اقرأ في هذا المقال
- • شراكة الطاقة بين روسيا والصين تواجه التعقيدات الجيوسياسية والاقتصادية
- • إمدادات الغاز من روسيا إلى الصين هذا العام تُقدّر بنحو 40 مليار متر مكعب
- • روسيا تستكشف فرصًا جديدة لمشروعات مشتركة مع شركات صينية في مجال الغاز المسال والبتروكيماويات
- • خط أنابيب الغاز المقترح عبر قازاخستان يمثّل أكثر من مجرد مشروع للطاقة
يستكشف نقل الغاز الروسي إلى الصين طريقًا بديلًا عبر قازاخستان، بسبب مجموعة معقّدة من الاعتبارات الجيوسياسية والاقتصادية التي أحاطت بالمفاوضات المطوّلة بين البلدين بشأن خط أنابيب الغاز “باور أوف سيبيريا 2”.
وعلى الرغم من أن المفاوضات تأثرت بمخاطر انخفاض الطلب على الغاز في الصين بعد عام 2040، والتكاليف المرتفعة المرتبطة بالبنية الأساسية الجديدة، دفع الغموض المحيط بطريق نقل الغاز عبر منغوليا إلى مناقشات حول طريق بديل عبر قازاخستان، ما زاد من تعقيد شراكة الطاقة بين روسيا والصين.
وقد يعزّز خط الأنابيب المحتمل لنقل الغاز الروسي من التحول الإستراتيجي لروسيا نحو آسيا، إلى جانب تلبية الطلب المتزايد على الطاقة في الصين.
ويستكشف هذا التحليل الأبعاد التقنية والجيوسياسية والاقتصادية لخط الأنابيب المقترح، إلى جانب تداعياته الأوسع على منطقة أوراسيا وسوق الطاقة العالمية.
علاقات الطاقة بين روسيا والصين
تمثّل صادرات الغاز الروسي إلى بكين حجر الزاوية في علاقات الطاقة بين روسيا والصين، المتبادلة والمتزايدة.
وترى روسيا أن التحول إلى السوق الصينية ضرورة مدفوعة بالعزلة الجيوسياسية عن الغرب، وتناقص صادرات الطاقة إلى أوروبا، في أعقاب حرب أوكرانيا والعقوبات اللاحقة.
من جهتها، تُعدّ الصين، بصفتها أكبر مستهلك للطاقة في العالم، الغاز الروسي عنصرًا حاسمًا في مزيج الطاقة لديها، ما يمكّنها من الاستغناء عن الفحم وتلبية الطلب المحلي مع تأمين مصادر مستقرة ومتنوعة للإمدادات.
وتُقدّر إمدادات الغاز الروسي إلى الصين هذا العام بنحو 40 مليار متر مكعب، بما في ذلك الغاز المسال.
وفي عام 2023، استوردت الصين 159.1 مليار متر مكعب من الغاز، بما في ذلك الغاز المسال.
ويمثّل خط أنابيب باور أوف سيبيريا الذي سيصل إلى قدرته التشغيلية الكاملة البالغة 38 مليار متر مكعب سنويًا بحلول عام 2025، علامة بارزة في هذا التعاون في مجال الطاقة.
إزاء ذلك، اتفق البلدان على مواصلة خط أنابيب الغاز سخالين-خاباروفسك-فلاديفوستوك بسعة 10 مليارات متر مكعب، ومن المقرر أن يكتمل بناء المشروع في عام 2027.
وكان من المرتقب أن يعزّز خط أنابيب “باور أوف سيبيريا 2” المقترح هذه الشراكة من خلال توريد 50 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا عبر منغوليا.
تجدر الإشارة إلى أن المفاوضات المطولة التي ربما تأثرت بالمخاطر الجيوسياسية والاعتبارات الاقتصادية، فتحت الباب لاستكشاف البدائل، بما في ذلك طريق قازاخستان.
وعلى الرغم من أن هذا لا ينفي خيار نقل الغاز الروسي عبر منغوليا، فإنه يشير إلى إعادة تقييم إستراتيجية لمعالجة التحديات والفرص الناشئة.
وفي الوقت نفسه، نجحت الصين في إتمام الفرع الشرقي من خط أنابيب الغاز الروسي “باور أوف سيبيريا”، المعروف باسم الطريق الشرقي الذي يربط مدينة نانتونغ في مقاطعة جيانغسو بمدينة شنغهاي.
