تثير التقارير الصحفية بشأن تغير المناخ انقسامًا بين مؤيدٍ ومعارضٍ؛ نظرًا للتشكيك في رغبة بعضهم بالترويج لحلول معينة دون الأخرى.

وفي أحدث تطور مثير للجدل، أطلقت شبكة تغطية المناخ الآن (CCN) مشروعًا جديدًا يحمل اسم “المخطط المناخي لتحويل وسائل الإعلام”، الذي يشجع المراسلين على إدراج تغير المناخ في كل قصة، وعَدِّ أصوات صناعة الوقود الأحفوري غير صادقة بطبيعتها.

ووفق المعلومات التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، تروّج شبكة “تغطية المناخ الآن” علنًا لفكرة مفادها أن الصحفيين لا ينبغي أن يكونوا موضوعيين عند الإبلاغ عن المناخ والطاقة.

وهي الدعوة التي واجهت انتقادًا من الباحثين؛ لما تحتويه من معلومات لا تعبّر عن حقيقة تغير المناخ وتداعياته.

حقيقة “ناقصة”

في فصل عن هذا المخطط المناخي بعنوان “الحركة هي القصة”، تشجع الصحفية جينيفر أولدهام المراسلين على “التواصل مع قادة التغيير الاجتماعي” وتزويدهم بـ”التحقق” بوصفه وسيلة لمساعدتهم في تعزيز قضيتهم.

“هذا لا يعني الموافقة على آراء الناشطين، بل تكرار مخاوفهم وأهدافهم للتأكد من فهمكم لها بشكل صحيح.. عندما تصف بدقة رؤية حركة للتغيير من الداخل، يُمكن أن توجِد التضامن مع مستهلكي وسائل الإعلام وتلهمهم للعمل”، كما كتبت أولدهام.

ولكن، عندما يتعلق الأمر بوجهات نظر أخرى حول هذه القضايا، فإن نبرة الحديث مختلفة تمامًا، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة في موقع “جاست ذا نيوز” (Just The News).

ففي فصل بعنوان “الأساطير والتضليل”، تعيد الصحفية البيئية إيمي ويسترفيلت صياغة رواية “إكسون موبيل كانت تعرف”، مدّعيةً أن باحثي إكسون موبيل كانوا على دراية بتغير المناخ منذ عقود، وعملوا على إخفاء هذه المعلومات عن الجمهور.

تكتب ويسترفيلت: “غالبًا ما تُنتقد صحافة المساءلة؛ لأنها تركّز على المشكلات أكثر من الحلول، لكننا رأينا صناعة الوقود الأحفوري تستعمل العلاقات العامة طوال تاريخها لتجنّب التنظيم ودفع المجتمع نحو التقنيات المخصصة فقط، لتوسيع التنقيب عن النفط والغاز”.

وبالمثل، توجد في صناعة الطاقة المتجددة جماعات ضغط تسعى إلى تجنّب التنظيم ودفع المجتمع نحو تقنياتها، ولكن لم تذكرها ويسترفيلت.

وكما أوضحت الفيزيائية سابين هوسنفيلدر في منشور بمنصة “إكس”، فإن حملة “إكسون موبيل كانت تعرف” تستند إلى أسطورة مفادها أن شركات النفط لديها بعض المعرفة الخاصة والمطلقة حول تأثيرات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في المناخ.

في الواقع، لم يكن لديهم يقين أكثر من أيّ شخص آخر، كما كتبت هوسنفيلدر -مشيرةً إلى أنها ليست من محبّي صناعة الوقود الأحفوري- ولم يكن المقصود من المناقشات الخداع، لقد كانت جزءًا من مناقشة أوسع نطاقًا بين الباحثين الذين ينظرون في هذه القضية.

وكتبت هوسنفيلدر: “أكرر: لم يكن هناك أيّ دليل.. لم يكن لدى أحد أيّ دليل.. لا العلماء في الأوساط الأكاديمية، ولا أولئك في صناعة الوقود الأحفوري.. لم يكن أحد ليعرف في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات أن النماذج كانت صحيحة”.

ويقدّم مؤسس ومدير معهد أبحاث الطاقة رون برادلي سلسلة مكونة من عدّة أجزاء تتناول تفنيدات واسعة النطاق لمزاعم “إكسون موبيل كانت تعرف”، ولكن مقال “ويرسترفيلت” لا يحتوي على أيّ ذكر لوجود شخص ما يجادل في هذه الادّعاءات.

العدالة المناخية “مضللة”

في فصل بعنوان “ما وراء الوقود الأحفوري”، كتبت الصحفية أوميا سوسا باسكوال: “قد تبدأ الكارثة المناخية بالوقود الأحفوري، لكنها عادةً ما تصل إلى مجتمعاتنا في شكل مرض، وفقر مدقع، وصدمة، وجوع، وركود اقتصادي، ونزوح، وهجرة وموت”.

