قبل أشهرٍ قليلة، اتّخذت شركة Casual لتخطيط الأعمال خطوةً جريئة، إذ استخرج فريق إنتاج المحتوى بالموقع قائمةٍ من 1800 فكرة لمقالات من موقع أحد المنافسين، ثمّ وظّفوا أدوات الذكاء الاصطناعي في الإنشاء الجماعيّ للمقالات اعتمادًا على هذه القائمة.
لم تطل فرحة الفريق بالنتائج المبهرة التي حصلت في الفترة الأولى، لأنّه سرعان ما أثّر هذا المحتوى المكتوب بالذكاء الاصطناعي بالجملة على ترتيب موقعهم وأعاده لمستوى أدنى مما كان عليه قبل بداية العملية.
هذه القصّة ليست الوحيدة في سجل توظيف أدوات الذكاء الاصطناعي، فمنذ ظهرت على ساحة الاستخدام المفتوح للعموم، جذبت هذه الأدوات اهتمام أنواعٍ عديدةٍ من المستخدمين؛ فساعدت بعضهم في مضاعفة إنتاجيّته ورمت بكثيرٍ منهم في هاويةٍ دمّرت عمل سنواتٍ طويلةٍ لسوء فهمها واستخدامها.
جدول المحتويات:
هل يمكن الاستعاضة بأدوات الذكاء الاصطناعي عن الخبراء المختصين؟
يميل مستخدمو أدوات الذكاء الاصطناعي الجدد إلى المبالغة في تقييم قدرات هذه الأدوات على تنفيذ المهام، وقد يكون هذا ناتجًا عن رغبتهم في إنجاز بعض المهام بسرعة أكبر أو تخفيض النفقات عبر الاستعانة بها بدلًا عن الخبراء والمختصّين، وهذا شائعٌ بكثرةٍ في مجال كتابة المحتوى تحديدًا.
ورغم أنّ أدوات المساعدة في كتابة المحتوى بالذكاء الاصطناعي موجودة منذ سنوات كثيرة، إلّا أنّه بالتزامن مع انتشارها مؤخرًا بين عموم المستخدمين عبر خدمات مجّانيّة عديدة مثل؛ ChatGPT المقدّمة من OpenAI ونظيراتها Gemini وCopilot من جوجل ومايكروسوفت على الترتيب، انتشر أيضًا سوء الفهم لطريقة استخدامها في مجالات العمل المختلفة.
يشيع سوء الفهم هذا خصوصًا بين من يستخدم هذه الأدوات بديلًا عن الخبراء والمختصين العاملين في المجال، دون أن يمتلك هو نفسه خبرةً تكفي لتشكيل قرارٍ عن كون ما تنتجه هذه الأدوات دقيق وذا جودةٍ عاليةٍ أم لا، أو إن كانت الأداة ذاتها مناسبة لما يحاول القيام به أم لا.
لكنّ الفهم الصحيح لآليّات عمل هذه الأدوات يصححّ هذه النظرة الخاطئة؛ فهي في النهاية أدواتٌ فحسب، مهما كانت قادرةً على اختصار بعض الخطوات أو تسريع بعض العمليات. وسواء أكان هذا في مجال الكتابة أو التصميم أو غيره، فلا يمكن لها أن تقدّم منتجًا كاملًا جاهزًا للاستخدام.
وقد تقود المبالغة في الاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي دون الاحتكام لخبراء المجال أو تنقيح وتدقيق ما تنتجه إلى أخطاء عديدة، كقصة المبرمج الذي استخدم شيفرات من أداة ذكاء اصطناعي دون تنقيح، ليقوده الأمر إلى مسح قاعدة بيانات الموقع كاملةً. لهذا يظل الاعتماد على خبير والاحتكام دومًا لأصحاب التخصص أمرًا ضروريًا، مهما كان خفض التكلفة أو تسريع الإنتاجية مرضيًا.
أخطاء شائعة في كتابة المحتوى بالذكاء الاصطناعي
أهمّ ما عليك معرفته بخصوص توظيف أدوات الذكاء الاصطناعيّ في مجال كتابة المحتوى هو أنّ هذه الأدوات محدودةٌ بما تمّ تدريبها عليه، وهو المحتوى المكتوب الموجود على الإنترنت. ومن هذا ينبع العديد من المشكلات التي تقود لأخطاء شائعة بين المستخدمين:
1. الاعتماد عليها في كتابة المحتوى باللغة العربية
يمكن أن نرى عبر نظرة سريعة على إحصاءات مساهمات المستخدمين في بناء محتوى الإنترنت، أنّ المستخدمين العرب يساهمون بـ 5% من المحتوى تقريبًا، بالمقارنة مع المساهمات باللغة الإنجليزية التي تزيد على 25%. هذا يعني بالتأكيد أنّ قدرة هذه الأدوات على إنتاج المحتوى باللغة الإنجليزية أكبر بكثير من قدرتها على إنتاجه باللغة العربية.
