قناة بنما واحدة من أبرز الممرات المائية الاستراتيجية في العالم، حيث تربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ، مما يجعلها شريانًا حيويًا للتجارة العالمية، منذ افتتاحها في عام 1914، شهدت القناة تحولات كبيرة في ملكيتها وإدارتها، بدءًا من السيطرة الأمريكية وصولاً إلى تسليمها لبنما في عام 1999.

تاريخ قناة بنما

في عام 1903، حصلت الولايات المتحدة على حقوق بناء وتشغيل قناة بنما بعد اتفاق مع بنما، التي كانت آنذاك جزءًا من كولومبيا، وخلال العقود التالية، ظلت القناة تحت السيطرة الأمريكية، إلى أن نشبت توترات مع بنما بشأن السيادة والحقوق، في عام 1977، تم التوصل إلى اتفاق نص على نقل السيطرة الكاملة على القناة إلى بنما بحلول عام 2000.

تحمل القناة أهمية استراتيجية خاصة، حيث تمر عبرها نسبة كبيرة من التجارة بين الساحل الشرقي والغربي للبلاد، بالإضافة إلى تسهيل نقل البضائع بين الولايات المتحدة ودول آسيا، في عام 2024، شهدت القناة تحديات نتيجة الجفاف، مما أثر على حركة السفن وارتفاع تكاليف الشحن، وهو ما أثار قلقًا بشأن تأثير ذلك على التجارة الدولية.

التوترات الحديثة:

ارتفاع تكاليف الشحن ووعبور السفن عبر قناة بنما، أثار غضب الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، حيث اتهم بنما بفرض رسوم مرتفعة على استخدام القناة، وهدد بإعادتها إلى السيادة الأمريكية إذا لم تُدار بطريقة مقبولة، كما أبدى قلقه من احتمال تأثير الصين على إدارة القناة، محذرًا من وقوعها في “الأيدي الخطأ”- على حد تعبيره.

أكد دونالد ترامب – خلال منشور له على موقعه للتواصل الاجتماعي “تروث سوشيال” – على أن قناة بنما تمثل أحد الأصول الوطنية الحيوية للولايات المتحدة، نظرًا لدورها المحوري في دعم الاقتصاد الأمريكي وحماية الأمن القومي.

وأشار ترامب إلى أن الولايات المتحدة تعد المستخدم الأكبر للقناة، حيث تمثل أكثر من 70% من عمليات عبور السفن من وإلى الموانئ الأمريكية، مما يعكس أهميتها في حركة التجارة الأمريكية والدولية.

ووصف القناة بأنها إحدى عجائب العالم الحديث، مبرزًا أنها افتُتحت للعمل قبل 110 أعوام، وأن بناؤها جاء بتكلفة باهظة على الولايات المتحدة سواء من حيث الأموال أو الأرواح، إذ فقد 38 ألف أمريكي حياتهم أثناء عملية البناء.

انتقادات لرسوم المرور في القناة

وانتقد ترامب بشدة الرسوم التي تفرضها بنما على السفن الأمريكية قائلا: “تم التعامل مع قواتنا البحرية والتجارة بطريقة غير عادلة وغير حكيمة للغاية، والرسوم التي تفرضها بنما سخيفة،و هذه السرقة الكاملة لبلدنا يجب أن تتوقف فورًا”.

واختتم تصريحاته بتأكيد أنه في حال عدم الالتزام بالمبادئ الأخلاقية والقانونية التي بُنيت عليها علاقة الولايات المتحدة مع بنما، فإن واشنطن لن تتردد في المطالبة باستعادة السيطرة الكاملة على القناة.

ردود الفعل البنمية:

تُعد قناة بنما واحدة من أهم مصادر الدخل، لكونها محورًا استراتيجيًا للتجارة العالمية، في الظروف الطبيعية، وتستوعب القناة نحو 3% من حجم التجارة البحرية العالمية، وتُعد مصدرًا رئيسيًا للإيرادات في بنما، حيث تحقق أكثر من 4 مليار دولار في العام.

لذا غضب الرئيس البنمي، خوسيه راوول مولينو، من تصريحات دونالد ترامب، وأكد على سيادة بلاده الكاملة على القناة، قائلا:”كل متر مربع من قناة بنما سيبقى لها”، الأمر الذي قابله ترامب بسخرية، حيث علق على تصريح مولينو قائلاً: “سنرى ذلك!”.

التداعيات المحتملة:

الخبراء أكدوا أن هذه التصريحات أثارت تساؤلات حول مستقبل إدارة قناة بنما، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات مع الولايات المتحدة والصين، وقد تؤدي هذه التوترات إلى إعادة تقييم الاتفاقيات السابقة، وإن حدث ذلك سيؤثر على التجارة العالمية والاقتصاد البنمي.

أهمية قناة بنما لأمريكا

قناة بنما تعتبر أحد أهم المعابر المائية في العالم، سواء من حيث الأهمية الاقتصادية أو الاستراتيجية، لا سيما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية.

