اقرأ في هذا المقال

  • • خط أنابيب “باور أوف سيبيريا-2” يُعد أحد أكثر مشروعات الطاقة طموحًا في روسيا
  • • خط أنابيب “باور أوف سيبيريا-2” يقدم للصين إمدادات مستقرة وموثوقة من الغاز
  • • موقع منغوليا منحها أهمية جديدة في الجغرافيا السياسية للطاقة في أوراسيا
  • • الوصول إلى الغاز الطبيعي من شأنه أن يوفّر لمنغوليا مصدر طاقة أنظف وأكثر كفاءة

يبدو أن صادرات الطاقة الروسية لها هدف جديد في سوق مهمة، لا سيما أن زيارة الرئيس فلاديمير بوتين الأخيرة إلى منغوليا، مثّلت نقطة تحول في توجهات الطاقة لمنطقة أوراسيا، خصوصًا فيما يتعلق بخط أنابيب الغاز “باور أوف سيبيريا-2″، والتعاون الأوسع في مجال الطاقة.

وركزت الزيارة، التي سعت رسميًا إلى تعميق الشراكات الإستراتيجية بين روسيا ومنغوليا، على تطوير البنية الأساسية للطاقة وتوسيعها.

وكان خط أنابيب “سويوز-فوستوك” في صميم المناقشات، وهو جزء مهم من مشروع “باور أوف سيبيريا-2″، ويهدف إلى إعادة توجيه صادرات الطاقة الروسية نحو الصين بالمرور عبر منغوليا.

وأكدت هذه الزيارة إعادة التحالفات الجيوسياسية التي تقوم بها روسيا والدور الناشئ لمنغوليا بصفتها لاعبًا رئيسًا في نقل الطاقة الإقليمي.

خطا “باور أوف سيبيريا-2″ و”سويوز-فوستوك”

يُعد خط أنابيب “باور أوف سيبيريا-2” أحد أكثر مشروعات الطاقة طموحًا في روسيا، وهو مصمم لتوصيل ما يصل إلى 50 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا من حقول غرب سيبيريا إلى الصين، أكبر مستهلك للطاقة في العالم.

ويمثّل خط الأنابيب إعادة توجيه كبيرة للغاز الروسي الذي كان متجهًا تقليديًا إلى الأسواق الأوروبية، والذي تقلّص بسبب العقوبات والتوترات الجيوسياسية والجهود الأوروبية، للحد من الاعتماد على صادرات الطاقة الروسية في أعقاب الحرب في أوكرانيا.

وسوف يعبر خط الأنابيب هذا منغوليا، حيث يشكل جزء “سويوز-فوستوك” الامتداد المنغولي للمسار.

وقد اكتملت الآن وثائق تصميم خط أنابيب “سويوز-فوستوك”، الذي يبلغ طوله نحو 1000 كيلومتر، حسبما أكد بوتين خلال زيارته إلى العاصمة المنغولية أولان باتور.

ويشكل هذا الجزء أهمية بالغة، لأنه سيسهل التحول الإستراتيجي لروسيا إلى آسيا، خصوصًا في ترسيخ العلاقات طويلة الأجل في مجال الطاقة مع الصين، التي أصبحت محورًا أساسيًا لصادرات الطاقة الروسية.

(من اليمين) الرؤساء المنغولي والروسي والصيني في قمة منظمة شنغهاي للتعاون 2022 – الصورة من رويترز

وبالنظر إلى تراجع الأسواق الأوروبية، من المتوقع أن يفتح خط أنابيب باور أوف سيبيريا-2 طرق تصدير جديدة، ما يعزّز بصورة كبيرة حضور روسيا في السوق الآسيوية سريعة النمو.

تحالفات جديدة.. التحول الإستراتيجي الروسي نحو آسيا

تعكس مشاركة روسيا مع منغوليا في مشروع باور أوف سيبيريا-2 إعادة تحالفاتها الإستراتيجية الأوسع من الغرب إلى الشرق.

تاريخيًا، اعتمدت موسكو بصورة كبيرة على أوروبا لتمرير صادرات الطاقة الروسية، خصوصًا الغاز الطبيعي.