ويبدأ خط الأنابيب الذي يبلغ طوله 5 آلاف و111 كيلومترًا، الذي بنته شركة بايب تشاينا Pipe China، في مدينة هيهي بالقرب من الحدود الروسية، ويمتد إلى شنغهاي، حيث تجري حاليًا أعمال التشغيل النهائية.
وتتميّز البنية الأساسية بأنبوبين مزدوجين، يبلغ قطر كل منهما 1.5 مترًا، ومن المتوقع أن يحققا القدرة التشغيلية الكاملة البالغة 38 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا بحلول عام 2025.
ومن المرتقب أن يزوّد هذا الغاز المناطق الرئيسة، بما في ذلك مقاطعات هيلونغجيانغ وجيلين ولياونينغ في شمال شرق البلاد، فضلًا عن المناطق الحضرية الكبرى مثل بكين وتيانجين ومقاطعة خبي ودلتا نهر يانغتسي، لتلبية احتياجات الطاقة لنحو 130 مليون أسرة.
ومن المتوقع أن تصل صادرات الغاز الروسي إلى الصين لنحو 48 مليار متر مكعب سنويًا في السنوات المقبلة، ويؤكد خط أنابيب باور أوف سيبيريا الشراكة الإستراتيجية طويلة الأجل بين البلدين، مع التخطيط للإمدادات على مدى السنوات الـ30 المقبلة.
وتستكشف روسيا فرصًا جديدة لمشروعات مشتركة مع شركات صينية في مجال الغاز المسال والبتروكيماويات، حسبما قال نائب رئيس الوزراء ألكسندر الروسي، نوفاك خلال المنتدى الدولي “البراعم: روسيا والصين – تعاون تبادل المنفعة”.
وأكد نوفاك، في حديثه بهذه المناسبة، أهمية التعاون الجاري في إسالة الغاز والإمدادات العالمية، مستشهدًا بمشروعي يامال للغاز المسال وأركتيك للغاز المسال -2، وكلاهما يتميز بمشاركة صينية كبيرة.
ويهدف إنشاء إمدادات من مشروع يامال للغاز المسال إلى الصين إلى تعميق علاقات الطاقة بين البلدين.
إلى جانب الغاز المسال، أشار نوفاك إلى مشروعات جديدة محتملة في مجال البتروكيماويات ومنطقة مزدهرة للتعاون في إنتاج الهيدروجين.
وتهدف الاتفاقيات الأخيرة بين روسيا والصين إلى توسيع الجهود المشتركة في تكنولوجيا الهيدروجين، وهو القطاع الذي وصفه نوفاك بأنه اتجاه واعد وذو طلب مرتفع في المستقبل.
خط أنابيب قازاخستان.. تقييم شامل
يوفّر الطريق الذي اختارته قازاخستان لخط أنابيب غاز جديد، الذي اُقترح بوصفه بديلًا أو مكملًا لخط أنابيب باور أوف سيبريا 2، مزايا فريدة، ويفرض تحديات متميزة.
ومن المتوقع أن تبلغ تكلفة هذا المشروع نحو 1.18 تريليون روبل (117 مليارًا و469 مليون دولار)، وأن ينقل 35 مليار متر مكعب من الغاز إلى الصين و10 مليارات متر مكعب للاستهلاك المحلي في قازاخستان.
ويتطلّب مثل هذا التطور استثمارات كبيرة في البنية الأساسية، خصوصًا في قازاخستان، التي ستحتاج إلى تعزيز قدرتها الداخلية لخطوط الأنابيب لدعم كل من التغويز المحلي والعبور إلى الصين.
من ناحية أخرى، تستند الجدوى التقنية لخط أنابيب قازاخستان إلى تكامله مع البنية الأساسية القائمة، مثل نظام مركز آسيا الوسطى.
ومن شأن هذا النهج أن يقلّل من النفقات الرأسمالية ويسرّع من الجداول الزمنية للبناء مقارنة بخط أنابيب جديد بالكامل.
ويضيف الاستعمال المحتمل لاتفاقيات التدفق العكسي والمبادلة نوعًا من المرونة التشغيلية، ويزيد من الاعتماد على تعاون دول العبور مثل أوزبكستان وقازاخستان.
