يواجه الغاز المسال الروسي مطالب جديدة بحظره أوروبيًا، ورغم أن المطلب ليس بالجديد في حدّ ذاته، فإن طرحه من قبل دولة ضمن كبار المستوردين أثار جدلًا واسعًا.
ويبدو أن السحر انقلب على الساحر، إذ دعت بلجيكا دول الاتحاد الأوروبي لضرورة الاتفاق على الحظر بصفته قانونًا مشتركًا ومُلزمًا في الوقت ذاته، رغم أن المقترح لم يقابَل بالصرامة والجدّية ذاتها التي واجهها النفط والفحم الروسيان حتى الآن.
وبحسب متابعة منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) لبيانات الصادرات، توسّطت بلجيكا -صاحبة دعوة الحظر- قائمة أكبر 10 مستوردين أوروبيين للغاز المسال خلال النصف الأول من العام الجاري 2024.
وبالفعل، كان نهج الاتحاد الأوروبي أكثر تشددًا مع واردات النفط والفحم من موسكو في أعقاب اندلاع الحرب الأوكرانية، إذ بدأت بحظر الفحم في أغسطس/آب 2022، وبحلول نهاية العام ذاته، اتفقت دول الاتحاد مع مجموعة الدول الـ7 وأستراليا على فرض سقف سعري لشحنات نفط موسكو المنقولة بحرًا.
وبقي ملف الغاز المسال بعيدًا عن أيدي العقوبات في ظل عوامل ضغط عدّة واجهتها دول القارة العجوز، من بينها: وقف ضخ الغاز الروسي المنقول عبر خطوط الأنابيب، خاصة من نورد ستريم، وارتفاع أسعار السوق الفورية، بالتوازي مع زيادة الطلب على الكهرباء والتدفئة في فصل الشتاء.
طلب بلجيكا
حلّت بلجيكا في المرتبة الثانية لقائمة أكبر مستوردي الغاز المسال الروسي العام الماضي 2023، بعد إسبانيا، حسب بيانات كبلر.
وبلغت حصة بلجيكا من واردات الغاز المسال الأوروبية (سواء من روسيا أو غيرها) 5.12 مليون طن خلال النصف الأول من العام الجاري، حسب بيانات تقرير “مستجدات أسواق الغاز المسال العربية والعالمية في النصف الأول من 2024″، الصادر عن وحدة أبحاث منصة الطاقة.
ويُشير ذلك إلى تبنّي بلجيكا مقترح حظر الغاز المسال الروسي، رغم اعتمادها القوي على الوقود.
ويوضح الرسم البياني -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- ترتيب أكبر المستوردين الأوروبيين للغاز المسال، وموقع بلجيكا وهولندا:
وتثير البيانات الجدل، خاصة مع تأكيد وزيرة الطاقة البلجيكية، تين فان دير سترايتين، أن حظر الغاز المسال من روسيا يجب أن يبدأ بقرار من الاتحاد الأوروبي بالكامل.
وأرجعت سترايتين ذلك إلى ضرورة رفع الحرج عن الشركات الملتزمة بعقود توريد طويلة الأجل، خاصة أن الواردات آخذة في الارتفاع.
وأشارت إلى حتمية تحجيم الواردات عبر أسس راسخة قانونيًا تطبَّق على شركات المنطقة، وفق تصريحاتها إلى فايننشال تايمز(Financial Times).
وقالت الوزيرة، إن دول الاتحاد اتفقت على حزمة قواعد تقيّد استعمال شركات الطاقة الروسية البنية التحتية الرئيسة للدول الأوروبية، لكن هذه القواعد لم تحدد تداعيات قانونية للشركات المخالفة.
معضلة العقود
ضربت وزيرة الطاقة البلجيكية، تين فان دير سترايتين، مثالًا على ذلك بعدم التزام شركات الطاقة والشحن المتعاملة مع ميناء زيبروغ البلجيكي بمحددات قانونية، واستمر تلقّي الميناء الواردات بوصفه مركزًا رئيسًا للاستيراد وإعادة التصدير.
ولا تقتصر الأزمة -من وجهة وزيرة الطاقة البلجيكية- على تعامل البنية التحتية الأوروبية مع الغاز المسال الروسي فقط، لكن المعضلة الأكبر تكمن في العقود.
ورأت تين فان دير سترايتين أن قواعد الاتحاد المتفق عليها نهاية العام الماضي لم تلزِم المستوردين الأوروبيين بتقليص مدة عقود استيراد الغاز المسال من موسكو، التي تصل مدتها إلى عقد أو ما يزيد عن ذلك، مع بعض الشركات.
وكانت شركات أوروبية قد وقّعت عقودها قبل اندلاع الحرب الأوكرانية عام 2022، ما يجعلها مضطرة للالتزام مع موسكو في حالة عدم صدور قانون أو تشريع واضح من قبل الاتحاد الأوروبي يحظر ذلك.
