مع تفاقم أزمات تغير المناخ، وحاجة كل دول العالم إلى مزيد من مصادر الطاقة لتشغيل محطات الكهرباء، ولا سيما الغاز في صورتَيْه الطبيعية والمسالة، بجانب مصادر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، لجأت بعض الولايات الأميركية إلى استيراد الغاز المسال.
ويوضح مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، أن منطقة نيو إنغلاند في أميركا، التي تضم ولايات مثل نيويورك، لم تتمكن من استيراد الغاز المسال من الداخل، رغم أن الولايات المتحدة أكبر مصدر له في العالم.
وقال الحجي -خلال حلقة من برنامجه “أنسيّات الطاقة“، قدّمها على منصة “إكس” (تويتر سابقًا)، بعنوان “سياسات المناخ والذكاء الاصطناعي: زيادة الطلب على نفط الخليج وغازه”-، إن العقبة تتمثّل في قانون قديم يُسمى “قانون جونز”.
ويُعد هذا القانون القديم، وفق الحجي، مخصصًا لحماية الملاحة الأميركية وأصحاب السفن، لذلك فهو يمنع السفن الأجنبية من نقل البضائع بين المواني الأميركية، إذ يجب أن تكون السفن مملوكة للولايات المتحدة.
اللجوء إلى قطر والجزائر للاستيراد
قال مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة الدكتور أنس الحجي، إنه بما أن أميركا -رغم كونها أكبر منتج ومصدر للغاز المسال في العالم- لا تملك ناقلة واحدة للغاز المسال، لذلك يتطلب النقل من خليج المكسيك شمالًا إلى نيويورك أو بوسطن، ناقلة أجنبية، وهذا ممنوع بقوة القانون.
لذلك، يشترون الغاز من ترينيداد وتوباغو أو من قطر والجزائر، ولكنهم لا يستطيعون شراءه من هيوستن بكل بساطة، لذلك تضطر هذه الولايات إلى شراء الغاز المسال من دول أخرى، في حين لا يمكنها شراؤه محليًا.
وأضاف الدكتور أنس الحجي: “المشكلة أن هناك منافسة شديدة على الغاز عندما تحدث موجة حر بسبب تغير المناخ في كل مكان، سواء في الصين أو أوروبا، ترتفع أسعار الغاز المسال بصورة كبيرة، حينها لا يمكنهم استيراده، فيقتضي الحل اللجوء إلى محطات الكهرباء العاملة بالنفط التي أغلقوها منذ زمن بعيد.
وأوضح الحجي، أن الأميركيين كانوا قد أغلقوا هذه المحطات ووضعوها جانبًا، والآن يعودون إليها، إذ قفز استعمال النفط في بعض الأوقات خلال العامين الماضيين، من صفر إلى 40% من إنتاج هذه المنطقة من الكهرباء.
وتابع: “كل ما كانوا يفعلونه كان هدفه حماية البيئة أو محاربة تغير المناخ، فرفضوا التنقيب عن الغاز، وكذلك رفضوا بناء الأنابيب، ورفضوا شراء الغاز المسال من هيوستن بسبب القانون، والآن يحرقون النفط، الذي يزيد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ويعودون إلى نقطة الصفر مرة أخرى”.
تغير المناخ ومصادر الطاقة المتجددة
قال خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، إن الأزمة حاليًا تُعد معقدة بصورة أكبر، لأن هناك محطات طاقة شمسية ومحطات طاقة رياح، وهناك كذلك موجة حر شديدة.
وأضاف: “عندما تكون هناك موجة حر شديدة، لا تكون هناك رياح، لأنه في حال هبوب عواصف فلن يكون الجو حارًا، وهو ما يؤدي إلى وضع مزارع الرياح جانبًا”.
بالإضافة إلى ذلك، وفق الدكتور أنس الحجي، في وجود موجة الحر تزيد الرطوبة بصورة كبيرة، وهو ما يؤدي إلى انخفاض كفاءة الألواح الشمسية، فالمناطق أغلبها بحرية.
