يتصوّر كثير من مؤيدي سياسات تغير المناخ أن هناك حالة من العداء لمصادر الطاقة المتجددة، في حين الحقيقة أن هناك حاجة مستقبلية إلى كل مصادر الطاقة، مع مراعاة تحقيق التوازن بين أمن الطاقة وأمن البيئة.
وفي هذا الإطار، يوضح مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، أن التضحية بأمن الطاقة في سبيل أمن البيئة ستؤدي إلى حدوث عجز في إمدادات الطاقة، وحينها سيلجأ الناس إلى حرق الأشجار أو قطعها.
ولفت إلى أن هذه الإجراءات ستكون ضد أمن البيئة، وستخالف توجهات سياسات تغير المناخ، ومن ثم إذا لم يكن هناك أمن طاقة لن يكون هناك أمن للبيئة، وهو ما يشير إلى الضرورة الملحة لتحقيق التوازن بين الجانبين.
جاء ذلك خلال حلقة جديدة من برنامج “أنسيّات الطاقة“، الذي يقدّمه الدكتور أنس الحجي عبر مساحات منصة “إكس” (تويتر سابقًا)، يوم الثلاثاء من كل أسبوع، التي جاءت بعنوان: “متى سيصل الطلب العالمي على النفط إلى ذروته؟”.
أمن الطاقة وسياسات تغير المناخ
قال مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة الدكتور أنس الحجي، إن هناك مشكلة في المدن الكبيرة حول العالم، بما فيها المدن العربية، إذ إن هناك تلوثًا ضخمًا مكلف صحيًا جدًا، وهناك كثير من المرضى في المدن العربية وغيرها حول العالم بسبب التلوث.
وأضاف: “هناك حاجة إلى تخفيض هذا التلوث، حتى إذا لم تكن تؤمن بموضوع تغير المناخ على الإطلاق، فهناك مشكلة تلوث وتحتاج إلى حل، وأحد الحلول الأساسية لذلك هو السيارات الكهربائية في مناطق معينة، منها المدن”.
لذلك، بحسب الدكتور أنس الحجي، فإن المشكلة ليست في الطاقة الشمسية ولا طاقة الرياح أو السيارات الكهربائية، ولكن المشكلة في سياسات تغير المناخ المجحفة، التي تجبر الناس على اختيار تقنيات معينة يختارها السياسيون، الذين لا يعرفون أي شيء عن الهندسة أو الطاقة أو البيئة.
وتابع: “المشكلة في سياسات تغير المناخ المجحفة التي أفقرت أوروبا وجعلت نموها أقل من الصفر، التي جعلت السيارات الكهربائية المنتج الوحيد في تاريخ البشرية الذي تدعمه الحكومات أو دفع الضرائب في كل مراحل الإنتاج، وفي مراحل التسويق وللمشترين أيضًا”.
ولفت إلى أنه لا توجد أي منطقة في العالم تدعمها الحكومات على كل الجهات، إذ هناك منتجات تدعمها الحكومات في مرحلة الإنتاج، وهناك منتجات تدعمها الحكومات في مرحلة الاستهلاك، ولكن الدعم في المرحلتين لا تتلقاه سوى السيارات الكهربائية.
وأوضح أن هذا الدعم يأتي رغم عدم وجود قيمة جديدة، فالمؤشرات تقول إنه حتى إذا غيّر الاتحاد الأوروبي كل السيارات على أراضيه إلى كهربائية، وبفرض أن هناك تخفيضًا لثاني أكسيد الكربون، فإن الانبعاثات العالمية ستنخفض فقط بمقدار 2%.
وتابع: “الأمر نفسه ينطبق على الولايات المتحدة، التي إذا غيّرت كل شيء يتحرك، من قطارات وطائرات وقوارب وسفن ومعدات زراعية وسيارات وشاحنات وحافلات، وجعلته يعمل بالكهرباء، فإن هذا سيخفض انبعاثات الكربون العالمية بمقدار 4.6% فقط”.
وهذا يعني، وفق الدكتور أنس الحجي، أن كهربة كل شيء في أوروبا وأميركا لن تخفض الانبعاثات العالمية إلا بأقل من 7% فقط، وفي مقابل ذلك تدفع هذه الدول تريليونات الدولارات، لذلك فهناك مشكلة مع سياسات تغير المناخ وليس مع التقنيات.
وأردف: “نحن ضد السياسات ولسنا ضد التقنيات، نحن نريد سياسات حكيمة لتغير المناخ، توازن بين أمن الطاقة وأمن البيئة، بالإضافة إلى ذلك نريد أن نخفض التلوث البيئي في المدن، ولكن من خلال سياسات حكيمة”.
هل تؤثر سياسات تغير المناخ في الدول العربية؟
قال خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي إن من ضمن الأشياء التي سبق التركيز عليها، أن دول الغرب، خاصة الأوروبية، تريد بناء مزيد من مزارع الطاقة الشمسية ومزارع الرياح، في حين السياسيون ووسائل الإعلام يقولون إن هذا سيخفّض الطلب على النفط.
وأضاف: “بعض المعادين للعرب، بدأوا منذ زمن طويل، الترويج أن هذا سيؤدي إلى إفلاس الدول العربية ودول الخليج، وهذا الكلام غير صحيح وغير منطقي، ولكن للأسف هناك العديد من العرب يتبنون الفكرة الغربية نفسها، وكل منهم يتصور أنه خبير بهذا المجال، لأنه يتحدث عن البيئة”.
وأوضح الدكتور أنس الحجي، أن الحقيقة تتلخص في أن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح تستعملان في توليد الكهرباء، في حين النفط قلما يستعمل في توليد الكهرباء، وبالنظر إلى الدول الصناعية مثل الصين والهند، نجدها تمثّل أكثر من 80% من الطلب العالمي على النفط.
وتابع: “في أغلب هذه الدول، نجد أن نسبة توليد الكهرباء من النفط أقل من 1%، وهو ما يوضح أن أثر الطاقة الشمسية أو التوسع في مزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في النفط سيكون بسيطًا للغاية”.
ولفت إلى أن الطلب العالمي على النفط حاليًا بحدود 104 ملايين برميل يوميًا، في حين عدد البراميل التي تُحرق في محطات الكهرباء عالميًا لا يتجاوز 4.5 مليون برميل يوميًا، وأغلبها في الدول المنتجة للنفط والدول الفقيرة.
وأردف: “أوبك تتوقع أنه يمكن الاستغناء عن مليون برميل يوميًا منها لصالح الطاقة المتجددة على مدى 25 عامًا، في حين نحن في شركة (إنرجي أوتلوك أدفايزر) الأميركية توقعنا إمكان الاستغناء عن مليوني برميل يوميًا على مدى 25 عامًا”.
لذلك، وفق الدكتور أنس الحجي، فإن أثر الطاقة المتجددة في الطلب على النفط سيكون بسيطًا، وذلك على الرغم من أن لفظ “متجدد” غير واقعي، إذ ليس هناك شيء متجدد أو مستدام، إذ على الرغم من أن أشعة الشمس والرياح متجددة، فإن المزارع غير متجددة، وكل مشروع له عمر افتراضي.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..