يعتمد قطاع الطاقة الشمسية في الصين بشدة على غزارة الموارد المالية في مراحله كافة، بدءًا من الاستثمار والبناء والتشغيل وحتى إدارة المحطات.
ولجأت الشركات إلى أدوات مثل الاكتتاب في بورصتي شنتشن وشنغهاي والسندات الخضراء والقروض المصرفية من بين أخرى من أجل توفير الموارد المالية الضرورية لدفع نمو القطاع الكبير، مع الأخذ في الحسبان اختلاف أدوات التمويل بناءً على حجم المشروع، سواء كان محطة كهرباء أو مرافق الطاقة الشمسية الموزّعة للأغراض التجارية والصناعية أو التركيبات المنزلية.
وفي “تحول جذري”، سجّل قطاع الطاقة الشمسية في الصين نموًا باهرًا؛ لينتقل مركز القطاع الذي كان محصورًا على الغرب، وخاصة داخل جامعات وشركات التكنولوجيا الأوروبية، إلى الصين العملاقة العالمية حاليًا، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).
وبينما استفادت الصناعة من التمويل الضخم على مدار العقدين الماضيين لتُسهم في تحقيق أهداف الكهرباء النظيفة وخفض انبعاثات الكربون، كان لوفرة تلك الأدوات وسهولة الحصول عليها تأثير سلبي تَمثَّل في تراجع الأسعار بصورة غير مستدامة، وكبّد الصناعة خسائر غير ضرورية.
وتسبَّب ذلك الوضع في تحجيم قدرة الصين على استمرار دعم أنظمة الطاقة المتجددة، وأصبح الحفاظ على مستوى الدعم المالي أكثر صعوبة مع الزيادة في تركيبات الطاقة النظيفة.
نمو الطاقة الشمسية في الصين
كشفت بيانات جمعية صناعة الطاقة الكهروضوئية الصينية (CPIA) أن حصة البلاد من الإنتاج العالمي للمكونات الرئيسة مثل البولي سيليكون ورقائق السيليكون والخلايا الشمسية والوحدات الكهروضوئية تجاوزت 80% في العام الماضي (2023).
وتقول وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات، إن الصين في 2023 شكّلت أكثر من 90% من الإنتاج العالمي للبولي سيليكون و98% من الرقائق الشمسية وأكثر من 85% من الخلايا الشمسية وأكثر من 80% من الوحدات الكهروضوئية.
وسجلت الإدارة الوطنية الصينية للطاقة ربط 217 غيغاواط من قدرات الطاقة الشمسية بشبكة الكهرباء، ما يمثّل 56% من الإجمالي العالمي.
ولاقى نمو الصناعة دعمًا كبيرًا من السياسات الحكومية على المستوى الوطني وبالمقاطعات والسوق الحرة والمفتوحة وتركيز الشركات على التكنولوجيا.
وركّزت استثمارات رأس المال أولًا على بناء سلسة كاملة بدءًا من قدرات إنتاج البولي سيليكون والرقائق والخلايا والوحدات والمكونات الثانوية مثل المحولات والزجاج الشمسي، وأيضًا في قطاع البحوث والتطوير وتنمية المواهب وإقامة شبكات مبيعات قوية، بوساطة أسهم رأس المال.
ومن خلال الخطط والتوجيهات الحكومية، أقامت شركات الطاقة الكبرى المملوكة للدولة في المرحلة التالية مشروعات ضخمة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، وتضمَّن ذلك بناء شبكات النقل عالية الجهد وأنظمة تخزين الكهرباء وإقامة قواعد طاقة متجددة متكاملة في شمال الصين، وكان تمويل ذلك بوساطة القروض المصرفية التي يسرّها الدعم الحكومي على مستويات مختلفة.
آثار سلبية لوفرة التمويل
دعمت الوفرة في قنوات تمويل مشروعات الطاقة الشمسية في الصين استمرار تدفُّق الأموال، ما حفّز النمو السريع، لكن تلك الزيادة بالاستثمارات رفعت مستوى المخاطر، ما أدى ظهور حالات فرط الإنتاج وظروف السوق المتقلبة.
ومنذ عام 2020، ضُخَّت رؤوس مال ضخمة في صناعة الطاقة الشمسية عبر أدوات تمويل مختلفة، بدعم من التوقعات الإيجابية لقطاع الطاقة النظيفة وسط جهود خفض انبعاثات الكربون والتزام الصين بتحقيق الحياد الكربوني، ما أدى إلى زيادة غير مسبوقة من الاستثمارات لزيادة قدرات الإنتاج.
وبحسب تحليل لإعلانات الشركات المُدرجة بالبورصة بين عامي 2020 ونهاية 2023، جمعت الصين أكثر من 2.3 تريليون يوان لزيادة قدرات الإنتاج، منها 700 مليار للبولي سيليكون و280 مليار لسبائك ورقائق السيليكون و820 مليار للخلايا والوحدات الشمسية و490 مليار لمكونات منها الزجاج الشمسي، وفق ما ورد في تقرير لمنصة “بي في ماغازين” (pv-magazine).
(اليوان= 0.14 دولارًا أميركيًا).
انهيار الأسعار
بسبب فرط الإنتاج الشديد كانت حرب الأسعار أمرًا لا مفر منه، ومنذ الربع الأول من العام الماضي (2023)، بدأت الأسعار بالتراجع في كل قطاعات الصناعة.
وفي أبريل/نيسان 2024، انخفض سعر العطاء للوحدات الكهروضوئية المستعملة في المحطات الشمسية المثبتة على الأرض إلى قرابة 0.85 يوانًا لكل واط، في انخفاض نسبته 55% عن 1.9 يوان للواط في بداية 2023.
وأثّر انهيار الأسعار بشدة في هوامش أرباح الشركات، ما أدى إلى تراجع كبير بأداء سوق أسهم صناعة الطاقة الشمسية في الصين خلال 2023.
وانخفضت بصورة حادّة أسعار أسهم كبار اللاعبين ومنهم شركات لونغي (Longi) وترينا سولار (Trina Solar) بنسبة تجاوزت 50%، وهو ما كان له “تأثير الدومينو” في طرق تمويل المشروعات.
كما أثّر الانخفاض في أسعار الأسهم سلبًا في قدرة الشركات على تأمين القروض من المصارف، وصعّبت ظروف السوق استمرار الشركات في خيارات إعادة التمويل، ما أدى لإلغاء عدد كبير من الخطط التي حصلت على موافقات، وقررت شركات عديدة سحب طلبات للبورصة للاكتتاب العام لتجنُّب طرح الأسهم بأسعار أقل من المتوقع.
ووفق بيانات بورصتي شنغهاي وشنتشن، فقد قررت أكثر من 30 شركة تعليق وتأجيل -أو إلغاء- خطط لإعادة التمويل بقيمة 26.5 مليار يوان منذ الربع الأخير من 2023.
وسحبت شركة “آيسوي” لمحولات الطاقة الشمسية (Aiswei) طلبات الاكتتاب العام، وأوقفت عملية الطرح بالبورصة لتخفيف آثار تباطؤ السوق.
ومع ذلك، لم يؤدِّ انخفاض أسعار الأسهم في سوق تركيبات الطاقة الكهروضوئية، وحافظت شركات طاقة كبرى على شراكات ائتمان قوية مع البنوك الحكومية.
ورغم التحديات، أحرزت شركات تقدمًا سريعًا في أهداف تركيب الوحدات الكهروضوئية، لكن المشكلة الوحيدة هي عدم الربط بالشبكة.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..