كشف علماء عن أن تسرب الهيدروجين من المنشآت الصناعية من شأنه أن يطلق انبعاثات بمستويات مرتفعة؛ مما يشكّل نتائج صادمة لداعمي الطاقة النظيفة بمساراتها المختلفة.

ووفق أول دراسة من نوعها لقياس تداعيات انبعاثات الوقود النظيف على المناخ، تجاوزت جزيئات الهيدروجين العالقة في الغلاف الجوي المستويات المعتادة.

وبحسب نتائج الدراسة التي تابعتها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، فإن الهيدروجين المنتج في المنشآت الصناعية يتسرّب بمعدل يتراوح بين 1 و2%، وقد يرتفع في بعض الأحيان إلى 4.2%.

وشكّلت هذه النتائج جرس إنذار صادمًا حول انبعاثات الوقود النظيف وتأثيرها في التغيرات المناخية؛ ما يتطلب إجراءات فورية حتى لا يتحول المصدر الآمن والمستدام في خريطة تحول الطاقة إلى عنصر تهديد إضافي.

اختبار هولندي

اختبر علماء معدل تسرّب الهيدروجين من مجمع دلفزيل (Delfzijl) الهولندي، الذي يضم مرافق لإنتاج الوقود الأخضر وتخزينه، ومرفقًا لإعادة التزوّد بالوقود، ومنشآت كيماوية.

وحرص معدو الدراسة -وهم علماء من جامعة غرونينغن- على اختيار هذا المجمع، لموقعه الساحلي البعيد نسبيًا عن منشآت صناعية مشابهة يمكن أن تؤثر سلبًا في دقة النتائج، إذ قد تختلط الانبعاثات الصادرة عنها ولا تؤدي إلى قياس دقيق لحجم التسرب أو الانبعاثات.

معدات في مجمع دلفزيل – الصورة من Chemie park delfzijl

واستعمل العلماء سيارة ركاب لالتقاط عينات من الهواء المحيط بالمجمع، بالإضافة إلى طائرة مُسيّرة مدعومة بمعدات رصد لعينات الهواء فوق المجمع.

وراعى فريق الباحثين جمع عينات الهواء في محيط المجمع وفوقه على مدار 7 أيام غير متتالية، مع الأخذ في الحسبان تنويع العينات بين الهواء في اتجاه الرياح أو عكسه.

واعتمدوا على تقنية كروماتوغرافيا الغاز (Chromatography) لرصد تركيزات الهيدروجين الدقيقة، خاصة أن هذه التقنية تعمل على فصل مواد الهواء عن بعضها.

نتائج صادمة

خلصت الدراسة إلى أن تسرب الهيدروجين من المنشأة الهولندية في الغلاف الجوي بلغ في بعض العينات ما نسبته 4.2% من إجمالي إنتاج المنشأة، مع تأكيد أن طريقة التقاط عينات الهواء وتحليلها كانت على قدر كبير من الدقة.

وتضمّنت نتائج الاختبارات بلوغ تركيزات الهيدروجين العالقة في الهواء مستويات غير مسبوقة، قُدرت بما يتراوح بين 580 و1500 جزء من المليار.

وتفوق هذه النتائج معدل التسرب والانبعاثات المعتاد في الغلاف الجوي؛ ما يتطلب وقفة جادة حول حجم الانبعاثات الصناعية للهيدروجين، وفق نتائج الدراسة المنشورة في مجلة نيتشر (Nature).

واللافت للنظر أن مستوى تسرب الهيدروجين المرتفع لُوحظ على مدار الأيام الـ7 لالتقاط العينات، ولم ينخفض إثر تفاعل مع الغازات المنتشرة في الغلاف الجوي مثل أول وثاني أكسيد الكربون والميثان.

وتيقن العلماء من دقة نتائج الدراسة، في ظل ثبات رقم الكسر المولي (مصطلح كيميائي لرصد كمية مادة بعينها من بين كميات أخرى) الخاصة بالهيدروجين خلال أيام التقاط العينات.

وبرهن ذلك على استمرار تسرب الهيدروجين من المجمع الهولندي، وتدفق انبعاثاته إلى الغلاف الجوي.

تصنيف الانبعاثات

خلال التجربة، تبيّن رصد تسريبات من المنشآت الصناعية في الموقع الخاضع للاختبار، لكن بتركيزات أقل تتراوح بين 500 و800 جزء من المليار.

وأسهمت محطة التزود بالوقود التابعة لشركة توتال إنرجي الفرنسية بتسريب متقطع تجاوز 1000 جزء من المليار.

مجمع ديلفزيل في هولندا
مجمع دلفزيل في هولندا – الصورة من Groningen Seaports

وكانت أدوات قياس تسرب الهيدروجين في الغلاف الجوي محل جدل خلال الآونة الماضية، ما بين القياس مقارنة بأجزاء من المليون أو المليار.

وعادة ما يفضّل العملاء استعمال معدات الكشف عن التسرب بأجزاء من المليار لرصد التركيزات الأصغر وتأثيرها في المناخ، غير أن هناك تطويرًا حاليًا لمعدات أخرى للكشف عن التسرب مقارنة بأجزاء من المليون.

ويمكن أن يتسبّب التسرب من منشآت إنتاج الهيدروجين الصناعية في زيادة مستويات الاحترار العالمي، بوصفه أحد غازات الدفيئة غير المباشرة، طبقًا لمعلومات نشرها موقع هيدروجين إنسايتس (Hydrogen Insights).

عبء مناخي

تستدعي البيانات حزمة خطوات عاجلة، لمراقبة حجم انبعاثات الهيدروجين وتداعياتها على تغير المناخ.

وتبرز أهمية هذه الخطوة في ظل توقعات ارتفاع الطلب العالمي على الهيدروجين بمعدل 8 أضعاف، مقارنة بحجم الاستهلاك الحالي، بحلول عام 2050.

وينعكس تطور الطلب على زيادة معدل تسرب الهيدروجين، سواء خلال الإنتاج في المرافق، أو النقل والاستهلاك.

وحال استمرار هذا النهج، قد تتحول طموحات الهيدروجين المستقبلية إلى “عبء” إضافي على المناخ.

ورغم أن الهيدروجين لا يُصنّف بوصفه أحد الغازات الدفيئة، فإن دفع انبعاثاته الصناعية لوتيرة الاحتباس الحراري يعادل 12.8 مرة تأثير ثاني أكسيد الكربون، وفق تفاصيل الدراسة.

ويتنافى ذلك مع أسس الاقتصاد منخفض أو خالي الكربون، الذي يتطلب مصادر محايدة كربونيًا، وقد يؤدي تراكم مستويات الهيدروجين في الغلاف الجوي إلى ثبات الميثان في الغلاف الجوي لأمد أطول.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.

رابط المصدر

شاركها.