتجاز الكربون وتخزينه وسد الفجوة الحالية في قياس الانبعاثات الحقيقية داخل المملكة المتحدة.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن إطار عمل التقييم البيئي تشوبه العيوب، ولا بدقّة انبعاثات المنبع.
ولجأ الدكتور أندرو بوسويل إلى المحكمة العليا لمقاضاة حكومة المملكة المتحدة في يوليو/تموز 2023، بشأن تقييم انبعاثات المنبع عند منحها تصاريح مشروعات الغاز التي تستعمل تقنية احتجاز الكربون وتخزينه.
وقال بوسويل، إن وزارات المملكة روّجت ودعمت مشروعات الغاز الطبيعي الجديدة، وتجاهلت آثارها المناخية الخطيرة للغاية.
وأضاف أنه عندما وافقت وزيرة أمن الطاقة والحياد الكربوني كلير كوتينهو على مشروع تيسايد، أقرّت بأن انبعاثات المنبع تحمل آثارًا خطيرة على المناخ، وهو ما يدلل عل أن القرار بُني على افتراضات قديمة، لا تأخذ في الحسبان الانبعاثات المستقبلية المتوقعة، وأن الوزيرة لا ترى سوى نصف البصمة الكربونية الحقيقية.
ويهدف مشروع “نت زيرو تيسايد باور” إلى أن يكون واحدًا من أوائل محطات الكهرباء التي تعمل بالغاز على نطاق تجاري في العالم، مع احتجاز الكربون.
توصيات مهمة
سلّط تحليل مركز “كربون تراكر” الضوء على “نقطة عمياء” تنظيمية تسمح لمشروعات يُفترض بأن منخفضة الانبعاثات بإطلاق كميات أكبر من المفترض.
وبحسب نتائج التقرير، فانبعاثات المنبع هي أكبر مصدر للانبعاثات في مشروعات الهيدروجين الأزرق والغاز التي تستعمل تقنية احتجاز الكربون وتخزينه، إلّا أن أهميته لا تنال المكانة المطلوبة في التشريعات الخالية وآليات الإبلاغ عن الانبعاثات.
وقدّم مؤلفو التقرير 3 توصيات للحكومة لحلّ الأزمة، وجاءت كالتالي:
- اعتماد معايير مراقبة وإبلاغ صارمة لمصادر الوقود الأحفوري المستوردة.
- تحديث منظومة التصاريح ومعايير مشروعات منخفضة الكربون لتعكس المخاطر الحقيقية للانبعاثات.
- تحديث إستراتيجية تحول الطاقة لتقلل الاعتماد على الهيدروجين الأزرق والغاز التي تستعمل احتجاز الكربون وتخزينه.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..