تتزايد الحاجة لتوسعة شبكة الكهرباء في أوروبا من أجل استيعاب الزيادة المرتقبة في إنتاج الطاقة المتجددة، وللربط بين مراكز الإنتاج والطلب.
ولذلك، يستهدف الاتحاد الأوروبي ضخ استثمارات استباقية ضخمة بقيمة نحو 600 مليار يورو (639.4 مليار دولار أميركي) في بنية الكهرباء الأساسية من الخطوط والمحولات والأسلاك ذات الجهد العالي، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وقوبل ذلك المقترح بانتقادات لاذعة من قبل المراقبين؛ لأن تلك الاستثمارات ستُثقل كاهل المواطنين بتكاليف إضافية، كما قد تؤدي إلى إقامة بنية أساسية لا حاجة لها أو محدودة الاستعمال، مثلما أقامت الولايات المتحدة محطات نووية لم تُستعمل بقيمة 100 مليار دولار، ومطارات ضخمة في إسبانيا لا تستقبل سوى عدد قليل من الركّاب.
وصوّت أعضاء البرلمان الأوروبي في 11 أبريل/نيسان الجاري لصالح تعديل تصميم سوق الكهرباء بصورة تمنح استقرارًا لأسعار الكهرباء؛ تجنبًا لتكرار أزمة الطاقة التي أعقبت الحرب الروسية الأوكرانية في مطلع عام 2022، التي رفعت أسعار الغاز، ومن ثم الكهرباء، لأعلى مستوى.
ويتضمن القانون بنودًا تسمح باستعادة رأس المال في المشروعات الكبرى من خلال الرسوم التي يفرضها مشغّلو شبكة الكهرباء في أوروبا على المستهلكين.
توسعة شبكة الكهرباء في أوروبا
يراهن الاتحاد الأوروبي على نهج جديد لتلبية الطلب المتوقع على الكهرباء عبر الاستثمارات الاستباقية التي تختلف عن نظيرتها التقليدية المرتبطة بالطلب المتوقع على المديين المتوسط والقصير.
وتبشّر الاستثمارات الاستباقية بإنشاء خطوط كهرباء أكبر بعدّة مرات مما تحتاجه القارة حاليًا؛ ما يهدد بإقامة مرافق ذات تكلفة باهظة وغير ذات حاجة أو محدودة الاستعمال.
وفي هذه الحالة، ستُهدر تلك الأموال إذا لم تتحول مشروعات الطاقة المتجددة المخطط لها إلى واقع، أو كانت توقعات الطلب على الكهرباء غير واقعية، وفق ما جاء في تقرير نشرته منصة يوراكتيف (euractiv).
ويتوقع الاتحاد الأوروبي زيادة استهلاك الكهرباء بنحو 60% بحلول عام 2030، وفي ذلك الوقت سيكون على شبكة الكهرباء في أوروبا استيعاب منظومة مرنة وغير مركبة من ملايين الألواح الشمسية على الأسطح والمضخات الحرارية والرياح البحرية لتلبية الطلب على محطات شحن السيارات الكهربائية ومتطلبات إنتاج الهيدرجين الأخضر.
ومن المتوقع أن ترتفع قدرات إنتاج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بمقدار مرتين ونصف على 400 غيغاواط المسجلة في عام 2022، لتصل إلى ما لا يقلّ عن ألف غيغاواط بحلول 2030.
ومن المتوقع أن تُسهم مصادر الطاقة المتجددة بنحو نصف إمدادات الكهرباء في الاتحاد بحلول نهاية العقد الحالي، لكن عُمر 40% من شبكات توزيع الكهرباء يتجاوز 40 عامًا، وهو ما يتطلب تطويرها لاستيعاب تلك الإضافات؛ إذ من المتوقع أن تتضاعف قدرت النقل على مدار السنوات السبع المقبلة، وستُضاف 23 غيغاواط إلى الشبكة بحلول 2025، و64 غيغاواط إضافية بحلول 2030.