رغم ذلك، فإن التداعيات الجيوسياسية للحرب في أوكرانيا ونظام العقوبات الناتج عنها أجبرت موسكو على البحث عن أسواق بديلة، وقد برزت الصين، بسبب الطلب الشديد على الطاقة، بوصفها شريكًا طبيعيًا.

وتنطلق الحاجة المتزايدة للصين إلى الطاقة، خصوصًا الغاز الطبيعي، من أهدافها الطموحة المتمثلة في الحياد الكربوني.

وبسبب سعي الصين إلى تقليل اعتمادها على الفحم، فقد لجأت إلى الغاز الطبيعي بصفته وقودًا انتقاليًا إلى طاقة أنظف.

ويمثّل خط أنابيب باور أوف سيبيريا-2 عنصرًا أساسيًا في هذه الإستراتيجية، إذ يقدّم إلى الصين إمدادات مستقرة وموثوقة من الغاز.

خط أنابيب باور أوف سيبيريا في مدينة خيخه بمقاطعة هيلونغجيانغ في شمال شرق الصين
خط أنابيب باور أوف سيبيريا في مدينة خيخه بمقاطعة هيلونغجيانغ في شمال شرق الصين – الصورة من وكالة شينخوا

بالإضافة إلى ذلك، تستفيد روسيا من تنويع أسواق صادراتها، ما يخفّف من الخسائر الاقتصادية الناجمة عن تقلص التجارة مع أوروبا.

نتيجة لذلك، فإن خط أنابيب سويوز-فوستوك يمثّل أداة جيوسياسية، ويعزّز التوافق الإستراتيجي بين روسيا ومنغوليا والصين.

ويشكّل الجزء المنغولي من خط الأنابيب أهمية بالغة، لأنه يوفر ممرًا بريًا مباشرًا لصادرات الطاقة الروسية، ما يعزز كفاءة إمدادات الغاز إلى الصين وأمنها.

ومن خلال مرور الغاز عبر منغوليا، تعزز روسيا علاقاتها مع جارتيها، في حين تقلّل من اعتمادها على الطرق البحرية، التي تكون عرضة للاضطرابات الجيوسياسية.

دور منغوليا بوصفها مركزًا رئيسًا لنقل الطاقة

أدى موقع منغوليا بين قوتين عالميتين -روسيا والصين- إلى منحها أهمية جديدة في الجغرافيا السياسية للطاقة في أوراسيا.

وأصبحت منغوليا، التي كانت تاريخيًا دولة غير ساحلية ومعزولة نسبيًا، على استعداد لأن تصبح مركزًا رئيسًا لعبور إمدادات الغاز الروسية.

ويشير استكمال وثائق تصميم خط أنابيب سويوز-فوستوك إلى أن منغوليا سوف تؤدي دورًا مهمًا في تسهيل تدفق الغاز الطبيعي بين روسيا والصين، ما قد يؤدي إلى كسب رسوم العبور وغيرها من الفوائد الاقتصادية في هذه العملية.

بالإضافة إلى دورها ممر عبور، فإن منغوليا سوف تستفيد بصفة مباشرة من خط أنابيب الغاز.

وأشار الرئيس بوتين إلى أنه إلى جانب عبور الغاز إلى الصين، يجري النظر في قدرة توريد الغاز إلى المستهلكين المنغوليين.

وقد تكون لهذا آثار عميقة في مشهد الطاقة بمنغوليا، إذ تعتمد حاليًا بصورة كبيرة على الفحم لتلبية احتياجاتها من الطاقة المحلية، خصوصًا التدفئة خلال أشهر الشتاء القاسية.

ويمكن الوصول إلى الغاز الطبيعي أن يوفّر لمنغوليا مصدر طاقة أنظف وأكثر كفاءة، ما يعزّز جهود البلاد للحد من تلوث الهواء وتحقيق أهدافها المناخية بموجب اتفاق باريس للمناخ، الذي صادقت عليه في عام 2016.

في المقابل، قد يرتفع استهلاك منغوليا من الغاز الطبيعي إلى 5.6 مليار متر مكعب سنويًا بحلول عام 2040. ويؤدي هذا التحول إلى تنويع مزيج الطاقة في منغوليا.

وسيتيح تحول العديد من محطات الكهرباء التي تعمل بالفحم إلى الغاز، ما يعزّز بصورة كبيرة جودة الهواء، خصوصًا في العاصمة أولان باتور، التي تعاني بعض أسوأ مستويات تلوث الهواء في العالم.

