اقرأ في هذا المقال
- شركات المرافق الأميركية تتوسع في بناء توربينات غازية بضمان وعود الهيدروجين البراقة
- معهد اقتصادات الطاقة يحذّر المستثمرين ويدعوهم إلى التحقق من المقولات الشائعة
- استعمال الهيدروجين في قطاع الكهرباء يواجه تحديات نقص المعروض والبنية التحتية
- تحديات خطوط الأنابيب والتخزين تضيّق الفرصة على الهيدروجين في قطاع الكهرباء
- دراسات علمية تحذّر من خطورة الهيدروجين في الاحتباس الحراري
يواجه استعمال الهيدروجين في توربينات الغاز عقبة الجدوى الاقتصادية مع ارتفاع تكلفته وتحدياته التقنية، ووجود بدائل أخرى لتوليد الكهرباء صديقة للبيئة ومنخفضة التكلفة مثل طاقتي الشمس والرياح.
وتختلف نتائج الدراسات العلمية التي أجريت على الهيدروجين واستعمالاته في مجالات النقل والمباني والصناعة حتى الآن، كما يختلف الخبراء حول مسائل نقله عبر الأنابيب والسفن ومواقع تخزينه المثلى ومعايير السلامة.
في هذا السياق، تشير دراسة تحليلية حديثة -حصلت عليها وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن)- إلى أن استعمال الهيدروجين في التوربينات الغازية المصممة لتوليد الكهرباء بالغاز الطبيعي ليس حلًا اقتصاديًا مجديًا في الأمد القريب أو المتوسط.
ونصحت الدراسة الحكومات والمستثمرين المحتملين بضرورة التحقق والتدقيق في المقولات السائدة التي تبشّر بأن استعمال الهيدروجين في توربينات الغاز سيكون على نطاق تجاري واسع قريبًا.
شركات الكهرباء تتوسع في التوربينات الغازية
تستند خطط عدد من شركات الكهرباء الغربية في بناء محطات الكهرباء الجديدة العاملة بغاز الميثان أو الغاز الطبيعي كما تشتهر، إلى وصف مشروعاتها بمقولات “جاهزية الهيدروجين”، وقدرته على اختراق قطاع التوليد في المستقبل القريب، والتأقلم مع التوربينات الغازية الحالية بنسبة 100%.
وأعلنت شركات المرافق والمطورون التجاريون سلسلة مشروعات لمحطات توليد بالغاز الطبيعي جاهزة لاستقبال الهيدروجين في 18 ولاية أميركية على الأقل خلال السنوات القليلة الماضية.
وتسعى شركة الكهرباء والغاز الأميركية ديوك إنرجي (Duke Energy) -حاليًا- للحصول على موافقة الجهات التنظيمية على مشروعيْن، أحدهما، لبناء توربين غازي ذي دورة بسيطة بالقرب من محطة مارشال لتوليد الكهرباء بالفحم، والآخر لبناء توربين ذي دورة مركبة في موقع محطة روكسبورو للفحم بولاية كارولينا الشمالية.
وتبلغ قدرة المشروعيْن قرابة 2.2 غيغاواط، كما تروّج الشركة للمزيد استنادًا إلى ضرورة التوسع في استعمال الهيدروجين في توربينات الغاز مستقبلًا.
ورغم ذلك، فإن البحث في مشروعات الشركة لا يشير إلى أنها تتوقع بدء استعمال الهيدروجين في الوحدات الجديدة قبل عام 2035، وبمزيج ضيئل للغاية يبدأ بنسبة 1% من الهيدروجين و99% من الميثان أو الغاز الطبيعي، بحسب تقرير حديث صادر عن معهد اقتصادات الطاقة والتحليل المالي.
ويرى التقرير أن مشروعات “ديوك إنرجي” وغيرها المقترحة في الولايات المتحدة وغيرها، ليست أكثر من مجرد محطات توليد تقليدية عاملة بالغاز مغلفة بمقولات أو شعارات “صديقة للبيئة”.
كما ينصح التقرير الجهات الحكومية المنظمة والمستثمرين والمؤسسات المالية المانحة بتقييم هذه المشروعات على أسس علمية واقتصادية واضحة بعيدًا عن الآمال الطموحة.
تحديات استعمال الهيدروجين في توربينات الغاز
تغفل خطط شركات الكهرباء والمرافق 3 عقبات رئيسة من شأنها أن تبطئ أو ربما توقف تمامًا استعمال الهيدروجين في توربينات الغاز على نطاق واسع، بحسب التقرير، الذي اطّلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة.
وتتلخص هذه العقبات في نقص إمدادات الهيدروجين، ونقص البنية الأساسية لخطوط الأنابيب التي تنقله، وضعف القدرة على التخزين، بالإضافة إلى التكلفة الباهظة لكل هذه العناصر مجتمعة.
