أثار فوز دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية العديد من التساؤلات حول مستقبل إنتاج النفط، وسياسات المناخ، فضلًا عن الصدام المحتمل مع وكالة الطاقة الدولية.
وقد ارتفعت أسعار النفط بنسبة 0.4%، خلال تعاملات الخميس 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، في محاولة لتعويض الخسائر التي لحقت بها خلال الجلسة الماضية بعد عمليات بيع أثارتها الانتخابات الرئاسية الأميركية.
وتراجعت أسعار النفط أقل من 1%، في نهاية تعاملات الأربعاء 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، للمرة الأولى في 6 جلسات، بعد أنباء فوز الرئيس الجمهوري دونالد ترمب.
فمن المتوقع أن يُعيد ترمب تركيز سياسة الطاقة في الولايات المتحدة على تعزيز إنتاج النفط والغاز، والابتعاد عن مكافحة تغير المناخ، ولكن دون إبطاء طفرة الطاقة المتجددة في البلاد.
وأكّد تلك التوقّعات نخبة من الخبراء استطلعت منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، آراءهم بشأن إنتاج النفط في الولايات المتحدة وعالميًا، وإمكان احتدام الصراع بين ترمب ووكالة الطاقة الدولية.
هل يلغي ترمب قانون التضخم؟
رأى مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، أنه إذا سيطر الجمهوريون على البيت الأبيض ومجلسي الشيوخ والنواب؛ فإن هذا سيمكّنهم من إلغاء قانون التضخم.
أصبح قانون التصخم قانونًا بعد أن صوّت له الديمقراطيون فقط، ومرروه بعد أن كانت نتيجة التصويت 50-50، وجاء صوت نائبة الرئيس كامالا هاريس هو المرجح؛ ولم يصوِّت للقانون أي جمهوري.
وقال الحجي، في تصريحاته: “إلغاء القانون سيوقف إنفاق مئات المليارات من الدولارات على مصادر الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية وشواحن هذه السيارات”.
ورجّح خبير اقتصادات الطاقة إلغاء أجزاء منه وليس كله؛ لأن هناك أجزاء مفيدة لصناعة النفط والجمهوريين، مثل الدعم الحكومي لمشروعات التقاط الكربون واحتجازه؛ مشيرًا إلى أن الأثر السلبي الأكبر سيكون في السيارات الكهربائية والرياح البحرية.
كما قال: “الحقيقة أنه حتى لم يربح الجمهوريون إلا البيت الأبيض؛ فإن ترمب يستطيع معرفة تطبيق تخفيض التضخم على كل الحالات”.
وتابع: “في الوقت الذي يؤيد فيه فكرة التفوق الطاقي بحيث تكون الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط والغاز، ويشجع على زيادة الإنتاج؛ فإن ترمب يرى أيضًا أن أسعار الطاقة يجب أن تبقى منخفضة، وهذا لا يُمكّن الشركات من زيادة الإنتاج”.
ولكن أكد الدكتور أنس الحجي أنه من المتوقع أن يزيد إنتاج النفط والغاز الأميركيين على كل الحالات في عام 2025، بسبب انتهاء الشركات من عمليات الشراء والدمج التي تمت في العامين الماضيين.
ومن المتوقع أن يشدد ترمب تطبيق العقوبات على إيران وفنزويلا، ولكن أثر ذلك سيكون ضعيفًا بسبب قدرة البلدين على التصدير بطرق مختلفة.
ولا يتوقع الحجي أن يُشدد ترمب تطبيق العقوبات على إيران، إلا إذا حصل على تعهدات من بعض دول أوبك بأنها ستزيد الإنتاج للتعويض عن انخفاض صادرات إيران؛ حيث يتوقعون أن تنخفض الصادرات بشكل ملحوظ.
تأثير فوز ترمب في صناعة النفط
من جانبه، توقّع كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة أومود شوكري، أن يؤثر فوز ترمب في صناعة النفط العالمية وقطاع النفط الأميركي.
وفي تصريحاته إلى منصة الطاقة المتخصصة، أوضح شوكري أن أسعار النفط قد تشهد على المدى القريب اتجاهًا هبوطيًا، بسبب توقعات زيادة العرض وانخفاض علاوة المخاطر الجيوسياسية؛ حيث قد تشجع سياسات ترمب حل النزاعات، مثل تخفيف التوترات حول الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
وأشار شوكري إلى أنه من المرجح أن يتلقى إنتاج النفط الأميركي دفعة من موقف ترمب المؤيد للهيدروكربونات، مع تغييرات سياسية تهدف إلى تسريع تصاريح الحفر، وتوسيع الوصول إلى الأراضي الفيدرالية، وتجديد الاحتياطي الإستراتيجي من النفط؛ ما قد يدعم تعافي الصناعة المحلية.
