تحتلّ قضية خفض الانبعاثات في الصين أهمية كبيرة، ليس من أجل تحقيق الحياد الكربوني بحلول 2060 فحسب، بل لأن الدولة الأسيوية -أيضًا- تُعدّ أكبر مطلق لانبعاثات الكربون عالميًا.
وفشلت الصين في تحقيق أهداف مكافحة الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري خلال العام المنصرم (2023)، مدفوعة بمساعي تحقيق أمن الطاقة، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
ورغم ذلك، وضعت وكالة التخطيط الحكومية في الأسبوع الماضي أهدافًا أقلّ بكثير من مستهدفات الخطة الخمسية لخفض كثافة الطاقة بنسبة 12.5% وكثافة الكربون بنسبة 18% خلال المدة بين عامي 2021 و2025.
ولذلك، ربما يهدد ذلك الوضع مصداقية بكين في محادثات المناخ العالمية، ما لم تتحرك من أجل مضاعفة أهداف خفض الانبعاثات، لتعود مجددًا إلى مسارها الصحيح.
خفض الانبعاثات في الصين
تعهدت اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح بمضاعفة الجهود الرامية لترشيد استهلاك الطاقة وخفض انبعاثات الكربون خلال العام الجاري، بعدما كانت نتائج 2023 أقل من التوقعات.
وتراجعت كثافة الطاقة في الصين بنسبة 0.5% فقط في 2023، بانخفاض كبير عن الهدف السابق 2%، وفق بيانات مكتب الإحصاءات الرسمي.
ويُقصد بكثافة الطاقة كمية الطاقة المستعملة لإنتاج وحدة واحدة من الناتج المحلي الإجمالي، أي إنه كلما زادت الكثافة زادت الطاقة المستهلكة في عملية إنتاج أيّ منتج أو خدمة في دولة ما، بحسب تعريف وزارة الطاقة الأميركية.
ويوضح الرسم البياني التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- أبرز المعلومات عن تحسين كفاءة الطاقة:
وكان من الممكن أن يكون الوضع أسوأ لولا أن الصين أخرجت مصادر الوقود غير الأحفوري -مثل الطاقة النووية والمتجددة- من حسابات كثافة الطاقة للتركيز على الوقود الأحفوري مثل النفط والغاز والفحم.
ودون هذا الإجراء، كانت كثافة الطاقة سترتفع بنسبة 0.5%، بحسب تقرير نشرته وكالة رويترز.
ويقول كبير المحليين في مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف، لوري ميلفيرتا، إن الصين بحاجة إلى خفض كثافة الطاقة بنسبة 6% خلال عامي 2024 و2025 لتحقيق أهداف الخطة الخمسية.
لكن لجنة التخطيط وضعت أهدافًا أقل من المطلوب، وحددت مستهدف خفض انبعاثات الطاقة عند 2.5% فقط، ولم تضع هدفًا لخفض كثافة الكربون، كما لم تتخذ خطوات جديدة لخفض استعمال الفحم، وهو أكثر مصادر الوقود الأحفوري تلويثًا للبيئة.
سمعة الصين في خطر
تشكّل الانبعاثات في الصين خطرًا عالميًا متزايدًا، إذ إنها أكبر مطلق لانبعاثات الكربون، وصاحبة ثاني أكبر اقتصاد وثاني أكبر تعداد سكاني بعد الهند.
وتشكّل الانبعاثات المتزايدة في الدولة الأسيوية 35% من الإجمالي السنوي العالمية.
وعلى أساس حساب نصيب الفرد منها، فالنسبة أعلى بـ15% عن المتوسط في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، بحسب بيانات وكالة الطاقة الدولية.
ولذلك، تتعرض الصين لضغوط دولية متنامية لإبداء المزيد من الطموح لتحقيق الأهداف المناخية، لكنها تقول، إنها تقوم بأكثر مما تفعله الدول الأسرع نموًا في العالم.
وإذا فشلت الصين في تحقيق مستهدفات عام 2025، فقد تُثار الشكوك العالمية حول قدرة بكين على كبح جماح الانبعاثات المتزايدة.
ونتيجة لذلك، يقول كبير المحللين في مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف، لوري ميلفيرتا، إن الصين تخاطر بخسارة كبيرة لمصداقيتها الدولية.
وأشار إلى أن الصين على مدى وقت طويل أكدت قدرتها على تنفيذ التزاماتها المناخية، وكانت تنتقد الدول الأخرى لوضعها أهدافًا عالية.
ما الحل؟
يعدّ تحقيق أهداف خفض الانبعاثات في الصين أمرًا شائعًا، إذ ربُطت الترقيات الوظيفية هناك بإحراز تقدّم بيئي.
وفي 2022، حذّر جهاز مراقبة الفساد من أن بعض المناطق تقدّم بيانات مضللة بشأن كثافة الطاقة والكربون.
كما تسببت الضغوط الحكومية للامتثال لأهداف كثافة الطاقة والكربون بحدوث اضطرابات اقتصادية؛ ما أدى إلى قطع الكهرباء عن الصناعات المعتمدة بكثافة على الطاقة، وأُجبرت المنازل على ترشيد استهلاك الكهرباء.
والآن، يقول كبير محللي الأبحاث في شركة وود ماكنزي للاستشارات (Wood Mackenzie)، جوم مادان، إن تحقيق أهداف خفض الانبعاثات في الصين يتطلب تضافر جهود القطاعات كافة لسدّ الفجوة.
ويتوقع مادان أن “تتقدّم الصين في ذلك، لكن دون تحقيق تلك الأهداف المتعلقة بكفاءة الطاقة”.
وأكد أنه يتعين على بكين التركيز على إجراء تحسينات بشأن كفاءة الطاقة والكربون في قطاعي الصناعة والبناء، بالإضافة إلى تقديم المزيد من الدعم المالي للشركات من أجل استبدال أو تحديث المرافق القديمة، كما اقترح توسيع نطاق سوق الكربون.
كما يقول مدير مركز الصين للمناح التابع لمعهد السياسات الأسيوية في واشنطن، لي شو، إن تحقيق أهداف كثافة الطاقة والكربون بحلول 2025 سيكون عسيرًا دون تقديم دفعة كبيرة للجهود المناخية حاليًا.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..