أثار انخفاض أسعار النفط مؤخرًا إلى أقل من 80 دولارًا للبرميل، التساؤلات حول موقف تحالف أوبك+ من التخلص من تخفيضات الإنتاج المُعلن بدءًا من أكتوبر/تشرين الأول 2024.
وكانت أسعار النفط قد تراجعت الأسبوع الماضي إلى 74 دولارًا قبل أن تصعد مجددًا إلى 78 دولارًا مع مخاوف من اندلاع صراع واسع النطاق في الشرق الأوسط، عقب اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الفلسطينية إسماعيل هنية، في إيران.
وجاءت هذه التوترات الجيوسياسية في الوقت الذي أكدت فيه الدول الأعضاء في تحالف أوبك+ مجددًا أن التخلص التدريجي من تخفيضات الإنتاج يُمكن وقفه مؤقتًا أو عكس اتجاهه (زيادة الإنتاج).
واستطلعت منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، آراء نخبة من الخبراء حول توقعاتهم للإجراءات التي يُمكن أن يتخذها التحالف خلال الأيام المقبلة.
اجتماع طارئ مرتقب لتحالف أوبك+
قررت السعودية و7 دول أعضاء تحالف أوبك+ تمديد التخفيضات الطوعية لإنتاج النفط بواقع 2.2 مليون برميل يوميًا حتى نهاية الربع الثالث من عام 2024، مع تمديد الخفض الأول الذي بدأ في مايو/أيار 2023، بواقع 1.6 مليون برميل يوميًا، إلى نهاية 2025.
وحسب بيان حصلت عليه منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، ستُعاد كميات الـ2.2 مليون برميل يوميًا بالتدريج على أساس شهري من أكتوبر/تشرين الأول 2024 وحتى نهاية سبتمبر/أيلول 2025، ويمكن إيقاف هذه الزيادة الشهرية، أو عكسها، وفقًا لمستجدات السوق.
ولم يستبعد المستشار، الخبير بمجال الطاقة في سلطنة عمان، مدير عام التسويق بوزارة الطاقة والمعادن العمانية -سابقًا- علي بن عبدالله الريامي، أن يطلب تحالف أوبك+ عقد اللجنة الوزارية لاجتماع طارئ إذا استمرت الأمور على ما هي عليه، من أجل مناقشة إمكان تأجيل إعادة بعض النفط إلى الأسواق، إلى نوفمبر/تشرين الثاني أو نهاية عام 2024 أو بداية العام المقبل (2025).
وشدد الريامي -في تصريحاته إلى منصة الطاقة المتخصصة- على أنه إذا استمر انخفاض الأسعار حتى الإثنين (12 أغسطس/آب 2024)، فسيكون هناك تحرك من جانب تحالف أوبك+ لمناقشة هذا الأمر.
وأشار إلى أن “وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان قد ذكر أن هناك تواصلًا دائمًا ومباشرًا مع جميع الوزراء، ويُمكن عقد اجتماع طارئ في أي وقت.. لديهم مرونة في هذا الأمر.. لا أستبعد أن يكون هناك قرار في الأسابيع المقبلة”.
من جانبه، توقع كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة أومود شوكري، أنه إذا ظلّت أسعار النفط أقل من 80 دولارًا للبرميل، فقد يفكر تحالف أوبك+ في تأجيل العودة المقررة لتخفيضات السوق في 1 أكتوبر/تشرين الأول.
وأوضح -في تصريحاته إلى منصة الطاقة المتخصصة- أن الأسعار تقلبت، لكنها لم تتجاوز 80 دولارًا باستمرار، ويرجع ذلك جزئيًا إلى التوترات الجيوسياسية الأخيرة التي تسبّبت في البداية بارتفاعات حادة، ولكنها استقرت منذ ذلك الحين دون انقطاعات كبيرة في الإمدادات.
وقال شوكري: “إن التوترات المستمرة في الشرق الأوسط، خاصةً تلك التي تتعلق بإيران، قد تؤثر في القرارات المتعلقة بالحفاظ على التخفيضات أو تعميقها لمنع تقلب الأسعار”.
ويرى محلل أسواق النفط بالشرق الأوسط في منصة آرغوس ميديا المتخصصة في الطاقة، نادر إیتیّم، أن الإشارات الاقتصادية الكلية الضعيفة والأسعار الأضعف تجبر التحالف على إعادة النظر في إعادة بعض البراميل من أكتوبر/تشرين الأول كما هو مخطط.
وقال، في تصريحات إلى منصة الطاقة المتخصصة: “لذا نعم، إذا ظلت الأسعار ضعيفة حتى سبتمبر/أيلول، أعتقد -بالتأكيد- أننا قد نشهد تأجيلًا”.