وعلى مستوى السياسة، توقع شوكري أن يتراجع ترمب عن اللوائح البيئية، ويسرع البنية التحتية للوقود الأحفوري مثل خطوط أنابيب الغاز الطبيعي، وينسحب من اتفاقيات المناخ الدولية مثل اتفاقية باريس.
وقال: “قد تقلل هذه التغييرات من نفوذ أوبك+ مع ارتفاع الإنتاج الأميركي، مع استمرار العقوبات المفروضة على النفط الإيراني”.
وأشار كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة إلى أن الأسواق قد تتفاعل بشكل إيجابي مع هذه السياسات المؤيدة للأعمال التجارية، وخاصةً في قطاعي النفط والغاز، على الرغم من أن الطاقة المتجددة قد تواجه انتكاسات.
وعلى المدى البعيد، أوضح شوكري أن سوق النفط العالمية ستظل متأثرة بالاتجاهات الاقتصادية والجيوسياسية الأوسع، في حين من المرجح أن تعزز سياسات ترمب الإنتاج الأمريكي.
هل تتوسع عمليات الحفر في أميركا؟
أكدت رئيسة شركة “إس في بي إنرجي إنترناشيونال” الدكتورة سارة فاخشوري، الفكرة ذاتها؛ إذ رأت أن إعادة انتخاب دونالد ترمب وشعار حملته “الحفر يا صغيري” قد يشجعان على التكسير المائي (الهيدروليكي)، من خلال تقليل اللوائح وخفض التكاليف التشغيلية؛ ما قد يعزز إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة.
ومع ذلك، أشارت فاخشوري -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة- إلى أن مستثمري النفط الصخري أظهروا انضباطًا رأسماليًا أكبر بعد جائحة فيروس كورونا؛ ما يشير إلى أن أسعار النفط والربحية ستدفعان إلى حد كبير عدد الحفارات ونمو الإنتاج.
وعلى جانب العرض، أوضحت فاخشوري أن ترمب قد ينفذ عقوبات أكثر صرامة على إيران لخفض صادراتها النفطية بشكل كبير، وربما يعوض ذلك زيادة الإنتاج من أعضاء أوبك الآخرين.
وقالت الدكتورة سارة: “تاريخيًا، حافظت إدارة ترمب على علاقات وثيقة مع أوبك+، لكن القرارات بشأن العرض وظروف السوق ستظل في نهاية المطاف بأيدي أوبك+”.
ورجّحت أن يستمر إنتاج الغاز الطبيعي الأميركي في نموه، بدعم من التحول إلى الطاقة النظيفة.
بالإضافة إلى ذلك، توقعت فاخشوري أن يدفع ترمب نحو توسيع الطاقة النووية لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء، وخاصة لمراكز البيانات والذكاء الاصطناعي.
كما قالت: “بينما قد تضع إدارته تركيزًا أقل على الحوافز التي تدعم التحول الأخضر؛ فإن العديد من الشركات الأميركية تسير بالفعل على الطريق نحو ممارسات الطاقة النظيفة، مدفوعة بقوى السوق وأهداف الاستدامة طويلة الأجل”.
وعلى العكس من ذلك، قد تشهد تفويضات السيارات الكهربائية الحالية والحوافز المالية تخفيضات أو توقفًا كاملًا في ظل إدارة ترمب الجديدة، بحسب ما قالته فاخشوري، في تصريحاتها إلى منصة الطاقة المتخصصة.
وفي المقابل، شكّك محلل السلع لدى بنك الاستثمار السويسري جيوفاني ستانوفو، في أن إرشادات “الحفر يا صغيري” التي يوجهها دونالد ترمب ستغير إنتاج النفط الأميركي إلى هذا الحد.
وقال ستانوفو، في تصريحاته إلى منصة الطاقة المتخصصة: “في نهاية المطاف؛ فإن هذا هو سعر السوق، وليس رغبة رئيس الولايات المتحدة في تغيير الإنتاج في الولايات المتحدة”.
وتابع: “نعم، قد يرفع دونالد ترمب بعض القيود، ولكن في الوقت نفسه ستواصل شركات النفط الصخري الأميركية التركيز على انضباط رأس المال، مع انخفاض الأسعار الذي يؤدي إلى انخفاض مستوى الإنتاج”.
وأشار ستانوفو إلى أن رئاسة ترمب لها اتجاه هبوطي، ولكن أيضًا صعودي؛ إذ ستكون التعريفات الجمركية سلبية للنمو الاقتصادي ونمو الطلب على النفط، ولكنْ لدى المصارف المركزية مجال لخفض أسعار الفائدة لدعم الاقتصاد.
أما الاتجاه الصعودي؛ فسيكون تجديد العقوبات على إيران وفنزويلا، وإزالة البراميل من السوق.
واختتم ستانوفو تصريحاته قائلًا: “بشكل عام، أرى أن سوق النفط ستظل تعاني نقصَ المعروض، ولا يزال هناك بعض الارتفاع المتواضع في الأسعار”.
