يُعدّ قانون الثروات الباطنية الإطار التنظيمي لقطاع النفط والغاز في سوريا، الذي رغم تعاقب الأزمات الاقتصادية والسياسية، يظل أحد المحركات الرئيسة للنمو والتنمية في البلاد

وتُعدّ سوريا واحدة من الدول العربية الغنية بالثروات الباطنية، ولا سيما النفط والغاز والفوسفات، ولطالما أدت هذه الموارد دورًا حيويًا في دعم الاقتصاد الوطني.

ووفقًا لدراسة أجرتها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، يُمثّل قانون الثروات الباطنية العمود الفقري للتشريعات التي تحكم العلاقة بين الدولة السورية والمستثمرين المحليين والأجانب، إذ يُحدّد أسس استغلال الموارد الباطنية، بما في ذلك عمليات الاستكشاف والاستخراج والنقل.

حاليًا، بعد أن وضعت الحرب السورية التي بدأت عام 2011 أوزارها، تتطلّع دمشق إلى إطلاق عملية إعادة إعمار تُقدّر تكلفتها بما يتراوح بين 120 و150 مليار دولار، ما يعكس ضرورة العمل على تعظيم الاستفادة من مواردها، وجني إيرادات كبيرة تدعم اقتصاد البلاد.

في هذا الإطار، ومع الحاجة إلى جذب الاستثمارات، يبرز التساؤل: “هل يُشجع قانون الثروات الباطنية المستثمرين ويلبي احتياجات المرحلة الراهنة؟ وكيف يقارَن بإطار التنظيم القانوني لقطاع النفط في الدول العربية الأخرى؟ لا سيما أن الواقع الحالي يشير إلى تحديات ملحوظة تعوق تحقيق الفاعلية المرجوة.

ومع تصاعد الاهتمام العالمي بمصادر الطاقة البديلة، تجد سوريا نفسها أمام خيارين: إمّا تحديث التشريعات واللوائح لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، أو الاستمرار في مواجهة تحديات تؤثّر سلبًا في اقتصادها الوطني.

وعلى ذلك، يُسلّط هذا التقرير الضوء على أبرز نصوص قانون الثروات الباطنية، ومستوى التنظيم القانوني لقطاع النفط السوري، وتأثير هذه اللوائح في جذب الاستثمارات وتسهيل عمليات الاستخلاص والنقل.

الإطار القانوني المنظم لقطاع النفط في سوريا

بصفته الإطار القانوني المنظم لقطاع النفط في سوريا، تُحدّد مواد قانون الثروات الباطنية حقوق وواجبات الدولة والمستثمرين في هذا القطاع، وتنظّم عملية استكشاف واستخراج واستثمار الموارد الباطنية، مثل المعادن والمواد الخام.

حقول النفط في سوريا

وتتضمن النقاط الرئيسة للقانون ما يلي:

  • ملكية الموارد: الثروات الباطنية جميعها الموجودة في الأراضي السورية أو المياه الإقليمية تُعدّ ملكًا للدولة السورية، ولا يجوز لأيّ جهة استغلالها دون موافقة حكومية.
  • التراخيص والاستثمار: يُشترط الحصول على ترخيص أو موافقة من الجهات المختصة، مثل وزارة النفط والثروة المعدنية، لممارسة أيّ نشاط متعلق بالبحث أو الاستكشاف أو الاستخراج، وينظّم القانون آلية وشروط منح التراخيص للشركات الوطنية والأجنبية.
  • الضرائب والرسوم: يفرض قانون الثروات الباطنية على المستثمرين دفع رسوم استثمار أو نسبة من الأرباح للدولة، مقابل استغلال الموارد الباطنية.
  • النقل والتصدير: يحدد القانون آليات نقل النفط والغاز عبر شبكات وطنية أو تصديره إلى الأسواق الخارجية، مع فرض ضرائب ورسوم على عمليات التصدير.
  • المحافظة على البيئة: يلتزم المستثمرون باتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على البيئة، ومنع التلوث الناجم عن الأنشطة التعدينية.
  • العقوبات: تُفرض عقوبات صارمة على من يقوم بأنشطة استكشاف أو استخراج دون ترخيص، أو على من يخلّ بالتزامات العقد المُبرم مع الدولة.
  • تشجيع الاستثمار: يهدف قانون الثروات الباطنية إلى جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية لتطوير قطاع الثروة المعدنية، مع مراعاة تحقيق مصلحة الدولة.

الثروات الباطنية في سوريا

يتصدر النفط الثروات الباطنية في سوريا، وتقع آباره أساسًا في محافظتي الحسكة ودير الزور، ويكرَّر محليًا في مصفاتي حمص وبانياس.

قبل عام 2011، كانت سوريا تصدّر نحو 150 ألف برميل يوميًا من النفط الخام، لكن الانخفاض الحادّ في الإنتاج، خلال سنوات الحرب، بما يتجاوز 300 ألف برميل يوميًا، حوّل سوريا إلى بلد مستورد لنحو 90% من احتياجاته بما يُقدَّر بـ160 ألف برميل يوميًا.

