اقرأ في هذا المقال

  • وكالة الطاقة الدولية تتوقع حدوث ذروة الطلب على النفط في 2029.
  • سيناريو السياسات الحالية أنتج تقديرات أقوى للطلب عند مؤسسات أخرى.
  • أمين عام أوبك ينتقد الوكالة ويذكّرها بمبالغات سابقة في ذروة البنزين والفحم.
  • أوبك تتوقع نمو الطلب بنحو 10.6 مليون برميل يوميًا بحلول عام 2028.
  • منتدى الطاقة الدولي يتوقّع نمو الطلب بمقدار 7 ملايين برميل يوميًا بحلول 2030.
  • أعضاء في الكونغرس الأميركي يشككون في حيادية سيناريوهات التحليل بالوكالة.
  • وزير الطاقة السعودي و5 رؤساء شركات كبرى يحذرون من حدوث فوضى بالسوق.

فتحت وكالة الطاقة الدولية أبواب الجدل مجددًا حول توقعاتها للطلب على النفط، بعد مرور شهرين فقط من هدوء معركة استجواب مديرها من قِبل أعضاء في الكونغرس الأميركي شككوا في تقديرات الوكالة ومنهاج تحليلها وتوقعها للسوق.

وتوقع أحدث تقرير صادر عن الوكالة الدولية -حصلت وحدة أبحاث الطاقة على نسخة منه ومقرها واشنطن- وصول الطلب العالمي على النفط إلى ذروته في عام 2029 عند 105.6 مليون برميل يوميًا، ليبدأ رحلة انخفاض تدريجية طويلة الأجل بداية من عام 2030، حتى موعد الحياد الكربوني المروج له بحلول عام (2050).

استنادًا إلى ذلك، يتوقع تقرير وكالة الطاقة الدولية -آفاق سوق النفط متوسطة الأجل 2024- نمو الطلب على النفط بنحو 3.4 مليون برميل يوميًا فقط ليصل إلى 105.6 مليون برميل يوميًا في عام 2029، مقارنة بنحو 102.2 مليون برميل يوميًا في عام 2023.

قبل أن ينكمش الطلب على النفط قليلًا، ليصل إلى 105.4 مليون برميل يوميًا بحلول 2030، ليبدأ مرحلة جديدة في السنوات اللاحقة ينخفض فيها الطلب تدريجيًا حتى عام 2050، بحسب سيناريو الوكالة.

وحتى على المدى القصير، تختلف توقعات الوكالة الدولية بصورة كبيرة عن المؤسسات الكبرى الأخرى؛ إذ ترى نمو الطلب على النفط بنحو 960 ألف برميل يوميًا خلال 2024، ليصل إلى 103.2 مليون برميل يوميًا، في اختلاف كبير عن توقعات النمو البالغة 2.25 مليون برميل يوميًا، عند إجمالي 104.5 مليونًا من جانب منظمة أوبك.

ورغم أن تقرير وكالة الطاقة الدولية يتبنى اتجاه نمو الطلب حتى عام 2030؛ فإن تقديراته لحجم النمو جاءت صادمة ولا تكاد تصل إلى النصف من تقديرات المؤسسات والكيانات الأخرى المصدرة لتوقعات مماثلة في السوق مثل منظمة أوبك وغيرها؛ ما أعاد الجدل مجددًا حول مناهج التحليل لدى الوكالة وكيفية توقعها للسوق.

وتقول الوكالة الدولية إن هذه التقديرات صادرة بناء على سيناريو السياسات الحالية وليس سيناريو التعهدات المناخية المعلنة أو سيناريو الحياد الكربوني محل الجدل، لكن هذا السيناريو نفسه أنتج تقديرات أقوى للطلب على النفط بحلول عام 2030، عند مؤسسات أخرى فاعلة تصدر توقعات دورية منتظمة للسوق؛ ما يشير إلى فجوة واسعة ومثيرة في التقديرات.

هيثم الغيص يذكّر الوكالة بمبالغاتها السابقة

في أول تعليق رسمي يصدر من منظمة دولية كبيرة، انتقد أمين عام منظمة أوبك هيثم الغيص، توقعات وكالة الطاقة الدولية المروجة لأن الطلب على النفط سيصل إلى ذروته بحلول عام 2030، محذرًا من تداعيات هذه التصريحات الخطيرة على المستهلكين، وما قد تتسبب فيه من تقلبات غير مسبوقة في أسواق الطاقة.