هذا لا يعني أنّ أدوات الذكاء الاصطناعي لا تستطيع إجابتك باللغة العربية، فهي قادرةٌ على ذلك طبعًا، لكنّه يعني أنّها لن تقدّم لك الفائدة والقدرة ذاتها على صياغة المعلومات بلغةٍ سليمة قابلة للاستخدام دون تنقيح أو تعديل.
يمكن الملاحظة في المثال التالي أنّ الأداة تقدّم أفكارًا لا بأس بها -وهو موضوع آخر سنتطرق إليه بعد قليل- لكنّها غير قادرة على صياغة هذا المحتوى بلغة سليمة.
ففي النقطة الأولى مثلًا: “تزداد مفرداتك وقدرتك على استخدام الجمل المتنوعة” صياغة ركيكة. وفي الثانية: “حيث يجب عليك تنظيم الأفكار ورتبتها بطريقة متسقة” فيها خطأ منطقي ونحويّ وإملائي. وفي الثالثة “تقوم بممارسة ذاكرتك” خطأ لغويّ لا حاجة للنقاش فيه.
لذا لا يمكن الاعتماد على هذه الأدوات في صناعة المحتوى المتكامل باللغة العربية، حتى وإن كان حول موضوعات بسيطةٍ وسهلة. وعلى الأقل، يجب الاستعانة بمدقق ومحرّر للتأكد من سلامة المحتوى اللغوية قبل الاستخدام.
2. استخدامها مصدرًا موثوقًا للمعلومات
لأدوات الذكاء الاصطناعيّ صفتان أساسيّتان تساهمان في كونها مصدرًا غير موثوق للمعلومات. الأولى؛ كونها تعتمد على المحتوى الموجود على الإنترنت في التدريب، مما يعني أنّ المعلومات التي ستجيب عليها محدودة بما على الإنترنت من معلومات، والكثير منها -حتى تلك التي ينشرها البشر ذوي النوايا الحسنة- فيها خلط وخطأ وتضليل.
والنقطة الثانية وهي الأهم، أنّ هذه الأدوات “تهلوس” في الردّ على الأسئلة التي لا “تعرف” إجاباتها. ووضعت الكلمتين السابقتين بين علامتيّ تنصيص لأن الدخول في تفاصيلهما التقنيّة موضوع متشعب، لكنّهما وبالمختصر تعبّران تمامًا عمّا يحدث.
عندما تسأل إحدى هذه الأدوات عن أمرٍ ما، من الصعب جدًا أن تحصل على إجابة “لا أدري” أو “لا أستطيع الإجابة” إلا في حالات نادرة بسبب حقوق النشر. أمّا في الحالات العامّة فهذه الأدوات تردّ بغض النظر إن كان ردّها صحيحًا أم لا، وفي بعض الأحيان “تؤلّف” إجابةً لا استناد لها على الواقع.
جرّب مثلاً طلب بيتٍ شعريّ لشاعرٍ غير موجود، وسترى أنّ الأداة “اخترعت” بيتًا شعريًّا من عندها.
طبعًا، عندما تسأل سؤالًا تعرف إجابته فمعرفة الخطأ من الصواب أمر سهل، لكن ضع بحسبانك أنّ هذا قد يحدث دون معرفتك في كثير من الأحيان. ومن هنا تبرز أهمية الاستعانة بأصحاب الاختصاص في التأكد من صحة ما تقدمه هذه الأدوات أو حتى تنقيحه.
3. توظيفها في ما لا تصلح له
مع أنّ أدوات الذكاء الاصطناعي قادرةٌ على تنفيذ الكثير من المهام، إلا أنها لا تصلح للاستخدام الجاد إلّا في قلّة منها، ولأغلب هذه الأدوات تخصصات لا يمكن لأدوات أخرى منافستها فيه، بسبب تركيز أصحابها على تحسين الأداء بغرض محددٍ وتدريب الأداة بما يناسب هذا الغرض.