وعلى الرغم من أن هذا الطريق قابل للتطبيق من الناحية التقنية، فإنه ينطوي على نقاط ضعف سياسية واقتصادية، خصوصًا فيما يتعلق بمفاوضات التعرفات، واتفاقيات العبور، وتكاليف الصيانة.
من الناحية الاقتصادية، يمثّل خط أنابيب قازاخستان استثمارًا إستراتيجيًا لجميع الأطراف المعنية. وبالنسبة لروسيا، يوفّر منفذًا إضافيًا لصادراتها من الغاز الطبيعي، ما يقلل من الاعتماد على طريق منغوليا.
وبالنسبة إلى قازاخستان، يوفّر خط الأنابيب فرصة لتوسيع نطاق التغويز المحلي في مناطق رئيسة مثل بافلودار وكاراغاندا وأباي، مما يعزّز التنمية الصناعية وأمن الطاقة.
وبالنسبة إلى الصين، يتيح الطريق تنويع سلسلة التوريد لديها وتعزيز نفوذها الإستراتيجي في آسيا الوسطى. رغم ذلك، فإن التكاليف المتوقعة، والتعرفات الجمركية المتوقعة التي تتراوح بين 100 و105 دولارات لكل 1000 متر مكعب، والتراجع المحتمل في الطلب بعد عام 2040 تلقي بظلالها على جدوى المشروع على المدى الطويل.
تداعيات المسار المحتمل لخط الأنابيب عبر قازاخستان
يحمل المسار المحتمل لخط الأنابيب عبر قازاخستان آثارًا جيوسياسية كبيرة، إذ يجسد التكامل الاقتصادي المتنامي بين روسيا والصين وآسيا الوسطى، مع إبراز الدور المحوري لقازاخستان بصفتها دولة عبور.
ويتماشى هذا التكامل مع المبادرات الإقليمية الأوسع نطاقًا مثل مبادرة الحزام والطريق الصينية والاتحاد الاقتصادي الأوراسي الروسي.
من ناحية ثانية، فإنه يؤكد حاجة قازاخستان إلى موازنة علاقاتها مع موسكو وبكين، اللتين تمارسان نفوذًا كبيرًا على السياسة الخارجية والأولويات الاقتصادية لآستانة.
ويتيح الموقع الجغرافي لقازاخستان عند مفترق طرق التجارة والطاقة الأوراسية فرصة متميزة للاستفادة من دورها في العبور لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية.
رغم ذلك، فإن هذا الدور يعرّضها أيضًا لمخاطر الإفراط في الاعتماد على جيرانها الأكبر حجمًا والنزاعات المحتملة بشأن التعرفات وحقوق العبور.
بالإضافة إلى ذلك، فإن احتياجات قازاخستان المحلية المتزايدة من الطاقة، إلى جانب تباطؤ إنتاج الغاز، يمكن أن تؤدي إلى توترات مستقبلية بشأن تخصيص الموارد.
وتعكس مشاركة الصين في المشروع إستراتيجيتها الأوسع نطاقًا في تأمين إمدادات الطاقة مع تعميق نفوذها في آسيا الوسطى.
ويعمل تنويع طرق الإمداد على تعزيز أمن الطاقة في الصين، ويخفّف من اعتمادها على الواردات البحرية المعرضة للاضطرابات الجيوسياسية.
لذلك، يتعيّن على بكين أن تتحرّك بحذر لتجنّب الاعتماد المفرط على الغاز الروسي، خصوصًا في ضوء التدقيق الدولي المحيط بشراكتها مع موسكو.
الديناميكيات الاقتصادية والبيئية
يطرح خط أنابيب قازاخستان تساؤلات بالغة الأهمية حول الاقتصاد طويل الأجل للغاز الطبيعي في مواجهة التحولات العالمية في مجال الطاقة.
وعلى الرغم من أن الطلب الحالي في الصين على الغاز الطبيعي يظل قويًا، مدفوعًا بالنمو الصناعي والتحضر، تشير التوقعات إلى ثبات أو تراجع بعد عام 2040 مع اكتساب مصادر الطاقة المتجددة والهيدروجين أهمية متزايدة.
وقد يقوّض هذا التحول المبرر الاقتصادي لمشروعات البنية التحتية واسعة النطاق التي تعتمد على الوقود الأحفوري.