لا يوجد لهذا البيان أساس واقعي؛ إذ لا يوجد شيء مثل “دولة غنية منخفضة الطاقة”، ففي جميع أنحاء العالم، يرتبط استهلاك الوقود الأحفوري بقوة بمستويات معيشة أعلى، وترتبط مستويات المعيشة الأعلى بقوة بنتائج صحية أفضل، وزيادة طول العمر، وانخفاض معدلات سوء التغذية.

وقالت زميلة أبحاث الطاقة في معهد هارتلاند، لينيا لوكين، إن الطريقة التي يتحدث بها المخطط عن “العدالة المناخية” والوقود الأحفوري بوصفه مدمرًا بطبيعته، تتجاهل أن الطاقة ضرورية لحماية الناس من الكوارث الطبيعية.

كما تتمتع الدول ذات المعدلات الأعلى من استهلاك الوقود الأحفوري ببُنية تحتية أفضل، ومن ثم فهي تتمتع بقدرة أكبر على الصمود في مواجهة الكوارث الطبيعية، بغضّ النظر عمّا إذا كان الاحتباس الحراري العالمي يسهم في حدوثها أم لا.

وقالت لوكين: “عندما تضربنا الأحوال الجوية المتطرفة، وستضربنا دائمًا، فلن نتمكن من تحمُّل التأثير كما تستطيع دولة من دول العالم الأول”.

وعلى الرغم من الرسائل الصريحة المناهضة للوقود الأحفوري في “المخطط”، قالت رئيسة قسم الابتكار في شبكة صحافة الحلول، أمبيكا سامارثيا هوارد، إن المنظمة لا تروّج لأيّ استجابة معينة للمشكلة.

وقالت سامارثيا هوارد: “لا تدافع صحافة الحلول -كما نعلمها- عن أيّ حلول معينة لمشكلة ما، وهي في هذه الحالة مشكلة تغير المناخ”.

الالتزام الأخلاقي

تتعامل شبكة صحافة الحلول مع مجموعة واسعة من القضايا، بما في ذلك الديمقراطية والصحة، ولديها بيان أخلاقي بموقعها الإلكتروني يؤكد استقلالها عن مموليها.

ولكن شبكة “تغطية المناخ الآن” تركّز بالكامل على تقارير المناخ والطاقة، وليس لديها بيانات أخلاقية.

لدى زميلة أبحاث الطاقة في معهد هارتلاند، لينيا لوكين، سلسلة من مقاطع الفيديو في “يوتيوب” تدحض ادّعاءات مختلفة قدّمها مناصرو المناخ حول اتجاهات الطقس المتطرف؛ ما يوضح أن العديد من الروايات الإعلامية حول نهاية الثلوج والوفيات المرتبطة بدرجات الحرارة والجفاف وارتفاع مستوى سطح البحر والأعاصير، مليء بالمبالغات والمعلومات المضللة.

وفي الوقت الذي توجد فيه مصادر شرعية قد تدحض حجج لوكين، فإن شبكة “تغطية المناخ الآن” تثبّط صراحةً تقديم وجهات نظر تتفق معها؛ إذ ترى أن الصحفيين لديهم “التزام أخلاقي” بالدفاع عن خطة المناخ.

وفي مقال بعنوان “السياسة المناخية المتحيزة”، تزعم شبكة “تغطية المناخ الآن” أن الصحافة الموضوعية تشكّل مشكلة خطيرة؛ لأن هناك مجموعة واحدة فقط من الحقائق التي يجب مراعاتها.

ويزعم فريق شبكة “تغطية المناخ الآن” أن “التحيز على الرغم من تبنّيه باسم التوازن، انتهى به الأمر إلى تضليل الجمهور من خلال إعطاء الأولوية لمظهر الحياد على العرض الدقيق للحقائق”.

تغير المناخ

الدعاية “الوقحة”

ذكرت زميلة أبحاث الطاقة في معهد هارتلاند، لينيا لوكين، أن تقديم وجهات نظر تتحدى تلك التي تروّج لها شبكة “تغطية المناخ الآن”، التي يرددها العديد من وسائل الإعلام، أمر صعب، مشددة على أنها منتشرة على نطاق واسع، إلى جانب قسوة تكتيكاتهم.

وقالت لوكين: “هذه دعاية وقحة.. حتى إنهم لا يتظاهرون بأنهم لا يقومون بالدعاية، ويروّجون لروايات معينة”.

وأضافت أن حقيقة أنهم “وقحون” للغاية تشير إلى أنهم أصبحوا واثقين جدًا من أنه لن تكون هناك عواقب، مالية أو غير ذلك، لإخبار الصحفيين بنشر رسالة مناهضة للوقود الأحفوري بشكل متعصب.

من جانبها، قالت رئيسة قسم الابتكار في شبكة صحافة الحلول، أمبيكا سامارتيا هوارد، إن نهجهم الذي لا يروّج لحلّ دون آخر، يستلزم الإبلاغ عن كيفية عمل النهج، والدليل على تأثيره أو عدم تأثيره، والدروس المستفادة، والقيود والتحذيرات من النهج؛ ما ينتج صحافة أكثر فاعلية.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.

رابط المصدر

شاركها.