يبدو أن الطريق أصبح ممهدًا أمام الفوسفات المغربي للسيطرة على السوق العالمية، في ظل تراجع واردات أوروبا من الصين وروسيا.
وتُظهر صناعة الفوسفات في المغرب إمكانات واعدة قادرة على تلبية الطلب العالمي المتزايد، مدعومة بصفة خاصة من قبل شركة الفوسفات والأسمدة المغربية المملوكة للدولة “المكتب الشريف للفوسفاط” (OCP).
ووفق تقرير حديث اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، تشهد واردات أوروبا من الصين وروسيا انخفاضًا تدريجيًا، لتظهر دول أخرى بوصفها بدائل رائدة، مثل المغرب في مجال الفوسفات ومصر في مجال الأمونيا.
ولا يعكس هذا التحول في أنماط الاستيراد التقليدية في أوروبا تعديلًا إستراتيجيًا في مواجهة القيود الجيوسياسية والتجارية فحسب، وإنما يعكس -أيضًا- الاعتراف المتزايد بقدرات المغرب على الاضطلاع بدور رائد في قطاع الفوسفات الدولي.
تطور سوق الفوسفات العالمية
سجلت أسعار الأسمدة الفوسفاتية في الربع الأول من عام 2024 ارتفاعًا ملحوظًا بنسبة 10% مقارنةً بالربع السابق، على الرغم من أنها ظلت أقل بنسبة 3% عن العام السابق (2023)، حسبما يكشف التقرير الذي اطّلعت منصة الطاقة المتخصصة على تفاصيله.
ويُعزى هذا الاتجاه التصاعدي -إلى حد كبير- إلى تقلب أسعار الغاز الطبيعي، وهو مادة خام أساسية لإنتاج الأمونيا، التي تُعد عنصرًا رئيسًا في الأسمدة الفوسفاتية.
ويشير التقرير -الذي أصدره البنك الدولي في 25 أبريل/نيسان 2024- إلى أن إحدى القوى الدافعة الرئيسة وراء هذا التطور الأخير في أسعار الأسمدة الفوسفاتية تكمن في العوامل السياسية.
وكان للقيود التي فرضتها الصين على صادراتها من الفوسفات، وروسيا على إنتاجها من الأمونيا، تأثير كبير في تدفقات التجارة العالمية، ما أدى إلى زيادة الأسعار في السوق الدولية.
وأمام هذه الزيادة في الأسعار التي كان لها تأثير سلبي في التجارة العالمية، اعتمدت أوروبا على الواردات من المغرب (الفوسفات) ومصر (الأمونيا) والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، بدلًا من الواردات من الصين وروسيا.
تعزيز صادرات المغرب
يُعد صعود المغرب في سوق الفوسفات العالمية جزءًا من سياق أوسع للنمو الاقتصادي وتنويع الصادرات.
على سبيل المثال تؤكد البيانات التي قدمها مكتب الصرف الأجنبي بوضوح الارتفاع السريع لقطاع الفوسفات ومشتقاته، ما دفعه إلى مرتبة قطاع التصدير الرائد في البلاد خلال عام 2022، مع نمو هائل بنسبة 43.9% مقارنةً بالعام السابق (2021)، بإجمالي 115.5 مليار درهم.
وأسهمت هذه الصادرات بنسبة الثلث (+35.5%) في زيادة إجمالي صادرات البلاد، وفق ما نقلته منصة “هسبريس” (Hespress).
إن هذا الأداء الملحوظ، الذي أسهم بصورة كبيرة في النمو الإجمالي للصادرات المغربية، يشهد على قدرة المغرب على تعزيز مكانته بوصفه لاعبًا رئيسًا في التجارة الدولية في المدخلات الزراعية والمنتجات المشتقة.
ويُعد “المكتب الشريف للفوسفاط” ركنًا أساسيًا في هذا القطاع الإستراتيجي، إذ يعمل عبر سلسلة القيمة بأكملها، من استخراج صخور الفوسفات إلى المنتجات المحدثة القائمة على الفوسفات.
علاوةً على ذلك، يبدو أن التطور المتوقع لأسعار الأسمدة الفوسفاتية في المستقبل القريب يخضع لسلسلة من الحالات الطارئة المتوقعة، حسبما يؤكد البنك الدولي.
وفي الواقع، بعد أن عانت من انخفاض مذهل بنسبة 30% تقريبًا خلال السنة المالية السابقة، فمن المتوقع حدوث انتعاش كبير في عام 2024، مع زيادة متوقعة بنحو 9%.
ومع ذلك، قد يشهد هذا الاتجاه التصاعدي انعكاسًا خلال العام التالي، مع استقرار الإمدادات وبدء تشغيل قدرات إنتاجية جديدة، ما قد يؤدي إلى انخفاض الأسعار.