وتتمثل أهمية قناة بنما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية في عدة جوانب استراتيجية حيوية منها:

التجارة العالمية والاقتصاد الأمريكي:

قناة بنما تعد من الممرات الأساسية التي تربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ، لذا، فإن تحكم الولايات المتحدة في القناة أو وصولها السهل إليها يمكّنها من ضمان سلاسة حركة التجارة بين الساحلين الشرقي والغربي.
تساهم القناة في تسهيل مرور البضائع بين الولايات المتحدة وأسواقها الرئيسية في أمريكا الجنوبية وآسيا، مما يعزز الاقتصاد الأمريكي ويقلل من تكاليف النقل البحري.

النفوذ العسكري:

للقناة دور كبير في تعزيز النفوذ العسكري الأمريكي في المنطقة، فقد مكنت الولايات المتحدة من نقل الأسطول العسكري بسرعة وسهولة بين المحيطين الأطلسي والهادئ، مما يوفر مزيدًا من السيطرة على الأنشطة العسكرية في منطقتي الأمريكتين.
على الرغم من أنه تم تسليم إدارة القناة إلى بنما في عام 1999، فإن وجود القناة في منطقة حساسة جغرافيًا جعلتها جزءًا من الاستراتيجيات العسكرية الأمريكية في مواجهة التحديات الدولية.

الأمن القومي الأمريكي:

تعد القناة جزءًا من الأمن القومي الأمريكي، حيث يتم استخدامها بشكل دوري في الاستراتيجيات اللوجستية لنقل القوات والعتاد العسكري في أوقات الطوارئ.

كانت الولايات المتحدة قد أنشأت قواعد عسكرية في مناطق قريبة من القناة، وهو ما يضمن سهولة الوصول إليها في حال تطلب الأمر تدخلاً سريعًا في القضايا العسكرية والإقليمية.

تمنح قناة بنما الولايات المتحدة هيمنة سياسية واقتصادية على منطقة أمريكا اللاتينية، حيث تبقى الولايات المتحدة الطرف الرئيس في أي تحالفات أو مناورات سياسية تتعلق بهذه المنطقة.

بما أن القناة تعد نقطة وصل بين قارات أمريكا الشمالية والجنوبية وآسيا، فإن السيطرة أو النفوذ الأمريكي على القناة يمكن أن يؤثر على التوازن الجيوسياسي في القارة، خاصة مع تزايد النفوذ الصيني في المنطقة.

أسباب قلق ترامب من النفوذ الصيني في قناة بنما

الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، وغيره من القادة الأمريكيين، أبدوا قلقهم من النفوذ الصيني في قناة بنما بسبب عدة عوامل استراتيجية واقتصادية وأمنية تتعلق بمصالح الولايات المتحدة، وذلك لأهمية القناة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، لاسيما في نقل البضائع بين الساحلين الشرقي والغربي للولايات المتحدة، كما أنها تلعب دورًا مهمًا في التجارة الأمريكية مع آسيا وأمريكا اللاتينية.

النفوذ الصيني زاد في قناة بنما، حتى أصبح واحد من أهم الممرات المائية التي تعتمد عليه بكين في نقل البضائع إلى دول العالم.

ونظرا لأهمية قناة بنما بالنسبة للصين، فقد لجأت إلى الاستثمار  بشكل كبير في البنية التحتية في بنما، بما في ذلك مشروعات مرتبطة بالقناة والموانئ المحيطة بها، كما تدير شركات صينية، مثل “هتشيسون وامبوا” (Hutchison Whampoa)، بعض الموانئ على جانبي القناة، ما يمنح الصين نفوذًا اقتصاديًا وإداريًا في المنطقة.

وقال خبراء إن الإدارة الأمريكية لديها قلق من زيادة النفوذ الصيني في إدارة القناة أو البنية التحتية المرتبطة بها، والذي بدوره قد يمكنها  من التأثير على تدفق السلع والبضائع، ما قد يؤثر سلبًا على التجارة الأمريكية.

وأشاروا إلى أن وجود نفوذ صيني بالقرب من قناة بنما يثير مخاوف أمنية، خاصة أن القناة تُستخدم أيضًا في تحركات عسكرية أمريكية، وأنه في حالة تصعيد التوترات بين البلدين، قد تسعى الصين إلى عرقلة أو تقييد وصول الولايات المتحدة إلى القناة.

وأكد الخبراء أن هذه العوامل مجتمعة تجعل النفوذ الصيني في قناة بنما مصدر قلق رئيسي للولايات المتحدة، خاصة في ظل التنافس الاقتصادي والعسكري المتزايد بين البلدين، مشيرين إلى أن أي تهديد لحرية الوصول إليها أو أي محاولة للحد من سيطرة الولايات المتحدة على الحركة التجارية عبر القناة قد يؤدي إلى صراعات سياسية أو اقتصادية تؤثر بشكل كبير على مصالح الولايات المتحدة في المنطقة والعالم.



رابط المصدر

شاركها.