على سبيل المثال، تعتمد أداة DeepL للترجمة على الذكاء الاصطناعيّ، لكنّها تركّز بالكامل على الترجمة على نقيض أداة ChatGPT غير المختصّة، لكنّها قادرة على الترجمة. جودة الترجمة بين الأداتين مختلفة اختلافًا جذريًا والأفضل بالطبع هي الأداة المختصّة.
في هذا المثال، قد يصل المعنى لك من الترجمتين، لكن الترجمة الأولى أفضل وأدق لغويًا وملائمة أكثر لصياغة الجمل باللغة العربية من الثانية، وهذا ما تحتاجه إن كنت ترغب باستخدامها في محتوى موقعك أو مدوّنتك مثلًا.
هذا ينطبق على كافّة المجالات الأخرى، كلّما اختصّت الأداة كانت أقدر على تقديم نتائج صالحة. بعض الأدوات تختصّ بالتهيئة لمحركات البحث، وبعضها الآخر في تنسيق المقالات، وبعضها في التدقيق اللغوي. وعليك استخدام ما يلائم منها حسب حاجتك. إذًا، أين يصلح استخدام الذكاء الاصطناعيّ في صناعة المحتوى لموقعك أو مدوّنتك؟
طرق استغلال الذكاء الاصطناعي في تحسين محتوى موقعك
تدور أفضل طرق استغلال الذكاء الاصطناعي في مجال المحتوى حول إعادة الإنتاج أو الصياغة والتحسين والتخلص من الخطوات الرتيبة في عملية إنتاج المحتوى. وخصوصًا في اللغة العربية، سيكون الأفضل هو تقديم محتواك الموجود سلفًا للأداة، وطلب بعض المهام منها بناءً على هذا المحتوى.
بهذا تتخطى المشكلة السابقة بخصوص موثوقية المعلومات، فهي لن تقدّم لك معلومات جديدة، بل ستعتمد على ما تقدّم لها أنت. أما بالنسبة للصحّة اللغويّة والتدقيق والتحرير، فهذه تحتاج خبيرًا في مجال التدقيق لتدقيق المحتوى الذي تنتجه الأداة وتنقيحه.
1. صناعة منشورات مواقع التواصل الاجتماعي
يفصل العديد من أصحاب الأعمال الرقميّة بين استراتيجيّة التسويق بالمحتوى في المدونة، وبين استراتيجيّة المحتوى الخاصّة بشبكات التواصل الاجتماعيّ، لكن في الواقع يمكن استغلال العديد من أفكار المحتوى الموجودة في المدوّنات لصناعة محتوى ملائم لمنصات التواصل الاجتماعي.
هنا يلمع نجم أدوات الذكاء الاصطناعي، فهي قادرة وبكل سهولة على إعادة صياغة المحتوى الموجود سلفًا وقولبته بما يتلاءم مع معايير كلّ منصّة، يمكنك استخدام أوامر مثل “حوّل هذا المقال لمجموعة تغريدات على إكس” أو “أعطني أفكارًا لتحويل هذا النص إلى منشور انستقرام”.
لاحظ أنّ المنشورات لا تزال بحاجة لتنقيح وتدقيق للتأكد من المعلومات، لكنّ الأداة قدّمت دفعةً ممتازة للبداية. يمكنك بعدها الاستعانة بخبير في كتابة محتوى السوشيال ميديا لضبط وتحسين المحتوى إن لم تكن قادرًا على تنفيذ ذلك بنفسك.
2. تحسين هيكلية صفحات الهبوط
تجمع صفحات الهبوط بين هيكلة المحتوى وصياغته لتقديم أفضل تجربة مستخدم ممكنة مع التركيز على زيادة معدلات التحويل، لكن ما يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي المساهمة في تحسينه هو هيكلية الصفحات نفسها وصياغة محتواها.
إذ يمكنك الاستعانة بأدوات الذكاء الاصطناعي لإنشاء العديد من النصوص لاستخدامها في اختبارات A/B، كما يمكنك طلب هيكلة صفحة الهبوط بناءً على مواصفات المنتج أو الخدمة التي تبيعها، وهذا يسهل عليك تصميم الصفحة.
يكفي أن تقدم للذكاء الاصطناعي أهم النقاط حول خدمتك أو منتجك مرفقةً بطلب “ساعدني في صناعة صفحة هبوط ملائمة لهذه الخدمة في موقعي الشخصي مع تحديد كل قسم وكيفية توزيع العناصر في الصفحة” وهو سيتكفل بترتيب العناصر وهيكلتها على شكل أقسام لصفحة هبوط.
