يبدو أن إنتاج النفط الليبي في طريقه إلى تسجيل أعلى مستوياته تاريخيًا، ليخرج بذلك من النفق المظلم الذي كان قد دخَله مع اندلاع الأحداث السياسية والعسكرية قبل 13 عامًا.
وفي هذا السياق، يقول مدير وحدة أبحاث الطاقة “مقرّها واشنطن” أحمد شوقي، إن ليبيا تعدّ لغزًا كبيرًا فيما يتعلق بالنفط، إذ لديها احتياطيات هائلة تتمنّاها أيّ دولة، تبلغ نحو 48 مليار برميل من النفط الخام، ويزيد ما تملكه من النفط الصخري على 26 مليار برميل.
ولكن، وفق شوقي، تضرب الصراعات السياسية والاحتجاجات المتكررة بكل خطط استغلال هذه الاحتياطيات عرض الحائط، إذ دائمًا لا تتحدث العناوين عن إنتاج النفط الليبي، إلّا مرتبطة بإغلاق الحقول وإعلان حالة القوى القاهرة.
جاء ذلك خلال مشاركة أحمد شوقي في حلقة من برنامج “أنسيات الطاقة”، قدّمها مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، بمنصة “إكس” (تويتر سابقًا)، بعنوان “قضايا نفطية”.
زيادة كبيرة في إنتاج النفط الليبي
أوضح أحمد شوقي أن الشهرين الماضيين شهدا زيادة كبيرة في إنتاج النفط الليبي، وهي زيادة لم تحدث منذ نحو 11 عامًا، ومنحت أملًا للقطاع بإمكان تحقيق أهدافه خلال السنوات الـ3 المقبلة.
ولفت إلى أن مؤسسة النفط الليبية لديها هدفان رئيسان، الأول هو الوصول إلى معدل إنتاج 1.5 مليون برميل من النفط الخام يوميًا خلال العام المقبل 2025، والهدف الثاني هو الوصول إلى معدلات إنتاج تبلغ مليونَي برميل يوميًا بحلول عام 2027.
لكن، وفق مدير وحدة أبحاث الطاقة، دائمًا ما كانت الصراعات الداخلية والاحتجاجات المتكررة توقف هذه الخطط، وبالطبع يعرف الجميع أن النزاع حاليًا على السلطة في ليبيا، بين حكومة بنغازي برئاسة أسامة حماد، وحكومة طرابلس برئاسة عبدالحميد الدبيبة، تؤثّر بالسلب في قطاع النفط.
وأضاف: “آخر هذه التأثيرات كانت أزمتين في عام 2024، الأولى تمثلت في إغلاق حقل الشرارة في يناير/كانون الثاني 2024، وهو أكبر حقل في ليبيا، وينتج أكثر من 300 ألف برميل يوميًا، وكان قد أُغلق لنحو أسبوعين تقريبًا، وحينها كتبتُ مقالًا قلت فيه، إن الأزمة ليست في الإغلاق الحالي، بل في تكرار هذه الإغلاقات والتلويح بها”.
وأوضح أن شهر أغسطس/آب الماضي 2024 شهد أيضًا إغلاقًا أخر، ولأسباب عبارة عن مطالب اجتماعية، إذ لم يعد إنتاج النفط الليبي من حقل الشرارة، حتى التحق به إغلاق كل الحقول والمواني النفطية الليبية بسبب أزمة جديدة، وهي الخلاف حول رئاسة المصرف المركزي.
ولكن، وفق شوقي، بعد حل هذه الأزمة، عاد إنتاج النفط الليبي بمستويات لم يشهدها أحد منذ 11 عامًا، على الرغم من أنه خلال الأزمة كان قد هبط إلى نحو 500 ألف برميل يوميًا، وبعد 5 أسابيع انتهت أزمة المصرف المركزي، وعاد الإنتاج بقوة.
وتابع: “إنتاج النفط الليبي بلغ في شهر نوفمبر نحو 1.3 مليون برميل يوميًا، وهذه الزيادة منحت مؤسسة النفط الليبية أملًا في أن تتمكن من تحقيق أهدافها المتمثلة في الوصول إلى حجم إنتاج يبلغ نحو مليونَي برميل يوميًا بحلول عام 2027”.