التأثيرات البيئية والتكنولوجية

يتمثل أحد الجوانب الحاسمة لمشروع خط أنابيب سويوز-فوستوك في قدرته على تحسين واقع البيئة في منغوليا، التي تعتمد بصورة كبيرة على الفحم، لتوليد الكهرباء وللتدفئة.

وكان للاعتماد على الفحم آثار مدمرة في البيئة والصحة العامة، خصوصًا في العاصمة أولان باتور، إذ تتجاوز مستويات تلوث الهواء غالبًا الحدود الآمنة.

ويقدم إدخال الغاز الطبيعي إلى مزيج الطاقة في البلاد بديلًا أنظف، ما قد يؤدي إلى تحول قطاع الطاقة في منغوليا.

محطة لتوليد الكهرباء من الفحم في عاصمة منغوليا
محطة لتوليد الكهرباء من الفحم في عاصمة منغوليا – الصورة من mit.edu

من ناحية ثانية، يُعد تقييم الأثر البيئي، الذي يجري حاليًا في إطار مشروع سويوز-فوستوك، أمرًا بالغ الأهمية لضمان توافق بناء خط الأنابيب وتشغيله مع الأهداف البيئية لمنغوليا.

ويتيح التحول من الفحم إلى الغاز الطبيعي، جنبًا إلى جنب مع تطوير تقنيات الغاز الطبيعي المسال، إمكانات لمنغوليا لمواصلة إزالة الكربون بشكل أكثر جدية.

بالإضافة إلى توفير الكهرباء للمراكز الحضرية، يمكن أن يسهل خط أنابيب الغاز التغويز المستقل للمستوطنات النائية، ما يحسّن الوصول إلى طاقة أنظف في جميع أنحاء البلاد.

على صعيد آخر، فإن استعمال الغاز المسال وقودًا للسيارات من شأنه أن يحدث ثورة في قطاع النقل في منغوليا، ما يقلل من الاعتماد على الوقود الأكثر تلويثًا.

وهذا من شأنه أن يتماشى مع الأهداف البيئية الأوسع نطاقًا لمنغوليا بموجب اتفاق باريس للمناخ، ما يساعد البلاد على الحد من معدل نمو انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي وتحسين نوعية الهواء.

التعاون بين روسيا ومنغوليا

لم تقتصر زيارة بوتين إلى منغوليا على المناقشات حول خط أنابيب سويوز-فوستوك.

ويشمل التعاون الأوسع في مجال الطاقة بين البلدين قطاعات رئيسة متعددة.

بدورها، توفر روسيا، حاليًا، أكثر من 90% من البنزين والديزل في منغوليا، وهو عنصر مهم في العلاقات التجارية الثنائية، التي نمت بنسبة 21% في الأشهر الـ7 الأولى من عام 2023، لتصل إلى 1.4 مليار دولار.

إلى جانب ذلك، تشارك روسيا في تحديث البنية التحتية للطاقة في منغوليا، مع خطط لتحديث محطة الطاقة الحرارية سي إتش بي بي-3 “CHPP-3” في العاصمة أولان باتور، وهو مشروع يهدف إلى مضاعفة قدرتها على توليد الكهرباء وتحسين موثوقية الطاقة في العاصمة.

وتمتد إمكانات التعاون إلى القطاع النووي، إذ سلّط رئيس شركة روساتوم، شركة الطاقة الذرية الحكومية الروسية، الضوء على التقدم المحرز في الجوانب الفنية لمحطة طاقة نووية صغيرة لمنغوليا، التي يمكن أن تزيد من تنويع مزيج الطاقة في البلاد ودعم أهداف الاستدامة طويلة الأجل.

وتؤكد هذه المبادرة، إلى جانب اتفاقيات التعاون المستقبلية المحتملة في مجال المفاعلات منخفضة الوحدات، التزام روسيا بتوسيع نفوذها على قطاع الطاقة في منغوليا.

الأبعاد الجيوسياسية للزيارة

تأتي زيارة بوتين إلى منغوليا في وقت تتعرّض فيه مكانة روسيا الدولية للتحدي، خصوصًا بسبب مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية فيما يتصل بالحرب في أوكرانيا.