وأضاف: “هذا أمر كان وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز حريصًا جدًا على التأكيد عليه بعد الاجتماع الأخير، وحتى بعد اجتماع لجنة المراقبة الوزارية المشتركة الأسبوع الماضي.. لن تبدأ دول أوبك+ في إعادة هذه البراميل إلا إذا كانت هناك مساحة في السوق لفعل ذلك”.
وقال رئيس تحرير منصة “بتروليوم إيكونوميست” بول هيكن، إنه في حين لا يستهدف أوبك+ نطاقًا سعريًا، فإن الرقم الذي يقل عن 80 دولارًا للبرميل سيكون مؤشرًا على سوق نفطية بها عرض أكبر من الطلب، وربما يدفع أوبك+ إلى الإبقاء على التخفيضات الطوعية سارية لمدّة أطول من الزمن، وهو ما أشار إليه تحالف أوبك+ في تصريحاته.
كما صرّح محلل السلع في بنك يو بي إس السويسري، جيوفاني ستانوفو، بأنه من المرجح أن يُتخذ القرار بشأن ما ستفعله دول أوبك+ الـ8 في أكتوبر/تشرين الأول في أوائل سبتمبر/أيلول.
وأضاف: “إذا استمرت المخاوف الحالية بالسوق في ذلك الوقت، فمن المرجح أن تظل المجموعة على موقفها”.
عوامل غير كافية
من جانبه، لا يعتقد رئيس شركة رابيدان إنرجي الأميركية بوب مكنالي، أن انخفاض أسعار النفط الخام إلى ما دون 80 دولارًا وحده من شأنه أن يدفع منتجي أوبك+ الـ8 إلى التراجع عن التخلص من التخفيض التدريجي لإمدادات النفط في أكتوبر/تشرين الأول.
وقال مكنالي -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة- إن التوقف مؤقتًا مطروح على الطاولة، ولكنه يتطلب تدهورًا أكبر في المؤشرات الأساسية للنفط وتوقعاته.
كما صرّح رئيس قسم تحليل النفط في شركة “غازبودي” باتريك دي هان، بأن التحالف قد يؤجل إعادة التخفيضات للسوق المقررة، “رغم أنني أعتقد أنه من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانوا سيتخذون مثل هذا الإجراء، لكنه أصبح احتمالًا أكبر الآن”.
من جهتها، أشارت الرئيسة التنفيذية لشركة كريستول إنرجي لأبحاث واستشارات الطاقة، الدكتورة كارول نخلة، إلى أن قرارات أوبك+ ليست ثابتة؛ ولكن من الممكن تعديل هذه التوقعات تبعًا لتطورات السوق التي لا يُمكن التنبؤ بها بدرجة كبيرة من اليقين.
وقالت نخلة: “حتى الآن، ظل تحالف أوبك+ وفيًا لتوقعاته الأكثر طموحًا للطلب خلال العام الجاري (2024).. ومن الممكن التراجع عن القرارات، ولكن هذا من شأنه -أيضًا- أن يؤكد أن هذه التوقعات كانت في الواقع متفائلة للغاية”.
وتعتقد مؤسّسة مركز “فاندا إنسايتس”، المعني بأسواق الطاقة فاندانا هاري، أن تحالف أوبك+ لن يرغب في اتخاذ أي قرارات متسرعة، ولكنه يتبع سياسة “انتظر وراقب”.
وأضافت في تصريحاتها إلى منصة الطاقة: “إن انخفاض سعر النفط الخام إلى ما دون 80 دولارًا ليس بالضرورة محفزًا للتحالف لتغيير مساره؛ ولكن إذا انخفض إلى ما دون 70 دولارًا، فقد يدفع ذلك إلى تغيير المسار بالطبع”.
وشدد الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة شعيب بوطمين، على أن قرارات تحالف أوبك+ هي قرارات احترازية، وتأخد في الحسبان الجانب الاقتصادي وحتى الجيوسياسي، عند وضع خطط التخفيض أو الزيادة.
وقال بوطمين: “لكن لا يجب الارتباك كثيًرا، فنحن ما نزال في فصل الصيف، إذ يزيد الطلب على الوقود والطاقة في التبريد.. لذا الطلب ما يزال موجودًا رغم بعض التخمة”.
وأضاف الخبير أن الانخفاض الحالي يُعد ظرفيًا، ورد فعل طبيعي لضعف بعض الاقتصادات؛ ولكنه في الوقت نفسه يشجع على الاستهلاك؛ ما يحفّز الطلب على النفط وسيُسهم كثيرًا في تمهيد الطريق في امتصاص المعروض، أي التخمة الموجودة، وهو ما قد يصب في صالح استقرار الأسعار فوق 80 دولارًا، دون أخد أي توتر سياسي في الحسبان.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..