تتماشى تخفيضات أوبك+ الطوعية مع جهود التحالف الرامية إلى الحفاظ على توازن أسواق النفط واستقرارها، في ظل التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية التي طرأت في الآونة الأخيرة.
وأعلنت مجموعة دول في تحالف أوبك+، بقيادة المملكة العربية السعودية وروسيا، تنفيذ خفض طوعي لإنتاج النفط بمقدار 2.2 مليون برميل يوميًا في الربع الأول من عام 2024، خلال اجتماعها الأخير في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
ونظرًا إلى استمرار حالة عدم اليقين، قررت دول أوبك+ الـ8 تمديد التخفيضات الطوعية حتى نهاية الربع الثاني من عام 2024، مؤكدة أنها ستعمل على إعادة كميات الخفض الإضافية تدريجيًا، وفقًا لظروف السوق.
وفي هذا السياق، استطلعت منصة الطاقة المتخصصة (مقرها واشنطن) توقعات نخبة من كبار الخبراء بشأن تمديد تخفيضات أوبك+ الطوعية في النصف الثاني من العام الجاري (2024).
تمديد تخفيضات أوبك+ الطوعية
يرى المستشار والخبير بمجال الطاقة في سلطنة عمان، مدير عام التسويق بوزارة الطاقة والمعادن العمانية -سابقًا- علي بن عبدالله الريامي، أن التمديد الأخير في التخفيضات حتى شهر يونيو/حزيران مؤشرًا على أن هناك احتمالًا كبيرًا للتمديد حتى نهاية العام.
وأرجع ذلك إلى عدم نمو الطلب على النفط في الشهور المقبلة، وعدم نمو الاقتصاد الآسيوي، فضلًا عن زيادة إنتاج النفط من الولايات المتحدة والبرازيل وغايانا، وفق تصريحاته إلى منصة الطاقة المتخصصة.
كما أعرب كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة أومود شوكري، عن تفاؤله بشأن استمرار أوبك+ في التخفيضات الطوعية حتى نهاية عام 2024.
وقال -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة-: “يعكس قرار تمديد هذه التخفيضات الطوعية حتى الربع الثاني من عام 2024، جهدًا جماعيًا من جانب دول أوبك+ لإدارة مستويات إمدادات النفط واستقرار الأسعار، وسط حالة من عدم اليقين الاقتصادي”.
وشدد على أن الإجراءات التي اتخذتها هذه الدول تهدف إلى دعم استقرار السوق وتوازنها، مع استعادة الإنتاج تدريجيًا بناءً على ظروف السوق.
ومن جانبه، أكد الخبير في شؤون الطاقة والشرق الأوسط سيريل وودرشوفن، أنه لا توجد تغييرات وشيكة في مسار تخفيضات أوبك+ الطوعية في الوقت الحاضر، إذ ما يزال توليد الدخل مرتفعًا جدًا.
ومع ذلك، أشار وودرشوفن إلى أن دول التحالف قد تتخلى عن هذا النهج، إذا زاد الطلب العالمي في حين لم يزد العرض.
وقال -في تصريحاته إلى منصة الطاقة المتخصصة-: “ستحتاج السعودية والإمارات وغيرهما إلى إعادة تقييم المكاسب مقابل الخسائر في وقت قريب جدًا.. وتتعرض الحصة السوقية أيضًا لضغوط، وقد ثبت تاريخيًا أنه لا يُمكن استردادها بسرعة كبيرة”.
تقليص تخفيضات أوبك+ الطوعية
في سياقٍ متصل، صرّح محلل أسواق النفط بالشرق الأوسط في منصة آرغوس ميديا المتخصصة في الطاقة، نادر إیتیّم، بأن تحالف أوبك+ سيحتاج إلى الاستمرار في هذه التخفيضات الطوعية حتى نهاية العام، ولكن ليس بالضرورة عند المستويات الحالية.
وقال -في تصريحاته إلى منصة الطاقة المتخصصة-: “مع توقع ارتفاع الطلب في النصف الثاني من العام، ينبغي أن يكونوا قادرين على البدء في إعادة جزء على الأقل من الـ2.2 مليون برميل يوميًا التي جرى تخفيضها الآن إلى السوق تدريجيًا بدءًا من يوليو/تموز”.
وشاركه في الرأي الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة شعيب بوطمين، الذي أوضح أنه حال استقرار أسعار النفط حول 85 دولارًا مع نهاية الربع الثاني من عام 2024، لن يكون من مصلحة التحالف تمديد تخفيضات أوبك+ الطوعية البالغة 2.2 مليون برميل يوميًا تقريبًا.
وشدد بوطمين على أنه قد يكون من الحكمة تخفيضها إلى أقل من 1.5 مليون برميل يوميًا، لأن السوق ستتعزز تلقائيًا في الربع الثالث من العام، في أثناء فصل الصيف الذي يشهد زيادة الطلب على النفط والغاز بسبب زيادة معدل السفر حول العالم.