سياسات إدارة ترمب المقبلة
من جانبه، استعرض الخبير الدولي في شؤون الطاقة وزير الكهرباء العراقي الأسبق الدكتور لؤي الخطيب، سياسات وتوجهات إدارة ترمب وأثرها في أسواق الطاقة.
وتوقع الخطيب العودة لسياسة زيادة إنتاج النفط والغاز الطبيعي والفحم في الولايات المتحدة، بهدف الوصول للاكتفاء الذاتي وزيادة الصادرات لتكون أميركا المنتج الأول عالميًا، ولتقليل الاعتماد على استيراد النفط الخام من دول الشرق الأوسط وروسيا.
كما ستشجع الإدارة الجديدة شركات النفط والغاز الأميركية للدخول بوصفها مستثمرًا منافسًا للشركات الآسيوية في الدول المنتجة في الشرق الأوسط، مدعومة بتمويل بيوت المال والمصارف الأميركية لزيادة الإنتاج النفطي وكذلك الغاز الطبيعي.
وأشار الخطيب، في تغريدة نشرها عبر حسابه الرسمي على منصة إكس، إلى خروج الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ، أو عدم الالتزام بضوابط البيئة المشروطة في الاتفاقية والمتعلقة بتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
وبالإضافة إلى ذلك، أوضح الخبير الدولي أن إدارة ترمب قد تغيّر الضوابط والقوانين التي تقيّد عمل شركات النفط والغاز والفحم في تقليل مستوى انبعاثات الغازات، واستعمال حق النقض على كل الضوابط التي تحد من زيادة إنتاج الوقود الأحفوري.
وستستمر الإدارة الأميركية في تشجيع مشروعات الطاقة المتجددة بوصفها داعمًا لحزمة إنتاج الطاقة بكل أشكالها، لكن ليس بمستوى حماسة الحزب الديمقراطي، ولا على حساب إنتاج الوقود الأحفوري.
صدام مرتقب مع وكالة الطاقة
في سياقٍ متصل، توقّع مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، أن تكون هناك ضغوط قوية على وكالة الطاقة الدولية لإحداث تغييرات فيها، في أعقاب إعادة انتخاب دونالد ترمب رئيسًا للولايات المتحدة.
وأضاف الحجي، في تصريحاته، أن سلوك قيادة وكالة الطاقة تاريخيًا يشير إلى أنها قد تستبق الأحداث، وتغير مواقفها لإرضاء ترمب.
ووافقه الرأي كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة أومود شوكري، الذي أوضح أنه من الممكن أن يحدث صدام بين إدارة ترمب ووكالة الطاقة الدولية بقيادة فاتح بيرول؛ بسبب الرؤى المتناقضة للطاقة.
إذ تؤكد سياسات ترمب إنتاجَ الوقود الأحفوري واستقلال الطاقة، في حين تعطي وكالة الطاقة الدولية بقيادة بيرول الأولوية للتحولات في مجال الطاقة النظيفة وأمن الطاقة على نطاق واسع.
وقال شوكري إن هذا الاختلاف واضح بشكل خاص فيما يتعلق بسياسة المناخ: يشمل موقف ترمب التراجع عن اللوائح البيئية والانسحاب من اتفاقيات المناخ الدولية، في حين تركز وكالة الطاقة الدولية على أهداف الحياد الكربوني والتعاون العالمي في الحد من الانبعاثات.
وأضاف شوكري أن التوترات قد تنشأ أيضًا في حوكمة الطاقة العالمية؛ حيث قد يتناقض نهج ترمب “أميركا أولًا” مع الإطار التعاوني لوكالة الطاقة الدولية، الذي يتعامل مع الاقتصادات الناشئة لتعزيز الاستقرار الدولي في أسواق الطاقة.
وقال، في تصريحاته إلى منصة الطاقة المتخصصة: “إن إدارة ترمب قد تقلل من أهمية توصيات وكالة الطاقة الدولية، وترى أنها غير متوافقة مع أجندته”.
وعلى الرغم من أن الصراع المباشر غير مؤكد، أشار شوكري إلى أن هذه الأولويات المتعارضة تشير إلى إمكان حدوث توتر كبير، وخاصةً فيما يتعلق بقضايا سياسة المناخ، وإدارة سوق الطاقة، ومبادرات الطاقة النظيفة.
من جانبه، قال الرئيس السابق لقسم أسواق النفط في وكالة الطاقة الدولية نيل أتكينسون، “سنشهد ضغوطًا متجددة على وكالة الطاقة الدولية؛ سواء من حيث اتجاه عملها أو قيادتها”، مع احتمال فوز الجمهوريين بالبيت الأبيض ومجلسي الشيوخ والنواب.
وتابع أتكينسون، في تغريدة نشرها عبر حسابه الرسمي على منصة إكس: “قد يكون التحالف السياسي الجديد في واشنطن غير مريح للغاية بالنسبة للوكالة”.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..