ويشير قرار منغوليا بعدم التصرف بناءً على مذكرة الاعتقال، على الرغم من كونها من الدول الموقعة على نظام روما الأساسي، إلى النهج الواقعي الذي تنتهجه البلاد في سياستها الخارجية.

من ناحيتها، تقدّر منغوليا علاقتها مع روسيا، وتسعى إلى موازنة ذلك مع التزاماتها الدولية الأخرى، مثل سياستها الخارجية متعددة الاتجاهات التي تؤكد التعاون مع جميع الدول الكبرى، بما في ذلك الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

منشأة لمعالجة الغاز تديرها شركة غازبروم الروسية في شبه جزيرة يامال بالقطب الشمالي
منشأة لمعالجة الغاز تديرها شركة غازبروم الروسية في شبه جزيرة يامال بالقطب الشمالي – الصورة من رويترز

وتسلط قضية المحكمة الجنائية الدولية الضوء على موقف منغوليا الحساس في الدبلوماسية الجيوسياسية.

ومن خلال الاستمرار في التعامل مع روسيا، تضمن منغوليا فوائد اقتصادية وطاقوية كبيرة، خصوصًا من خط أنابيب سويوز-فوستوك ومشروعات البنية التحتية الأخرى للطاقة، وسط التعامل مع البيئة القانونية والدبلوماسية الدولية المعقدة.

التحديات والتوقعات

على الرغم من التطورات الواعدة، يواجه مشروع “باور أوف سيبيريا-2” عديدًا من التحديات.

من ناحيتهما، ما زالت روسيا والصين تتفاوضان على الشروط التجارية الرئيسة لخط أنابيب الغاز، كما أدت الخلافات بشأن الأسعار إلى تأخير التنفيذ الكامل للمشروع.

وتشير التقارير إلى أن الصين طالبت بأسعار غاز أقل بكثير، ربما تصل إلى 60 دولارًا لكل ألف متر مكعب، مقارنة بـ260 دولارًا تدفعها الصين حاليًا مقابل الغاز عبر خط أنابيب “باور أوف سيبيريا-1”.

وتُعد هذه المفاوضات بالغة الأهمية لجدوى المشروع، وأي تأخير أو شروط غير مواتية قد تؤثر في جدوله الزمني.

بالإضافة إلى ذلك، تضيف المتطلبات الهندسية والبيئية المعقدة لبناء خط أنابيب بهذا الحجم عبر التضاريس المتنوعة في منغوليا مزيدًا من التحديات.

وعلى الرغم من التقدم المحرز في التقييم البيئي، فإنه يجب أن يضمن الحد الأدنى من التأثير في النظم البيئية الهشة في منغوليا.

خاتمة

يمثل مشروع “باور أوف سيبيريا-2” وخط أنابيب “سويوز-فوستوك” المرتبط به تحولًا كبيرًا في توجهات الطاقة الأوراسية، مع تحرك روسيا لتأمين علاقات طاقة طويلة الأجل مع الصين وتوظيف منغوليا بصفتها دولة عبور مهمة.

وبالنسبة إلى منغوليا، فإن هذا يتيح فرصًا اقتصادية كبيرة، سواء من حيث عائدات العبور أو الوصول إلى مصادر طاقة أنظف، بما يتماشى مع أهدافها البيئية وإزالة الكربون.

ومن شأن الإكمال الناجح لخط الأنابيب أن يعزز دور منغوليا مركزًا رئيسًا لعبور الطاقة في أوراسيا، ما يعزز أهميتها الجيوسياسية.

بالإضافة إلى ذلك، يتوقف نجاح المشروع على المفاوضات الجارية بين روسيا والصين، والبيئة الجيوسياسية الأوسع، بما في ذلك العقوبات الغربية على روسيا والضغوط القانونية الدولية، ما يفاقم التعقيدات.

وسوف يكون التوازن الدبلوماسي الدقيق الذي تقوم به منغوليا بالغ الأهمية في التعامل مع علاقاتها مع روسيا والصين والمجتمع الدولي الأوسع مع تأمين مصالحها الوطنية في مجال الطاقة والتجارة والاستدامة البيئية.

فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.

*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.

رابط المصدر

شاركها.