1.4 مليون برميل يوميًا
قال مدير وحدة أبحاث الطاقة أحمد شوقي، إن هدف إنتاج النفط الليبي لعام 2024 كان الوصول إلى 1.4 مليون برميل يوميًا، وهو ما تحقَّق بالفعل، وفق آخر بيانات أصدرتها المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا، التي أشارت إلى تجاوز هذا الرقم، بما في ذلك المكثفات.
وأضاف: “هناك هدف أخر للعام المقبل، وهو الوصول إلى حجم إنتاج 1.5 مليون برميل يوميًا، وهذا الهدف -بالنظر إلى الزيادات الأخيرة- أصبح في المتناول، لا سيما مع إعادة تشغيل الحقول المعطلة، وعودة شركات نفطية غادرت البلاد منذ نحو 10 سنوات”.
ولفت أحمد شوقي إلى أن شركة النفط البريطانية “بي بي” وشركة إيني الإيطالية عادتا إلى قطاع النفط في ليبيا، لتحدث تطورات مؤخرًا، تعني أن إنتاج النفط الليبي صار على بعد خطوة واحدة من تحقيق مستهدف 2025، وهو 1.5 مليون برميل يوميًا.
وفيما يتعلق بالهدف الثاني، وهو الوصول إلى مليونَي برميل يوميًا بحلول 2027، أوضح شوقي أن مؤسسة النفط الليبية وضعت شرطين لتحقيقه، الأول هو توفر ميزانية لتشغيل الحقول حتى 2027، والثاني هو عدم حدوث أيّ تغيير خارج عن إرادتها يؤثّر في إنتاج النفط الليبي.
وتابع: “الواقع يقول، إن الشرطين من الصعب جدًا تحقيقهما، إذ بالنسبة للشرط الأول، وهو توفير الميزانية اللازمة لتشغيل الحقول، فإن المؤسسة لتحقيق هدف مليونَي برميل يوميًا خلال 3 سنوات قادمة، تحتاج إلى ما بين 17 و18 مليار دولار، وهو ما يعادل إيرادات النفط الليبي، باستثناء فاتورة المحروقات.
وأشار إلى أن هذه الـ18 مليار دولار إمّا أن تكون من استثمارات محلية أو أجنبية، والوصول لهذه الاستثمارات من الشركات المحلية مستبعَد، فإيرادات النفط الليبي تقترب من 19 مليار دولار، لكن أغلبها يُصرَف على الدعم والرواتب ومصرفات إدارية، ولا يتبقى سوى جزء ضئيل للاستثمار في قطاع النفط.
ويرى أحمد شوقي أن الحل في هذه الحالة هو جذب الاستثمارات الأجنبية، التي تزيد حاليًا على مليار دولار سنويًا، بينما -بالنظر إلى الميزانية المطلوبة، وهي 18 مليار دولار في 3 سنوات- يتضح أن هناك حاجة إلى نحو 6 مليارات دولار سنويًا، لذلك فهناك فجوة كبيرة.
بالإضافة إلى ذلك، فإنه في ظل الظروف والصراعات المستمرة، من الصعب جذب هذه الاستثمارات خلال السنوات القليلة المقبلة، إذ إن الاستثمارات مطلوبة لتحديث البنية التحتية المتهالكة، فإنتاج النفط الليبي كان قد وصل ذروته في الستينيات بأكثر من مليوني برميل.
ولكن، منذ ذلك الوقت لم تجرِ أعمال صيانة لخطوط الأنابيب أو البنية التحتية المتهالكة حاليًا، وهي في حاجة إلى استثمارات ضخمة من الصعب جدًا الوصول إليها في ظل المناخ السياسي المضطرب الحالي.
أمّا الشرط الثاني، وهو عدم حدوث أيّ تغيير يعطّل إنتاج النفط الليبي، فإن المعطيات خلال الـ12 عامًا الماضية، تكشف أنه من الصعب ضمان هذا الشرط، إذ إنه لا يمرّ عام دون إعلان حالة القوة القاهرة بأحد الحقول من جانب مؤسسة النفط.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصادر..