لأول مرة، يهتم العلماء ببحث سبل التخلص من التلوث الناجم عن مواقد الغاز بالمنزل، بعدما اهتموا لعقود بتنظيف قطاعات السيارات والمصانع ومحطات توليد الكهرباء.
وبحسب نتائج الدراسة، التي أعدّتها جامعة ستانفورد الأميركية واطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة (مقرها واشنطن)، يحمل الطهي باستعمال مواقد الغاز آثارًا في صحة الإنسان؛ إذ يُطلق غاز ثاني أكسيد النيتروجين المصاحب أيضًا لعمليات حرق الفحم والغاز الطبيعي، وتؤدي للإصابة بالربو وأمراض الجهاز التنفسي الأخرى.
وتتجاوز معدلات التعرّض قصيرة الأمد لثاني أكسيد النيتروجين من مواقد الغاز التقليدية المستويات التي حدّدتها منظمة الصحة العالمية ووكالة حماية البيئة الأميركية.
وعلى نحو خاص؛ فالمواطنون الأشد فقرًا وجماعات الأقليات العرقية معرّوضون أكثر للتلوث الناجم عن مواقد الغاز.
ويقول الباحثون إن مواقد الغاز والبروبان تُسهم في وفاة 19 ألف شخص سنويًا، إضافة إلى 200 ألف حالة إصابة بالربو بين الأطفال وأضرار اجتماعية تصل إلى مليار دولار.
خطورة مواقد الغاز
كشفت دراسات سابقة عن أن مواقد الغاز ينبعث منها غاز ثاني أكسيد النيتروجين وأول أكسيد الكربون بمعدلات تعدّها وكالة حماية البيئية الأميركية ومنظمة الصحة العالمية “غير آمنة” على صحة البشر.
والدراسة الجديدة هي الأولى التي تقيس مستويات التلوث بثاني أكسيد النيتروجين جراء استعمال مواقد الغاز من حيث نوع المنازل والعرق ومستوى الدخل وعادات الطهي وحساب تكلفة حالات الإصابة بالربو بين الأطفال والتي يمكن الوقاية منها.
وتضمّنت الدراسة المنشورة على موقع مجلة “ساينس أدفانس” العلمية (science Advance) بناء نموذج لتقييم مستويات تركيز ثاني أكسيد النيتروجين الناتج عن إشعال مواقد الغاز؛ بحيث يجمع بين معايير النموذج الفيدرالي لجودة الهواء بالمنازل والقياسات الميدانية المجموعة من أكثر من 100 منزل بأحجام مختلفة في 5 ولايات أميركية.
ثم طبَّق الباحثون النموذج الجديد على 7 آلاف و632 منزلًا تحتوي على مواقد الغاز والبروبان والعاملة بالوقود المختلط، والتي كانت مُدرجة في مسح لإدارة معلومات الطاقة لعام 2022.
وقسّم الباحثون المنازل وفق شدة التعرّض لثاني أكسيد النيتروجين إلى 24 مجموعة تتراوح بين الاستوديو والمنزل متعدد غرف النوم.
وكشفت نتائج الدراسة عن أن الأسر الأميركية من أصل هندي والسكان الأصليين في ألاسكا هم الأطول تعرضًا لثاني أكسيد النيتروجين عند مستوى يفوق بأكثر من 60% المتوسط الوطني.
وفي المراكز التالية، جاء السود وذوو الأصول الإسبانية واللاتينية وتفوق معدلات تعرضهم للغاز الضار أكثر من 20% فوق المتوسط الوطني.
وبحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية، تتعرّض تلك المجموعات لنسبة أعلى بـ20% فوق المستويات الآمنة لغاز ثاني أكسيد النيتروجين.
كما تتعرّض الأسر التي يقل دخلها عن 10 آلاف دولار سنويًا لضعف مقدار التلوث الناتج عن مواقد الغاز مقارنة بالأسر التي يزيد دخلها على 150 ألف دولار سنويًا.
ولأن الغاز ينتشر بسهولة أكبر في المساحات الأصغر، كان تعرّض سكان المنازل التي تقل مساحتها عن 800 قدم مربعة، أكثر بـ4 أضعاف المنازل التي تزيد مساحتها على 3 آلاف قدم مربعة.
وأرجعت الدراسة الفوارق في التعرض للغاز وفقًا للعرق والدخل -جزئيًا- إلى الاختلاف في مساحة المنزل، وعوامل أخرى -لم تُقَس- مثل الاختلافات الاجتماعية في سلوكيات الطهي والتهوية والوقت الذي يقضيه المواطن داخل المنزل.
ما الحل؟
يقول أستاذ علوم الأرض في كلية دوير للاستدامة بجامعة ستانفورد روب جاكسون، إن معظمنا يقضي 90% من وقته أو أكثر داخل المنزل، لافتًا إلى الحاجة للإمساك بزمام الأمور والعمل من أجل تنظيف هواء المواطنين؛ لأنه هو الهواء الذي يتنفسه معظم الناس وتجاهلناه لعقود.
وأضاف: “قمنا بعمل جيد حقًا في هذا البلد لخفض التلوث الخارجي، لكننا تجاهلنا المخاطر التي يتعرّض لها المواطنون داخل المنازل. وهذا الهواء هو الذي نستنشقه معظم الوقت”.
ويقول معدو الدراسة إن التخلص من مواقد الغاز والبروبان هو الحل الأمثل بالنسبة للأفراد.
وبالنسبة لمن لا يقدرون على تحمل تكلفة الاستبدال الفوري أو ليس أمامهم خيار، يمكنهم شراء موقد الحث الحراري المحمول واستعمال مرشِّح الهواء وفتح النوافذ عند الطهي واستعمال الشفاط الذي ينقل الهواء من داخل المطبخ إلى خارجه.
غير أن تلك الاقتراحات مكلّفة، وهو ما قد يشكّل عائقًا أمام الحد من انبعاثات مواقد الغاز، ويمكن الاستعانة بالإعفاءات الضريبية التي يوفرها قانون خفض التضخم للمساعدة في شراء الموقد الكهربائي.
وشدد الباحثون على الحاجة لسن تشريعات أقوي لمساعدة أصحاب المنازل في التحول بعيدًا عن الغاز في المباني الجديدة.
يُشار هنا إلى أن حظر مواقد الغاز أشعل جدلًا سياسيًا في الولايات المتحدة، في العام الماضي (2023)، عندما تحدّث مسؤول بإدارة الرئيس جو بايدن عن المخاطر الصحية لمواقد الغاز، لكن سياسيين جمهوريين وحلفاءهم اتهموا الإدارة بالتجاوز والتخطيط للحظر الكامل لمواقد الغاز.
وفي الأسبوع المقبل، من المقرر أن يلتقي أعضاء مجلس النواب من الجمهوريين للتباحث حول مسودة قانون يُطلق عليه “ارفعوا أيديكم عن أجهزتنا المنزلية” الذي من المتوقع أن يفرض قيودًا على معايير وزارة الطاقة الخاصة باستعمال الطاقة في الأجهزة المنزلية ومنها مواقد الغاز.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..