وتنتج الولايات المتحدة على سبيل المثال، 10 ملايين طن من الهيدروجين سنويًا، تُستَهلك كلها تقريبًا في قطاعي البتروكيماويات والأسمدة، ما يعني أن أي مزج للهيدروجين في قطاع الكهرباء يتطلب إنتاجًا جديدًا لتغطية الطلب.
وإذا قررت الولايات المتحدة أن تشغل أكبر 15 محطة توليد بالغاز حاليًا عبر الهيدروجين، فستحتاج إلى مضاعفة إنتاج البلاد من الهيدروجين، كما لن يُسهم ذلك سوى في توفير 10% من الكهرباء المولدة سنويًا بالغاز.
كما يحتاج توصيل الهيدروجين لمحطات الكهرباء إلى بناء خطوط أنابيب ضخمة يصل طولها إلى آلاف الأميال، ما يعني أن تكلفة ذلك ستكون باهظة للغاية ولا يمكن لكثير من الدول تحملها، مع صعوبة تحميل هذه التكلفة للمستهلكين.
وهناك مشكلة أخرى تتعلق بنقص القدرة على تخزين الهيدروجين، إذ تتمتع صناعة الغاز بشبكة واسعة من مرافق التخزين تحت الأرض منتشرة على مستوى الولايات المتحدة، في حين لا توجد بنية تحتية مماثلة لتخزين الهيدروجين.
ويحتاج تشييد هذه البنية إلى وقت طويل وتكلفة أكبر، مع استمرار طرح التساؤلات التي ما تزال بلا إجابة حول مخاطر السلامة المتعلقة بتخزين الهيدروجين، خاصة في حقول النفط والغاز المستنفدة، التي تمثّل الجزء الأكبر من تخزين الغاز الطبيعي حاليًا.
بالإضافة إلى ذلك، ثمة مشكلة أخرى يجب وضعها في الحسبان في أثناء تقييم استعمال الهيدروجين في توربينات الغاز المولدة للكهرباء، وهي أنه لا يوفّر سوى فوائد هامشية في خفض انبعاثات الكربون؛ إذ يُمزج بمستويات منخفضة جدًا مع غاز الميثان، ما يجعل تكاليف البنية الأساسية تفوق أي فائدة بيئية إلى حد كبير.
وحتى في حال مزج الهيدروجين الأخضر مع الميثان بمستويات عالية، فإن ذلك لا يعني سوى استهلاك كميات هائلة من الكهرباء المتجددة التي من الأفضل استعمالها مباشرة في كهربة قطاعات النقل والمباني والصناعة المعتمدة على الوقود الأحفوري حاليًا.
لكل هذه العوامل والتحديات، لا يتوقع معهد اقتصادات الطاقة والتحليل المالي استعمال الهيدروجين على نطاق واسع في قطاع الكهرباء قبل 10 سنوات على الأقل من الآن.
مشكلات الهيدروجين البيئية الأخرى
يواجه الهيدروجين مشكلات بيئية أخرى، كونه ينتج مستويات عالية من أكاسيد النيتروجين في أثناء الاحتراق، وقد يكون لهذا تأثير كبير في تلوث الهواء المحلي، حال عدم السيطرة على الانبعاثات، الأمر الذي يتطلب ضوابط مكلفة لتجنب ذلك.
إلى جانب تلك المخاطر، هناك التأثير غير المباشر للهيدروجين في المناخ، وهو موضوع محل تحليل علمي مستمر، إذ أشارت إحدى الدراسات الحديثة إلى أن قدرته على التسبب في الاحتباس الحراري أقوى بنحو 11.6 مرة من ثاني أكسيد الكربون على مدى إطار زمني مدته 100 عام، وأقوى بنحو 28 مرة من غاز الميثان.
ونظرًا إلى المشكلات المتصلة بعمليات استعمال الهيدروجين في توربينات الغاز، فإن معهد اقتصادات الطاقة يوصي بإلزام المرافق بدفع أي تكاليف إضافية مرتبطة ببناء توربينات غازية تستند إلى وعود مستقبلية بتحويلها إلى الهيدروجين بدلًا من نقل هذه التكاليف إلى المستهلكين.
كما ينصح المعهد بإخضاع هذه المرافق لمطالبات الكشف عن التكاليف الإضافية المحتملة المرتبطة بالتكيف مع الهيدروجين، بداية من تكاليف البنية التحتية وخطوط الأنابيب وحتى تكاليف التخزين والنقل، مع إلزامها بتحليل التكاليف المقارنة مع بدائل الطاقة الأخرى منخفضة أو خالية الكربون.
ولا ينسى المعهد أن يحذّر المستثمرين من تجاهل المخاطر المرتبطة بضعف الدور المحتمل لاستعمال الهيدروجين في توربينات الغاز مستقبلًا، خاصة في ظل وجود بدائل منافسة تستطيع تحقيق أهداف خفض الانبعاثات في قطاع الكهرباء بتكاليف ومخاطر أقل.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..