وقال الغيص، في مقال نشره موقع إنرجي أسبكتس (Energy Aspects) في 13 يونيو/حزيران الحالي، إن منظمة أوبك لا تتوقع حدوث ذروة الطلب على النفط في توقعاتها طويلة الأمد والتي تصل إلى 116 مليون برميل يوميًا بحلول عام 2045.

أمين عام منظمة أوبك هيثم الغيص – الصورة من وكالة الأنباء الكويتية “كونا”

وأشار أمين عام أوبك إلى أن وكالة الطاقة دأبت على إصدار التوقعات التي يثبت الواقع خطأها بمرور الوقت، مستشهدًا بحالتين إحداهما عندما قالت الوكالة إن الطلب على البنزين وصل إلى ذروته في عام 2019، لكن استهلاك البنزين وصل إلى مستويات قياسية في عام 2023، إلى جانب استمراره في الارتفاع هذا العام (2024).

والمثال الثاني،عندما ذكرت الوكالة أن الطلب على الفحم بلغ ذروته في عام 2014، وهو ما ثبت خطؤه في الواقع؛ حيث يواصل استهلاك الفحم تسجيل أرقام قياسية غير مسبوقة.

ويشير تقرير صادر عن وكالة الطاقة الدولية نفسها (15 ديسمبر/كانون الأول 2023)، إلى أن الطلب على الفحم قد تجاوز 8.5 مليار طن لأول مرة في تاريخه خلال عام 2023، متجاوزًا رقمين قياسيين سابقين في السوق أحدهما خلال عام 2022، والآخر خلال عام 2013.

وتعقد وحدة أبحاث الطاقة في هذا التقرير مقارنة تحليلية بين نماذج من توقعات المؤسسات والكيانات الفاعلة في السوق حول الطلب على النفط بحلول عام 2030، لبيان مدى الاختلاف الشاسع مع التقديرات الجدلية الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية في هذا الشأن.

مقارنة التوقعات مع أوبك وآخرين

لا يقتصر إصدار توقعات السوق على وكالة الطاقة الدولية رغم مكانتها و أهمية ما تصدره؛ حيث توجد مؤسسات دولية أخرى ذات ثقل كبير، وتصدر تقارير دورية متخصصة، مثل منظمة أوبك، وإدارة معلومات الطاقة الأميركية، ومعهد اقتصادات الطاقة في اليابان.

كما يصدر عدد من شركات النفط والغاز العالمية الكبرى تقارير دورية على المدى المتوسط والطويل؛ من أبرزها شركة إكوينور النرويجية، وبي بي البريطانية، وإكسون موبيل الأميركية.

كذلك يصدر عدد من البنوك والمؤسسات المالية مثل بنك الاستثمار الأميركي غولدمان ساكس تقارير دورية متصلة، إلى جانب تقارير شركات الأبحاث العالمية المتخصصة مثل وود ماكنزي وريستاد إنرجي، بحسب مشهد التحليل العالمي الذي تتابعه وحدة أبحاث الطاقة بصفة منتظمة.

وتختلف توقعات هذه المؤسسات والشركات بطبيعة الحال مع توقعات وكالة الطاقة الدولية في بعض المساحات خاصة الموضوعات ذات الطابع الجدلي مثل الطلب على الوقود الأحفوري، بينما تتفق معها في مساحات أخرى.

وتشير توقعات منظمة أوبك، على سبيل المثال، إلى أن الطلب على النفط سيرتفع عالميًا إلى 110.2 مليون برميل يوميًا بحلول عام 2028، ما يزيد بنحو 10.6 مليون برميل يوميًا مقارنة بعام 2022.

بينما تشير تقديرات أحدث تقرير صادر عن وكالة الطاقة الدولية إلى أن الطلب على النفط سيرتفع إلى 105.5 مليون برميل يوميًا بحلول عام 2028، بزيادة 5.4 مليون برميل يوميًا فقط عن عام 2022؛ ما يمثل نصف تقديرات النمو لدى أوبك خلال المدة نفسها.

في السياق نفسه، توقّع تقرير مشترك صادر عن منتدى الطاقة الدولي ومنصة “إس آند بي غلوبال كوموديتي إنسايتس”، نمو الطلب على النفط عالميًا بنحو 7 ملايين برميل يوميًا بين عامي 2023 و2030، ما يزيد عن تقديرات وكالة الطاقة بفارق ضخم يصل إلى 3.8 مليون برميل يوميًا.