وهنا، يكمن الحل في الغاز، وما دام أنه ليس متوفرًا فيجري الاعتماد على النفط، على الرغم من أنه يخالف كل سياسات تغير المناخ المعروفة، وهو الأمر الذي لا يمكن وصفه إلا بـ”الجنون المناخي” غير المعقول.
ولفت الحجي إلى مشكلة أكبر، وهي أنه من ضمن الأمور المعروفة في هذه المنطقة، اعتمادهم على الطاقة الكهرومائية، في الأنهار والسدود، وعندما يكون هناك حر شديد بسبب تغير المناخ يحدث جفاف وينخفض مستوى المياه في الأنهار والسدود، فينخفض إنتاج الكهرباء.
وأوضح أن البعض هناك يطرحون فكرة استيراد الكهرباء من كندا في الشمال، إذ إنها لديها أنهار ضخمة وإنتاج كبير للكهرباء من الطاقة المائية وبأسعار رخيصة، ولكن هذا الأمر بدوره يُعد جنونًا مناخيًا، لأنه لا يجب الاعتماد على دولة أخرى في الكهرباء، لأنها مسألة أمن قومي.
وتابع: “سياسات تغير المناخ هذه أدت إلى زيادة التنافس بين مصادر الطاقة بصورة كبيرة، وهو أمر له انعكاسات كثيرة، لكن هذا لا يقتصر على شمال غرب الولايات المتحدة، إذ إن الصين تُعد مثالًا، فعندما يكون هناك حر شديد لا يمكنها استعمال طاقة الرياح أيضًا”.
بدائل الطاقة المتجددة في الصين وتكساس
قال مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) الدكتور أنس الحجي، إن ولاية تكساس لديها أكبر طاقة رياح مركبة في أميركا الشمالية، وكلها من المفترض في الحالة العادية أن تنتج نحو 20% من الكهرباء المنتجة في الولاية، في حين بحلول منتصف اليوم لا يتجاوز الإنتاج 2%، والبديل يأتي من الغاز والمصادر الأخرى مثل الفحم.
وتواجه الصين، وفق الحجي، المشكلة نفسها، إذ عندما يكون هناك حر شديد يحتاجون إلى مصدر طاقة، لأنه بسبب زيادة الضغط على الكهرباء يزيد الضغط على الشبكة، ومن ثم تزيد نسبة استعمال الغاز.
وأوضح الدكتور أنس الحجي، أن مشكلة الصين واقتصادها أنه حساس جدًا لأسعار النفط والغاز المسال، فإذا بلغ حدًا معينًا، يتوقفون عن الشراء، ومع ارتفاع الحرارة بصورة شديدة بسبب تغير المناخ، تجبر الحكومة محطات الكهرباء العاملة بالفحم على التوقف.
وأضاف: “من زار المدن الصينية يعرف هذا الأمر، إذ يصبح هناك نوع من الاحتباس داخل المدن، حتى التنفس يكون صعبًا، وتصبح الرؤية شبه معدومة على مسافة 100 إلى 200 متر، لذلك توقف الحكومة المحطات العاملة بالفحم، فتنقطع الكهرباء، وتتوقف المصانع”.
ولفت إلى أن هذا الأمر دفع أصحاب المصانع تاريخيًا إلى الاعتماد على ما يسمى “التوليد الخاص”، وهو شراء مولدات كبيرة بحجم غرفة متوسطة الحجم، وتشغيلها بالديزل أو زيت الوقود، وتشغيلها 24 ساعة، ولكن هذا الأمر بدوره يزيد الطلب على الوقود، كما يزيد التلوث.
وتابع: “أنت في الأصل بدأت العمل بطاقة الرياح لخفض التلوث ومكافحة تغير المناخ، والآن توقفت الرياح فمشيت في سلسلة البدائل حتى وصلت إلى مرحلة أصبحت انبعاثات الكربون تزيد خلالها، بسبب التنافس بين مصادر الطاقة”.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..