وتعتمد الجدوى المالية لخط الأنابيب بصفة كبيرة على تأمين شروط تمويل مواتية، ربما من خلال الاستثمار المشترك من جانب قازاخستان أو السندات طويلة الأجل الصادرة في الصين.
وستكون قدرة روسيا على تحسين التكاليف والتفاوض على التعرفات المواتية والحفاظ على الأسعار التنافسية أمرًا بالغ الأهمية لضمان نجاح المشروع.
في المقابل، فإن الضبابية المحيطة بالطلب المستقبلي، إلى جانب التكاليف الأولية المرتفعة، تجعل المشروع مقامرة محسوبة.
بدورها، تؤدي الاعتبارات البيئية دورًا في تشكيل مستقبل خط الأنابيب، إذ تستثمر الصين وقازاخستان في مبادرات الطاقة المتجددة وإزالة الكربون، ما يعكس اتجاهات عالمية أوسع نحو الاستدامة.
ومع تكثيف هذه الجهود، قد تتضاءل الأهمية الإستراتيجية للغاز الطبيعي، ما قد يجعل خط الأنابيب بمثابة أصل غير مستغل بشكل كامل.
أهمية خط أنابيب الغاز الروسي المقترح عبر قازاخستان
يمثّل خط أنابيب الغاز المقترح عبر قازاخستان أكثر من مجرد مشروع للطاقة، ويُعد نموذجًا مصغرًا للاتجاهات الجيوسياسية والاقتصادية المتغيرة في أوراسيا.
وبالنسبة إلى روسيا، يعمل خط الأنابيب بوصفه أداة لتأمين محورها نحو آسيا والحد من اعتمادها الاقتصادي على الأسواق الأوروبية.
وبالنسبة إلى الصين، يُعد فرصة لتنويع مصادر الطاقة، وتعميق نفوذها في آسيا الوسطى، وتعزيز قدرتها على الصمود في وجه انقطاع الإمدادات.
وبالنسبة إلى قازاخستان، فإنه يوفّر مسارًا للتنمية الاقتصادية وزيادة الأهمية الجيوسياسية، وإن كان ذلك محفوفًا بمخاطر كبيرة.
وفي السياق الأوسع، يعكس خط الأنابيب التحديات والفرص التي يفرضها التعاون الثلاثي في عالم متعدد الأقطاب.
ويؤكد أهمية تحقيق التوازن بين الواقعية الاقتصادية والاعتبارات الجيوسياسية، خصوصًا في منطقة تتسم بالمصالح المتنافسة والتحالفات المتغيرة.
لذلك، سوف يعتمد نجاح المشروع على قدرة أصحاب المصلحة على التعامل مع هذه التعقيدات، مع معالجة عدم اليقين الاقتصادي والبيئي الأساسي.
الخلاصة: التداعيات الجيوسياسية
تُبرز المفاوضات بشأن خط أنابيب الغاز الجديد عبر قازاخستان التفاعل الحيوي بين سياسة الطاقة والإستراتيجية الاقتصادية والجغرافيا السياسية في منطقة أوراسيا.
وعلى الرغم من أن روسيا تسعى إلى توسيع حضورها في سوق الطاقة الصينية وتنويع طرق التصدير، توازن الصين بين حاجتها إلى إمدادات الطاقة الموثوقة وأهدافها الإستراتيجية الأوسع.
ويضيف دور قازاخستان بصفتها دولة عبور نوعًا من التعقيد، ما يسلّط الضوء على تحديات التعامل مع القوة الإقليمية.
وفي الأمد البعيد، سوف تعتمد جدوى خط الأنابيب على قدرته على التكيف مع ظروف السوق المتطورة والحقائق الجيوسياسية والأولويات البيئية.
وفي حال نجاحه، فقد يصبح نموذجًا للتعاون الإقليمي وشهادة على الأهمية الدائمة للطاقة في تشكيل توازن القوى العالمي.
رغم ذلك، فإن نجاحه بعيد كل البعد عن الضمان، وتظل مخاطر الخلاف السياسي وسوء التقدير الاقتصادي والتحولات البيئية قائمة على الدوام.
ويجسّد هذا المشروع الفرص والتحديات التي يفرضها عالم مترابط، حيث تظل الطاقة محركًا حيويًا للجغرافيا السياسية.
فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..