تُعد مواجهة تغير المناخ وحماية البيئة من أبرز التحديات العالمية التي تتطلّب تضافر الجهود على مختلف الأصعدة.

وفي هذا السياق، يبرز دور المجتمع المدني في الجزائر بوصفه عنصرًا أساسيًا لتحقيق التحول نحو سياسات مناخية مستدامة، إذ يواجه البلد تحديات بيئية متنوعة.

ويشكّل المجتمع المدني، بتنظيماته كافّة، إطارًا ديناميكيًا يُسهم في معالجة القضايا البيئية من خلال تعزيز الوعي العام.

كما يتضمّن هذا الدور المهم لمواجهة تغير المناخ، تقديم المشورة، والمشاركة الفعالة في صياغة السياسات الوطنية وتنفيذها.

دور المجتمع المدني في مواجهة تغير المناخ لدى الجزائر

وفقًا للقانون 03-10، المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة يتيح الإطار القانوني للجمعيات ممارسة أنشطة في مجال حماية البيئة من خلال إبداء الرأي والمشاركة الفعّالة.

كما يُمنح للجمعيات حق رفع دعاوى أمام الجهات القضائية المختصة حال وقوع أي تعدٍّ على البيئة.

علاوة على ذلك، يتيح القانون للجمعيات إمكان التفويض من قِبل شخصين طبيعيين تضررا من أفعال تمثّل انتهاكًا للأحكام التشريعية المتعلقة بحماية البيئة وتحسين الإطار المعيشي.

ويشمل ذلك حماية الموارد الطبيعية مثل الماء، والهواء، والتربة، وباطن الأرض، والفضاءات الطبيعية، والعمران، بالإضافة إلى مكافحة التلوث.

وبموجب هذا التفويض، يمكن للجمعية رفع دعوى قضائية باسمي الشخصين المتضررين للمطالبة بالتعويض أمام الجهات القضائية المختصة، ما يعزّز دور الجمعيات بصفتها جهات فعّالة في الدفاع عن البيئة وحقوق الأفراد المتأثرين.

الدور الاستشاري

وفقًا للمادة 35 من القانون 03-10 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة، تُمنح الجمعيات ذات النشاط أو الاهتمام بحماية البيئة وتحسين الإطار المعيشي دورًا استشاريًا. يشمل هذا الدور مساعدة الهيئات العامة في إبداء الرأي حول القضايا قيد الدراسة.

بالإضافة إلى ذلك، تلتزم المؤسسات ذات الطابع الصناعي والتجاري، مثل “الجزائرية للمياه” (وفقًا للمرسوم رقم 61-101) بضم ممثل عن جمعية تعمل في مجال المياه لمدة لا تقل عن 3 سنوات ضمن هيئاتها الاستشارية.

وينطبق الأمر نفسه على الديوان الوطني للتطهير، إذ تنص المادة 14 من المرسوم التنفيذي 01-12 على ضرورة وجود ممثل عن جمعية تنشط في مجال حماية المياه بالشروط نفسها.

استشارة الجمعيات في التخطيط

تُستشار الجمعيات البيئية من قبل السلطات العامة عند إعداد المخططات الاقتصادية والاجتماعية الشاملة، وكذلك عند وضع وثائق التخطيط العمراني.

وتشمل هذه الوثائق المخططات التوجيهية، ومخططات شغل الأراضي، وخطط حماية القطاعات المحمية.

يُعد هذا التعاون فرصة للاستفادة من خبرات الجمعيات في صياغة سياسات تنموية تراعي المعايير البيئية وتحقق التوازن بين التطوير وحماية الموارد الطبيعية، وفق الدور الدفاعي للجمعيات في حماية البيئة.

وفقًا للمادة 35 من قانون حماية البيئة في إطار التنمية المستدامة (03-10)، تتمتع الجمعيات المختصة في المجال البيئي بحق رفع دعاوى قضائية أمام الجهات القضائية المختصة ضد أي جهة، سواء كانت هيئات عمومية أو مؤسسات خاصة، حال وقوع انتهاكات أو تجاوزات تضر بالبيئة.

الالتزام بدراسات الأثر البيئي

يُلزم القانون، وفقًا للمادة 15 من القانون نفسه، جميع المؤسسات التي تسعى إلى تنفيذ مشروعات تنموية أو إنشاء هياكل ومنشآت ثابتة بإجراء دراسة “تقييم أثر في البيئة” مسبقًا.

وتشمل هذه المشروعات المصانع، والأعمال الهندسية، وبرامج البناء والتهيئة التي قد تُحدث تأثيرات مباشرة أو غير مباشرة، آنية أو لاحقة، في البيئة، تهدف هذه الدراسات إلى حماية العناصر البيئية، بما فيها:

  • الأنواع الحية والموارد الطبيعية.
  • التوازنات الإيكولوجية.
  • الفضاءات الطبيعية.
  • إطار ونوعية حياة الأفراد.