الفوسفات في المغرب.. ورقة رابحة
عادةً ما توجد موارد صخور الفوسفات بصفة أساسية على شكل فسفور بحري رسوبي، وتوجد أكبر الرواسب الرسوبية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط والصين والولايات المتحدة.
واكتُشف الفوسفات لأول مرة في المغرب خلال الحرب العالمية الأولى في إقليم خريبكة وسط البلاد، ثم عُثر عليه لاحقًا في غرب البلاد وجنوبها، وفق المعلومات التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة في مجلة “المجلة” (Al Majalla).
للفوسفات تطبيقات في صناعات متنوعة، من الزراعة إلى الطاقة المتجددة، كما تحتوي رواسب الفوسفات المغربي على اليورانيوم الذي يُستعمل لتوليد الطاقة النووية.
ويُمكن -أيضًا- تحويل الفوسفات إلى حمض الفوسفوريك، الذي يُستعمل في الأغذية والمنظفات ومنتجات النظافة الشخصية والبناء، لكن معظم الفوسفات المغربي يُستعمل في صناعة الأسمدة النيتروجينية أو حمض الفوسفوريك.
ويُمكن استخلاص عناصر أخرى بوصفها منتجات ثانوية، ويتزايد الاهتمام باستعمال الليثيوم القائم على الفوسفات لتصنيع بطاريات الليثيوم أيون.
وبالنسبة إلى المغرب، يُعد الفوسفات ورقة رابحة، فهو يحتوي على 75% من احتياطيات العالم.
ويُعد شحن الفوسفات المغربي إلى الخارج أمرًا سهلًا أيضًا، إذ تمتد المواني على جانبي المحيط الأطلسي والبحر المتوسط، وهو شريان أساسي للتجارة العالمية التي تربط الغرب والشرق، خاصةً الصين وأوروبا.
وتأتي صادرات الفوسفات والأسمدة في المرتبة الثانية بإجمالي ملياري دولار، بعد صناعة السيارات التي أصبحت أكبر قطاعات البلاد، بإجمالي 2.5 مليار دولار.
احتياطيات الفوسفات في المغرب
بالإضافة إلى كونه صاحب ثاني أكبر مخزون لصخور الفوسفات في العالم، يُعدّ المغرب ثالث أكبر منتج لمادة الفوسفات، وأول مصدّر لها على مستوى العالم.
ويؤدي المغرب دورًا حيويًا في حل أزمة الغذاء العالمية، من خلال توفير الأسمدة اللازمة للمحاصيل الزراعية، بفضل احتياطياته الهائلة، إذ يُعدّ أحد أكبر منتجي الأسمدة في العالم.
ولتعزيز الإنتاجية الزراعية، خصص المغرب 8 مليارات دولار لوحدات إنتاج الأسمدة الفوسفاتية في نيجيريا وإثيوبيا ورواندا ودول شرق أفريقيا الأخرى.
ويُصدر المغرب بالفعل 4 ملايين طن من الأسمدة إلى الدولة الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى.
كما استثمر المكتب الشريف للفوسفاط 10 مليارات دولار في إنتاج الأسمدة الزراعية، ما أسهم بصورة كبيرة في إنتاج المغرب البالغ 12 مليون طن العام الماضي (2023).
وتُقدر احتياطيات الفوسفات المغربي بنحو 50 مليار طن، ما يعني أنها قد تصل قيمتها إلى 15 تريليون دولار.
ويوضح الرسم البياني التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- أكبر الدول امتلاكًا لاحتياطيات الفوسفات في العالم:
ومع ذلك، وفقًا للمسح الجيولوجي التابع للحكومة الأميركية، وباستعمال أحدث الأرقام المتاحة، فإن المغرب يتخلف بصورة كبيرة عن الصين في إنتاج الفوسفات على الرغم من امتلاكه أكبر احتياطيات في العالم.
وفي عام 2021، استخرجت الصين 85 مليون طن، مقارنةً بـ38 مليون طن في المغرب، واحتلت الولايات المتحدة المركز الثالث بـ21 مليون طن، في حين استخرجت روسيا 13 مليون طن.
ومنذ مطلع يوليو/تموز 2023، تجاوزت النرويج المغرب، لتتصدّر قائمة الدول الأكثر امتلاكًا لاحتياطيات الفوسفات، إثر اكتشاف أكبر مخزون لصخور الفوسفات في العالم، قُدّر بنحو 70 مليار طن متري، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وبلغت الاحتياطيات العالمية المؤكدة من الفوسفات 72 مليار طن متري، وفقًا لتقييم هيئة المسح الجيولوجي الأميركية عام 2021، قبل اكتشاف أكبر مخزون لصخور الفوسفات في العالم في النرويج.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..