كما يتوقّع أحدث تقرير صادر عن شركة إكوينور النرويجية ارتفاع الطلب على النفط بنحو 8 ملايين برميل يوميًا ليصل الإجمالي إلى 105 ملايين برميل يوميًا بحلول عام 2030، مقارنة بمستواه عام 2021، دون تحديد ذروة للطلب؛ ما يزيد بنحو مليون برميل يوميًا عن توقعات الوكالة الدولية للمدة نفسها مع اختلاف تقديرات سنة الأساس بين الجهتين.

كما تبدو توقعات وكالة الطاقة الدولية مختلفة جزئيًا عن تقديرات بنك الاستثمار الأميركي غولدمان ساكس، الذي يرجّح ارتفاع الطلب على وقود السيارات بنسبة 5% ليصل إلى 50 مليون برميل يوميًا بحلول عام 2032.

واستند البنك في تقديراته متوسطة الأجل إلى أن الزيادة في مبيعات المركبات التقليدية العاملة بالبنزين والديزل ستعوض التحول المحتمل إلى السيارات الكهربائية حتى هذا التاريخ، مع إشارته إلى أن ذلك الوضع ربما يتغير على المدى الطويل بداية من عام 2040.

تحليل ريستاد إنرجي للطلب في 13 قطاعًا

تشترك شركة أبحاث الطاقة ريستاد إنرجي مع توقعات غولدمان ساكس باستمرار نمو الطلب على النفط في قطاع النقل على المدى المتوسط لضعف مسار تحول الطاقة وصعوبة تخلي القطاعات المستهلكة للنفط عنه خلال سنوات قليلة.

وشمل تحليل ريستاد إنرجي 13 قطاعًا مستهلكًا للنفط وهي: السيارات والشاحنات والحافلات والقطارات والسفن والطائرات والصناعة والبتروكيماويات والمباني والكهرباء والزراعة إلى جانب الاستعمالات الأخرى.

وتشير نتائج التحليل التي نشرتها وحدة أبحاث الطاقة في 19 مايو/أيار الماضي إلى أن البدائل منخفضة الكربون المروجة لتحويل هذه القطاعات بعيدًا عن النفط، ما زالت غير قادرة على المنافسة الاقتصادية معه في ظل طلب متزايد على النقل والبتروكيماويات والخدمات الصناعية المستهلكة للنفط بكثافة.

وأشار التحليل إلى أن عمليات التحول بعيدًا عن النفط في القطاعات الـ13 ستواجه تحديات أكثر تعقيدًا مما كان متوقعًا قبل عامين فقط، وربما تستغرق وقتًا أطول مما يتوقع بسبب المزايا التنافسية للنفط في قطاعات النقل والعمليات الصناعية المتعددة.

يوضح الرسم التالي -الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة- خريطة الطلب العالمي على النفط حسب القطاع في عام 2024:

الطلب على النفط بالقطاعات في عام 2024

وقال مدير تحليل سوق النفط العالمية في ريستاد إنرجي، كلاوديو غالمبرتي، في تعليقه على نتائج التحليل، إن احتمالات التحول السريع عن النفط ما زالت ضئيلة، داعيًا إلى ضرورة التحلي بالواقعية في تناول سردية التحول بعيدًا عن النفط التي تروجها بعض المنظمات الدولية بكثافة منذ سنوات.

وتشير التحليلات القطاعية الواردة في التقرير، على سبيل المثال، إلى أن تحول قطاع الطيران إلى الوقود المستدام على سبيل المثال لن يكون مؤثرًا في الطلب على النفط حتى عام 2030.

كما تشير إلى أن كهربة قطاعات الحافلات والسكك الحديدية لن يزيد تأثيرهما على 0.5 مليونًا إلى 0.8 مليون برميل يوميًا، بالنظر إلى حصة هذين القطاعين الحالية والتي لا تتجاوز 3% من الطلب العالمي على النفط.

على الجانب الآخر، يواجه قطاع النقل البري للركاب تحديات في التحول إلى السيارات الكهربائية بسبب ضعف البنية التحتية للشحن، وعزوف المستهلكين في عدة مناطق، إلى جانب سحب برامج الدعم الموجهة للسيارات الكهربائية في بعض الدول الغربية، وتراجع بعض الشركات عن أهدافها المتعلقة بالتحول الكهربائي ومد الأجل الزمني 5 سنوات أو أكثر.

ويتابع الخبراء والمتخصصون معدلات تبني السيارات الكهربائية في قطاع نقل الركاب والنقل الثقيل على وجه الخصوص؛ لاستحواذهما على أكثر من ربع الطلب على النفط في العالم؛ ما يجعل أي تحولات كبيرة في هذا القطاع مؤثرة في تقديرات خفض الطلب على الخام.