ويرصد الرسم البياني التالي -الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة- إنتاج سوريا من النفط الخام والمكثفات والسوائل الغازية منذ عام 1968 حتى 2023:

إنتاج النفط في سوريا

ويُعدّ الغاز الطبيعي، المتركز في محافظات الحسكة وإدلب وحمص ودير الزور، ثاني الثروات الباطنية في سوريا، وانخفض إنتاجه إلى 3 مليار متر مكعب العام الماضي 2023، من نحو 8.4 مليار متر مكعب، عام 2010، وفق بيانات قطاع الغاز السوري لدى منصة الطاقة المتخصصة.

أمّا ثالث الثروات الباطنية فهو الفوسفات، الذي يبلغ الاحتياطي الجيولوجي السوري منه نحو 1.8 مليار طن، الذي وصل إنتاجه في عام 2010، إلى نحو 3.7 مليون طن.

وكما هو حال الثروات والموارد السورية من النفط والغاز، تراجعت كمية الفوسفات المنتَجة لتصل في عام 2015، إلى نحو 597 ألف طن، لكنه عاود الارتفاع لاحقًا بدعم استثمارات الشركات الروسية والإيرانية، ليصل إلى مليونَي طن، في عام 2022.

مستوى التنظيم القانوني في قطاع النفط السوري

عند مقارنة التشريعات المنظمة لقطاع النفط والغاز في سوريا بتلك المعمول بها في دول عربية أخرى مثل الإمارات أو السعودية أو الجزائر، يظهر أن سوريا تتّبع نظامًا تقليديًا في تنظيم قطاع النفط، مع افتقار واضح إلى تحديث اللوائح بما يتماشى مع المعايير الدولية.

على سبيل المثال، تعتمد الإمارات على إطار قانوني متطور يدعم الشراكات بين القطاعين العام والخاص، ويمنح المستثمرين الأجانب امتيازات طويلة الأجل ضمن عقود مشاركة الإنتاج، كما تتيح القوانين الإماراتية مرونة عالية للشركات في الاستكشاف والتطوير، مما يعزز بيئة الأعمال.

حقل كونكو للغاز في سوريا
حقل كونكو للغاز في سوريا – الصورة من الأناضول

ومن جهتها، توفر الجزائر نموذجًا تنظيميًا يعتمد على قانون المحروقات لعام 2019، الذي يسعى إلى جذب الاستثمارات الأجنبية من خلال تقليل الضرائب وتقديم حوافز جديدة، ويتيح للشركات الأجنبية الدخول في شراكات إستراتيجية مع الدولة.

في المقابل، يعاني قطاع النفط السوري من قوانين أقل مرونة، إذ يواجه المستثمرون تحديات تتعلق بالإجراءات البيروقراطية، وغياب الضمانات القانونية الكافية، كما أن العقوبات الدولية تعمق من هذه المشكلات، ما يقلل من فرص جذب الاستثمارات الأجنبية.

وتمثّل اللوائح القانونية في سوريا تحديًا أمام جذب الاستثمارات الأجنبية في قطاع النفط، ويعود ذلك إلى عدّة عوامل:

  • البيروقراطية المعقّدة: تعوق الإجراءات الطويلة الحصول على التراخيص في الوقت المناسب، مما يدفع الشركات للبحث عن فرص في أسواق أخرى أكثر تنظيمًا.
  • غياب الحوافز: لا يقدّم قانون الثروات الباطنية حوافز كافية لتشجيع الاستثمارات الأجنبية، مثل الإعفاءات الضريبية أو الضمانات القانونية طويلة الأجل.
  • التحديات السياسية والأمنية: تؤثّر الحالة السياسية غير المستقرة بشكل كبير في قدرة الحكومة على تنفيذ قوانينها بفاعلية، ما يقلل من ثقة المستثمرين.
  • التأثير البيئي: على الرغم من النصوص المتعلقة بحماية البيئة الواردة بقانون الثروات الباطنية، يظل الالتزام بالمعايير البيئية ضعيفًا، ما يُضعف من سمعة القطاع أمام المستثمرين العالميين.

يعكس ذلك حاجة سوريا إلى إجراء تحديث شامل لقانون الثروات الباطنية ليتماشى مع المتغيرات العالمية، وينبغي على الحكومة الجديدة العمل على:

  • تحسين البيئة الاستثمارية من خلال تقديم حوافز ضريبية وقانونية.
  • تسهيل الإجراءات البيروقراطية المرتبطة بالتراخيص.
  • تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، مع التركيز على الاستدامة.
  • مراجعة السياسات البيئية لضمان التوافق مع المعايير الدولية.
منشأة لاستخراج النفط بمنطقة الرميلان في محافظة الحسكة السورية
جنود أميركيون في منشأة لاستخراج النفط بمنطقة الرميلان في محافظة الحسكة السورية – المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية

ومن خلال هذه الإصلاحات، يمكن لسوريا أن تعزز من جاذبية قطاع النفط لديها، وتعيد بناء الثقة مع المستثمرين الأجانب، ما يسهم في تطوير قطاع الثروات الباطنية وتحقيق النمو الاقتصادي المستدام.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

المصادر..

  1. قانون الاستثمار رقم 18 لعام 2021 من موقع هيئة الاستثمار السورية.
  2. القانون 26 لعام 2009 أحكام استخراج واستثمار الخامات والمواد المقلعية من موقع المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية.
  3. التعليمات التنفيذية للقانون رقم 7 لعام 2017 من موقع المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية.
إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.

رابط المصدر

شاركها.