لاحظ أنّ الذكاء الاصطناعيّ قسّم المحتوى لأقسام عديدة كما تظهر عادةً في صفحات الهبوط، وقدّم نصوصًا شرحًا لما يمكن تضمينه في كل قسم. ومع أن بعض هذه الأقسام عامّة وقد لا تحتاج بعضها في صفحتك في كثير من الأحيان، إلا أنّها بدايةٌ جيّدة لبناء الصفحة وتعطيك فكرةً جيدة عمّا يمكنك تصميمه.
3. صياغة عناوين جذابة عالية التحويل
كتابة عناوين المقالات من المهام التي يلزم فيها التجريب والتحسين المستمر للوصول إلى أفضل صياغة للعناوين، الهدف من هذا التجريب معرفة أيّ العناوين قادرة على تحويل الباحث من صفحة النتائج إلى الموقع من خلال اختبارات A/B. قد يكون هذا مرتبط بالكلمات المفتاحية الموجودة في المقال، لكنّه مرتبط أيضًا بصياغة النصّ وطريقة تقديمه.
لذلك من الأفضل توفر عدّة عناوين يمكن الاختيار بينها، وتجربةُ كلّ منها وتأثيره على أداء الصفحة وقدرتها على جذب القرّاء. وهنا تقدّم أدوات الذكاء الاصطناعي طريقًا مختصرًا لأصحاب الأعمال الرقمية من خلال تقديم مجموعة كبيرة من العناوين بلحظات، أغلبها قد لا يصلح للاستخدام مباشرةً، لكن مع التنقيح والتدقيق وربما التغيير كليًا، يمكن اعتماد بعضها في التجارب والاختبارات.
يمكن الحصول على نتائج مشابهة عبر طلب “اكتب لي عشر عناوين ملائمة لهذا المقال ومتوافقة مع معايير التهيئة لمحركات البحث”. لكن لاحظ مجددًا أنّ كثيرًا من هذه العناوين قد لا يصلح، لكنّها نقطة بدايةٍ جيّدة لاختيار الأفضل وتنقيحها وتعديلها ثم تجريبها.
4. تلخيص أفكار المحتوى
تقدّم العديد من المواقع الإخباريّة والمجلّات قسمًا في بداية المقال أو الخبر يلخّص ما فيه بنقاط بسيطة سريعة، وأغلبها في الحقيقة يلجأ إلى كتابة هذا القسم بالذكاء الاصطناعي. يساعد هذا القسم المستخدم على معرفة ما سيمر في المقال أو الخبر، ويساعد محرّكات البحث أيضًا على الأرشفة الصحيحة.
ضع بالحسبان أنّ هذا القسم سيفٌ ذو حدّين، لأنّه من ناحية سيساعدك في تحسين تجربة المستخدم وقد يساهم في تحسين الأرشفة في محركات البحث، لكنّه أيضًا قد يساهم في خروج المستخدم من الموقع بسرعة أكبر -لكونه حصل على المعلومات التي يبحث عنها مباشرةً- وهذا قد يرفع معدل الارتداد.
لم يجرى بعد دراساتٌ كافية عن تأثير هذا القسم وقطع إن كان سلبيًا أو إيجابيًّا على الموقع، لكن استخدام العديد من المواقع الكبرى له يشير لكون أثره الإجماليّ إيجابيًّا برأيي.
يمكنك الحصول على نتائج مشابهة عبر استخدام أمر “لخّص لي المقال بنقاط سريعة”. هذا مثال على أحد المقالات الموجودة في مدونة خمسات طلبت من الذكاء الاصطناعيّ أن يختصر قسمًا منه.
لاحظ أنّ المحتوى الملخّص الناتج غير قابل للاستخدام كما هو، وفيه صياغات ركيكة وبعض المعلومات الناقصة أو المكررة، لذا لا بدّ من الاعتماد على مهارة مختصّ في كتابة المحتوى لضبط المحتوى قبل استخدامه.
في الأخير، الاستخدام الناجح لأدوات الذكاء الاصطناعيّ يعتمد بالكامل على الشخص الخبير المعقّب على محتواها، فهو مَن يستطيع أخذ القرار الفعليّ وتعديل المحتوى وتنقيحه بما يناسب كلّ حالة. لذا إن كنت تنوي استخدام هذه الأدوات في مشاريعك المستقبلية، لا تعتمد على نتاجها كما هو، بل تحقق منه وعدّل عليه، أو وظّف خبيرًا يمكنه العمل على تنقيح هذه النتائج.
تم النشر في: التسويق بالمحتوى