ورغم نمو مبيعات السيارات الكهربائية؛ فإن ظهور تأثيرها بصورة واضحة في قطاع النقل سيحتاج إلى وقت أطول من المتوقع ولن يحدث على المدى المتوسط، بحسب تحليل ريستاد إنرجي.

على الجانب الآخر، يتوقّع تحليل ريستاد إنرجي ارتفاع الطلب على البلاستيك في قطاع البتروكيماويات خلال السنوات المقبلة؛ ما يعني أن استهلاك النفط وسوائل الغاز المستعملة في إنتاج المواد الأولية المكونة للبلاستيك سيزداد على المدى المتوسط حتى عام 2030.

مناهج الوكالة تتعرّض لانتقادات أميركية

يشير تحليل ريستاد إنرجي بوضوح إلى أن التقنيات المنافسة للنفط في مسارات تحول الطاقة تواجه تحديات كبيرة في المنافسة والإحلال محل الخام ومشتقاته في أغلب القطاعات المستهلكة على المدى المتوسط على الأقل.

ويختلف هذا التحليل مع تقديرات وكالة الطاقة الدولية الجدلية الأخيرة التي توقعت تباطؤ نمو الطلب العالمي على النفط بشدة بحلول عام 2030، استنادًا إلى أن مسارات تحول الطاقة ستشهد تقدمًا أكبر، إلى جانب ارتفاع الإنتاج العالمي للخام أكثر من المتوقع.

وتواجه وكالة الطاقة الدولية انتقادات واسعة -مؤخرًا- بسبب توقعاتها المثيرة للجدل بوصول الطلب على النفط والغاز إلى ذروته بحلول عام 2030، ما دفع نوابًا في الكونغرس الأميركي إلى استجواب رئيس الوكالة فاتح بيرول عبر مراسلات رسمية بدأت منذ مارس/آذار الماضي.

رئيسة لجنة الطاقة والتجارة بمجلس النواب وأحد الموقّعين على المراسلات كاثي مكموريس رودجرز
رئيسة لجنة الطاقة والتجارة بمجلس النواب كاثي مكموريس رودجرز – الصورة من موقعها الإلكتروني

وحملت المراسلات اتهامات صريحة لوكالة الطاقة بالانحراف عن مهامها الأساسية في تعزيز أمن الطاقة والتحول إلى منبر يدعو إلى سياسات المناخ على حساب المهمة الرئيسة.

كما حملت انتقادات لاذعة لما تروّجه الوكالة من أن الطلب على النفط والغاز سيصل إلى ذروته قريبًا، بوصفها تقديرات مشكوكًا فيها تهدد أمن الطاقة لدى الولايات المتحدة وحلفائها، بحسب نصوص المراسلات التي انفردت بنشرها كاملة وحدة أبحاث الطاقة خلال شهري مارس/آذار وأبريل/نيسان الماضيين.

ولم تقتصر انتقادات نواب الكونغرس على هذا فحسب، بل امتدت إلى التشكيك في مناهج التحليل والتوقعات المعتمدة لدى وكالة الطاقة الدولية وطريقة إعدادها عبر سيناريوهات مناخية موجّهة، فشلت في تزويد الحكومات المشاركة ببيانات دقيقة ومحايدة لاتخاذ القرار؛ ما أسهم في أزمة الطاقة المستمرة بالعالم حتى الآن، بحسب الخطابات.

وتشترك الانتقادات الأميركية الحديثة مع تحذيرات مبكرة أطلقها وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان، ضد وكالة الطاقة الدولية، حيث وصف سيناريو تحول الطاقة الذي تتبناه الوكالة بسيناريو الـ”لالا لاند”، في إشارة إلى تندرة من مناهج التحليل التي تعتمد عليها الوكالة في توقعات السوق.

وانضم إلى هؤلاء المنتقدين عدد من رؤساء شركات النفط والغاز الكبرى في مقدمتهم توتال إنرجي الفرنسية وشيفرون الأميركية وأرامكو السعودية، إضافة إلى رجل الأعمال الأميركي إيلون ماسك، وأغلبهم يرفضون شيطنة النفط والغاز ويحذرون من حدوث فوضى في أسواق الطاقة وارتفاع حاد بالأسعار، إذا أخذت توقعات الوكالة على محمل الجد من صناع السياسات والمنتجين وأصحاب الشركات.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.

رابط المصدر

شاركها.