ويرى مؤيدون لتلك الاستثمارات أنها أساسية لأهداف إزالة الكربون التي يسعى الاتحاد لتحقيقها.
وعن ذلك يقول الباحث في جامعة فلورنسا الإيطالية نيكولو روزيتو: “نحتاج إلى استثمار المزيد.. هذا أمر لا غنى عنه، وعلى جهات التنظيم التصرف وفقًا لذلك”.
التكلفة على المستهلكين
في العادة تُستردّ استثمارات شبكة الكهرباء في أوروبا عبر زيادة الرسوم على المستهلكين.
وصوّت أعضاء الاتحاد الأوروبي في 11 أبريل/نيسان لصالح التصميم الجديد لسوق شبكة الكهرباء، ومن المتوقع أن يصبح قانونًا خلال الأشهر المقبلة.
وينص القانون على أنه يتعين على الجهات التنظيمية تعزيز القبول المجتمعي واستعمال الاستثمارات الاستباقية، كما يتضمن بنودًا عديدة تضمن السماح باستعادة الاستثمارات في المشروعات الكبرى من خلال الرسوم التي يفرضها مشغّلو شبكة الكهرباء في أوروبا على المستهلكين.
ويرى المشرع الإسباني الذي شارك في مفاوضات تصميم سوق الكهرباء الجديد نيكولاس غونزاليس كاساريس أن الاستثمارات الاستباقية ستكون أحد العناصر التي تساعد في تذليل العقبات.
ودافع القائم بأعمال مدير إدارة احتياجات منظومة الكهرباء في وكالة الاتحاد الأوروبي للتعاون بين منظمي الطاقة (ACER) رافاييل مورايس غارسيا عن الخطوة، قائلًا، إن تحول الطاقة يتطلب ضخ استثمارات استبا، ولكن مع التحليل الدقيق للمخاطر الناتجة عنها من أجل تحميل جميع الأطراف نصيبها العادل منها، وعلى رأسهم المستهلكون.
تقاسم مخاطر
أشارت المستشارة البارزة في مركز أبحاث “آر إيه بي” المعني بشؤون الطاقة النظيفة (RAP) زوزانا باتو إلى خطر حقيقي من أن ينتهي المطاف باستثمارات الشبكة في صورة مرافق كهرباء محدودة الاستعمال، لكن في ضوء التعديلات الجديدة “نحن نتقاسم المخاطر بين المستهلكين ومشغّلي الشبكة”.
ومن شأن جعل تلك الاستثمارات “أكثر استباقية” أن ينقل بعض هذه المخاطر إلى المستهلكين، ويعتمد حجم ذلك التحويل على القرارات التنظيمية والسياسية.
وعلى الجهة الأخرى، سيصبّ ذلك التحول بالمخاطر في صالح مشغّلي الشبكة؛ إذ سيدرّ عليهم إيرادات ضخمة.
وبالفعل، يقول الباحث نيكولو روزيتو، إن الاستثمارات الاستباقية والاعتراف الصريح بدورها في زيادة الرسوم على المستهلكين يمثّل فرصة للشركات لزيادة قاعدة أصولها.
وبالنسبة لمشغّلي الشبكة، يعني المزيد من الاستثمارات تحقيق أرباح أكبر؛ إذ تسمح بالإبقاء على تكاليف رأس المال تحت السيطرة، لكن المستهلكين هم الذين يتحملون المخاطر والرسوم، كما أن احتمال حدوث اندفاع للشركات يثير قلق المدافعين عن حقوق المواطنين.
بدوره، انتقد مدير فريق الطاقة في جمعية “بي إي يو سي” للدفاع عن حقوق المستهلكين (BEUC) ديمتري فيرجني خطط توسعات شبكة الكهرباء في أوروبا، لأن تكاليفها سيتحمّلها المستهلكون بدلًا من الشركات التي عادة تُعفى من الرسوم.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..