كما أرجع زيادة الطلب إلى تغير المناخ، الذي رفع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية، ما يرفع -بدوره- الطلب على أجهزة التبريد، إذ “توجد دول عديدة تعتمد على النفط في توليد الكهرباء محليًا ولو نسبيًا على غرار السعودية”، بحسب ما صرّح به الخبير الإستراتيجي إلى منصة الطاقة المتخصصة.
ولكنه أضاف أنه إذا أراد التحالف أن تلامس الأسعار 90 دولارًا صيفًا، فإنه سيحتاج إلى تمديد التخفيضات الطوعية الحالية، ولكن دولًا أخرى ستزيد من إنتاجها، والنتيجة أن أسعار النفط ستنخفض مجددًا في الربع الرابع من العام، وقد نشهد زيادة مفرطة في المعروض.
ومن جانبه، قال رئيس شركة رابيدان إنرجي الأميركية بوب مكنالي، إن الحالة الأساسية للشركة تفترض أن تخفيضات أوبك+ ستكون مطلوبة حتى نهاية العام، لمنع تراكم المخزونات غير المرغوب فيها.
ولكن إذا ثبتت دقة توقعات منظمة أوبك لنمو الطلب بمقدار 2.2 مليون برميل يوميًا لعام 2024، فسيكون تحالف أوبك+ قادرًا على البدء في تقليص التخفيضات تدريجيًا في وقت مبكر، وفق ما أكده مكنالي في تصريحاته إلى منصة الطاقة المتخصصة.
توقعات أخرى
أشارت مؤسّسة مركز “فاندا إنسايتس”، المعني بأسواق الطاقة فاندانا هاري، إلى أن تحالف أوبك+ قد يجد نفسه عند مفترق طرق صعب في يونيو/حزيران، بشأن مسألة سياسة الإنتاج للنصف الثاني من العام.
وقالت -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة-: “ربما يتعين عليه أن يجد طريقة للعودة إلى سياسته المتمثلة في تحقيق هدف جماعي، مع توزيع أي تخفيضات بصورة عادلة بين الأعضاء كافة”.
ويرى محلل السلع في بنك يو بي إس السويسري، جيوفاني ستانوفو، أن نمو الطلب على النفط ما يزال صحيًا، في حين من المرجح أن يؤدي تمديد أوبك+ لتخفيضاته الطوعية لمدة 3 أشهر أخرى إلى مزيد من الانخفاض في مخزونات النفط.
وشدد على أن دور أوبك+ يتمثل في الحفاظ على توازن سوق النفط في الغالب للحد من تقلبات الأسعار.
ولذلك، قال ستانوفو: “نتوقع عودة بعض البراميل في النصف الثاني من عام 2024، لمنع حدوث عجز أعمق في السوق خلال النصف الثاني من عام 2024”.
كما صرّح رئيس تحرير منصة “بتروليوم إيكونوميست” بول هيكن، بأنه ليس سرًا أن أوبك+ يرغب في ضخ المزيد وتعزيز الإيرادات، لكن فوائد توازن السوق والمفاضلة بين الأسعار والإنتاج ما تزال منطقية، وإذا لزم الأمر فسيواصل أوبك+ تنفيذ تخفيضات الإنتاج في النصف الثاني من العام.
وأشار إلى أنه في النصف الثاني من العام الذي سيشهد الانتخابات الأميركية، ستكون الحساسية تجاه ارتفاع أسعار النفط أكبر، وستؤدي السياسة دورًا أكبر في العمل الاقتصادي لإدارة أوبك للسوق.
لذلك، سيكون هناك مبرر إضافي للتراجع عن تخفيضات الإنتاج على افتراض استمرار الأسعار في الارتفاع، وفق ما قاله هيكن في تصريحاته إلى منصة الطاقة المتخصصة.
وأضاف أن أحد العوامل الأخرى التي يجب مراقبتها هو الإنتاج الأميركي، إذ هناك تساؤلات حول مقدار العرض الأميركي الذي سيصل إلى السوق في النصف الثاني من العام، وما إذا كان من المتوقع أن ينخفض العرض من خارج أوبك كما حدث في عام 2023، ما من شأنه أن يجعل مهمة أوبك أسهل بعض الشيء.
ومع ذلك، أكد هيكن أن كل الأنظار ستظل منصبة على توقعات الطلب على النفط، نظرًا إلى الفجوة الكبيرة بين توقعات أوبك ووكالة الطاقة الدولية، وسيؤدي ذلك أيضًا دورًا كبيرًا في مدى سرعة قيام أوبك+ بضخ المزيد من النفط الخام.
ويوضح الجدول التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- توقعات الطلب العالمي على النفط والمعروض في عام 2024:
وقال: “لكن من المرجح أن تستمر حالة عدم اليقين، ما يعني أن التحالف سيتخذ على الأرجح نهجًا دقيقًا لأي تخلص من التخفيضات”.
ومن جانبها، استبعدت رئيسة شركة “إي إس إيه آي إنرجي” لتحليل سوق الطاقة، سارة إيمرسون، أن تستمر تحالف أوبك+ في التخفيضات الطوعية، أو أن يحتاج إلى القيام بذلك لدعم الأسعار الحالية خلال النصف الثاني من العام.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..