على الرغم من تكرار محاولات التوقف عن تسعير النفط بالدولار، فإن كثيرًا من المحللين يرون صعوبة تطبيق هذا الأمر، لا سيما مع ارتباط الخام بالعملة الأميركية تاريخيًا، وتحول النفط إلى سلعة إستراتيجية عالمية، وصعوبة تداولها بعملات أخرى.
ويرصد مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، تاريخ ارتباط النفط بالدولار الأميركي، إذ إن المشكلة بدأت في سبعينيات القرن الماضي، عندما قررت الولايات المتحدة “حكومة نيكسون” تعويم الدولار.
وأوضح، خلال حلقة من برنامجه “أنسيات الطاقة“، قدّمها عبر منصة “إكس”، بعنوان “هل يتوقف تسعير النفط بالدولار؟ ما حقيقة انتهاء اتفاقية البترودولار بين السعودية وأميركا؟”، أن الدولار كان -تاريخيًا- مربوطًا بالذهب، ولكن فُصِل عنه منذ عام 1971 وحتى الآن.
ولفت إلى أنه مع فك الارتباط بين الدولار والذهب، بدأت العملة الأميركية تنخفض، والإشكال كان في تسعير النفط بالدولار، فالدول المنتجة وجدت أن القوة الشرائية للبرميل تنخفض مع انخفاض الدولار، فكانت هناك محاولات عديدة من دول أوبك للبحث عن بديل.
البحث عن عملات أخرى لتجارة النفط
يقول الدكتور أنس الحجي، إنه خلال مرحلة السبعينيات، كثرت تصريحات وزراء أوبك المطالبين بإيجاد بديل عن الدولار، إذ وعدوا بإيجاد بديل، لذلك من غير المستغرب الآن وجود من ينادون بإيجاد بديل لتسعير النفط بالدولار.
وأضاف: “أجرت أوبك دراسات عديدة، بعضها خاص وبعضها عام، أي إن بعضها لم يكن منشورًا علنًا، وموجود لدى أوبك فقط، ويطّلع عليه الباحثون، كما نسّقت المنظمة مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومؤسسات أخرى، لإيجاد حلول لمشكلة تراجع الدولار”.
وأوضح الدكتور أنس الحجي أن أمرين حدثا خلال هذه المدة، الأول أن دول أوبك قررت رفع أسعار النفط المعلنة بمقدار 70% قبل المقاطعة النفطية بيوم، والحديث هنا عن “السعر المعلَن”، لأن أسواق النفط كانت تحت سيطرة شركات النفط الكبرى بشكل شبه كامل، أو ما كان يسمى حينها “الأخوات الـ7”.
ولفت إلى أن هذه الشركات أصبحت 8 بعد إضافة شركة النفط الفرنسية إليها، وهذه الشركات كانت متكاملة رأسيًا، أي إن أعمالها تبدأ من الاستكشاف وتسيطر على كل شيء من الاستكشاف حتى بيع البنزين في محطات الوقود.
ومن ثم، وفق الحجي، لم يكن هناك سعر بالمعنى المعروف الآن، لأن الشركة نفسها تأخذ النفط وتنتجه ولا تبيعه في السوق، والنفط هنا مادة وسيطة لا تباع في السوق حينها، إذ كانت الشركة تأخذه لمصافيها التي تحوله لمنتجات نفطية، ويباع بصفة بنزين وديزل وشحوم ووقود طائرات ومواد أخرى.
وتابع: “حينها لم تكن تعرف الدول المنتجة، مثل السعودية والكويت والإمارات والدول الأخرى مثل العراق وإيران أو دول بقارات أخرى مثل فنزويلا وإندونيسيا، كيف ستأخذ حصتها من الأرباح، أو كيف ستحصّل الضرائب أو ستحصل على الريع”.
لذلك، بحسب الدكتور أنس الحجي، اتفقوا على أن السعر المعلّن لا يعكس بأيّ شكل من الأشكال السعر في السوق، لأن الأخير لم يكن موجودًا بالشكل المعروف الآن، لذلك قررت دول أوبك رفع السعر المعلن 70%، وشاركت كل دول أوبك.
وبالنسبة إلى السعودية، كان هناك خوف حقيقي، وهو خوف مستمر حتى الآن، من أن رفع أسعار النفط سيشجع التكنولوجيا التي ستؤدي إلى الاستغناء عن النفط، والحديث الآن عن السيارات الكهربائية، إذ إن رفع أسعار النفط بشكل كبير سيدعم الانتقال إلى السيارات الكهربائية.
فشل بدائل تسعير النفط بالدولار
قال خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، إنه خلال المدة نفسها، أجريت بحوث في منظمة أوبك على موضوع بدائل تسعير النفط بالدولار، وكان هناك شعور لدى كل الوزراء بشأن ضرورة إيجاد بديل، ولكن كل الدراسات عادت بنتيجة واحدة، وهي أن الدولار لا بديل له.
وأضاف: “هناك أمور أدت إلى استمرار أوبك في تسعير النفط بالدولار حتى الوقت الحالي، الأول أنه لا يوجد بديل، فالينّ الياباني والجنيه الإسترليني والمارك الألماني، كلّها تشهد المشكلات نفسها التي يشهدها الدولار، أي إن اللجوء لها سيجعلهم يعانون الأزمات نفسها”.
البديل الأخر، وفق الدكتور أنس الحجي، هو سلة العملات، ولكن في أيّ سلة عملات سنجد أن الدولار يستحوذ على نصيب الأسد، ومن ثم تبقى مشكلة الدولار، ولكن السلة نفسها لها مشكلة أخرى، إذ إن دول أوبك متناثرة حول العالم، وشركاؤها التجاريون مختلفون.
وتابع: “على سبيل المثال، 40% من تجارة إندونيسيا كانت مع اليابان، و50% من تجارة فنزويلا كانت مع أميركا، ومن ثم بعضهم يستفيد من السلة وآخرون يخسرون، لذا لا يمكن لدول أوبك الاتفاق على سلة، كما أن الأمر يتطلب تغيير السلة شهريًا حسب أوضاع التجارة العالمية وحسب فصول السنة، وهذا مكلف، ويؤدي إلى ذبذبات كبيرة في السوق”.
لذلك، وفق الحجي، لم يكن هناك حل سوى تسعير النفط بالدولار، فقررت دول أوبك النظر إلى موضوع وحدات السحب الخاصة من صندوق النقد الدولي، والتي كانت هناك ميول إلى تسعير النفط بها، ويتضح من ذلك أنهم لجؤوا إلى الدولار في كل الحالات، لأن وحدات السحب الخاصة تعدّ تسعيرًا نظريًا يحوز الدولار على نصيب الأسد منها.
لكن، بحسب الدكتور أنس الحجي، هناك مشكلة أخرى، وهي أنه في حالة الحاجة إلى المال، فهنا المساعدة تُقدَّم لوحدات السحب الخاصة، لكن في النهاية يُحصَل على المال بالدولار، ومن ثم فإن مشكلة الدولار باقية، ولا بديل عن تسعير النفط بالدولار”.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..