من خلال هذه الآليات، يجري تعزيز الدور الدفاعي للجمعيات، ما يمكّنها من الوقوف بصفتها جهة مراقبة وضامنة لحماية البيئة وضمان الالتزام بالممارسات التنموية المستدامة.

تغير المناخ

تحديات تقابل مواجهة تغير المناخ وحماية البيئة

يواجه المجتمع المدني في الجزائر عدة تحديات كبيرة في مواجهة تغير المناخ.

ومن أبرز هذه التحديات ضعف الوعي البيئي لدى الكثير من المواطنين والجمعيات، فضلًا عن محدودية وسائل الإعلام البيئية التي تعوق نشر المعلومات حول القضايا المناخية.

كما يعاني المجتمع المدني نقص التمويل اللازم لتنفيذ مشروعات بيئية فعّالة، ما يحد من قدرته على تنفيذ برامج واسعة النطاق لمكافحة تغير المناخ.

بالإضافة إلى ذلك، يفتقر المجتمع المدني إلى التنسيق الفعّال، مما يؤدي إلى تشتت الجهود وغياب إستراتيجية منسقة لمواجهة التحديات البيئية.

غياب أطر قانونية واضحة تدعم دور المجتمع المدني في التصدي إلى تغير المناخ، كما يعاني العديد من الفاعلين في هذا المجال نقص التدريب والتأهيل المتخصص في العلوم البيئية والمناخية.

ويؤثر ذلك سلبًا في قدرتهم على تقديم حلول فعّالة، كما تعاني العديد من الجمعيات البيئية عدم الإلمام الكامل بالوسائل القانونية المتاحة لها، ولا يقتصر الأمر على ذلك.

آليات تفعيل دور المجتمع المدني لمواجهة تغير المناخ

التنشئة الاجتماعية الجيدة التي تبدأ من الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام تُشكّل محورًا أساسيًا في غرس ثقافة العمل الجماعي والتطوعي لدى الأجيال منذ الطفولة.

كما ينبغي العمل على تنويع مصادر الدخل لتنظيمات المجتمع المدني، لتزيد من قدرتها على الاستدامة والفعالية.

من الأهمية أيضًا تمكين تنظيمات المجتمع المدني من الوصول إلى السياسات والمعلومات الدقيقة المتعلقة بالقضايا البيئية، وتعزيز التكامل بين الإعلام والمجتمع المدني في تشكيل الوعي البيئي لدى الجماهير.

يجب كذلك التواصل مع الجمعيات ذات الاهتمامات البيئية على المستويين المحلي والإقليمي، والتعاون معها، وفهم سياسات عملها وأساليب تمويلها، من خلال تبادل المعلومات والخبرات.

تغير المناخ

كما يجب السعي للانضمام إلى المنظمات الإقليمية والعالمية، للاستفادة من الدعم المادي والمعنوي والفني، ما يُسهم بصورة كبيرة في تطوير أدوار تنظيمات المجتمع المدني وأدائها.

ولإنجاح الشراكة بين تنظيمات المجتمع المدني والقطاع الخاص والحكومة في إطار الحوكمة البيئية، فمن الضروري توفير آليات مؤسساتية تُسهم في تحقيق التنسيق الفعّال بين جميع الأطراف المعنية.

ويجب أن يكون هناك توزيع واضح للمسؤوليات والأدوار مع ضمان مشاركة حقيقية في عمليات التخطيط والتنفيذ، وهو ما يتطلب التغلّب على التحديات البيروقراطية وتوفير بيئة اجتماعية وثقافية تشجّع على التدفق الحر للمعلومات والسياسات بين الشركاء.

كما يجب العمل على تأهيل قيادات تنظيمات المجتمع المدني المختلفة وتدريبها، ما يعزّز من كفاءة أدائها وفعاليته ويُسهم في تحقيق أهدافها.

إن تحقيق الاستدامة البيئية في الجزائر يعتمد بصورة كبيرة على التكامل بين الحكومة والمجتمع المدني، إذ يمكن لهذا الأخير أن يضطلع بدور محوري في توجيه الجهود نحو حلول مبتكرة ومستدامة.

ومن خلال تعزيز وعي المواطنين، وتقديم المشورة المتخصصة، والإسهام في مراقبة تنفيذ السياسات البيئية، يثبت المجتمع المدني أنه ليس مجرد مراقب، وإنما شريك فاعل في مواجهة تغير المناخ.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.

رابط المصدر

شاركها.