وأوضحت سترايتين أن تشريعات الغاز المحلية الخاصة ببلجيكا لم تكن كافية لتقييد الواردات، وإلزام الشركات بإنهاء تعاقدها مع موسكو، ما يجعلها مستمرة في تلقّي الشحنات.
وقالت، إن الحل الأمثل يتمثل في سياسة أوروبية موحدة، وحظر شامل من الاتحاد الأوروبي، يشمل الشركات ويمنحها صلاحية فسخ عقودها المبرمة مع الجانب الروسي.
إجراءات بديلة
تورّط ميناء زيبروغ البلجيكي في استقبال غالبية واردات الغاز المسال الروسي، خلال العام الماضي.
وفي ظل مواصلة الواردات ارتفاع، حثّت الوزيرة “تين فان دير سترايتين” دول الاتحاد على فتح المجال أمام بدائل أخرى لمصادر الطاقة، تتضمن تعزيز الطاقة المتجددة محليًا.
واقترحت التنسيق بين دول الاتحاد في عطاءات عقود الرياح البحرية، لتعزيز حالة اليقين لدى المصنّعين.
وكانت بلجيكا قد طرحت الشهر الجاري مناقصة لمشروع تطوير مزرعة رياح في بحر الشمال بقدرة 700 ميغاواط، باستثمارات تصل إلى 682 مليون يورو (760.5 مليون دولار أميركي).
(اليورو = 1.12 دولارًا أميركيًا)
وحاولت بلجيكا تعزيز التطوير الإقليمي، باشتراط أن يكون المطورون من ذوي الخبرة في أوروبا لحماية مطوري الاتحاد من المنافسة الصينية.
وألزمت المناقصة المشاركين بطرح إجراءات تضمن تزويد المستهلكين الأوروبيين بالكهرباء المتجددة بأسعار منخفضة، وهو الشرط الأول من نوعه بين دول الاتحاد.
هولندا تشنّ الحرب
لا يعدّ مطلب حظر الغاز المسال الروسي في دول الاتحاد الأوروبي بالكامل بلجيكيًا فقط، إذ قررت هولندا الانضمام إليها أيضًا، وتعتزم وزيرة المناخ “صوفي هيرمانز” طرح المطلب خلال اجتماع وزراء طاقة الاتحاد المقرر شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
وتشكو هيرمانز من تزايد عدد الناقلات المحمّلة بالغاز المسال الروسي الراغبة في إفراغ حمولتها بميناء روتردام، مشيرة إلى أن عدد الناقلات شهد زيادة لافتة للنظر العام الجاري -خاصة فصل الصيف- بنحو ناقلتين شهريًا.
وتُقدَّر حمولة الناقلة بما يتراوح بين 70 و80 ألف طن من الغاز المسال.
واتفقت هيرمانز مع الوزيرة البلجيكية أن الحل الأمثل والوحيد لتقليص الواردات من موسكو يتمثل في إنهاء عقود الشركات -التزامًا بحظر شامل من الاتحاد الأوروبي- دون تعريضها إلى عقوبات الإخلال بالاتفاق.
وحلّت هولندا في المرتبة الثالثة ضمن أكبر الدول الأوروبية المستوردة للغاز المسال (من روسيا أو غيرها) خلال النصف الأول من العام الجاري، بواردات بلغت 7.19 مليون طن، وفق بيانات تقرير وحدة أبحاث الطاقة.
سيناريوهات محتملة
يضم التكهن بإمكان إقدام الاتحاد الأوروبي على حظر الغاز المسال الروسي احتمالات عدّة، فمع بداية تصاعد الحرب والعقوبات، أوصت بروكسل دول الاتحاد بتقليص اعتمادها على الوقود الأحفوري الروسي.
ورغم ذلك، لم تتضمن هذه التوصية آنذاك تشريعات تحظر إعادة تصدير أو استيراد شحنات الغاز المسال، وتأخرت هذه التشريعات حتى تمّ الاتفاق عليها في يونيو/حزيران الماضي، دون بدء التنفيذ حتى الآن.
ورغم المساعي التي تقودها بلجيكا وهولندا حاليًا مع نمو الواردات، فإن الوصول لاتفاق يحمل تأييدًا جماعيًا للحظر يعدّ أمرًا بعيد المنال، خاصة في ظل معارضة المجر لهذه الإجراءات.
وفي الوقت الذي تبدو به معارضة المجر علنية، هناك بيانات وعلاقات أخرى غير معلنة تُشير إلى تحفظات حول فرض الاتحاد الأوروبي حظرًا كاملًا على غاز روسيا المسال.
ودعا محللون إلى ضرورة الإفصاح عن بيانات مبيعات الغاز المسال الروسي داخل أوروبا، والوجهات التي يعاد نقله منها وإليها، لضمان الشفافية في الموافقة على الحظر أو معارضته.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..