اقرأ في هذا المقال
- • سعي إيران إلى تعزيز قدرة إنتاج النفط لديها يثير التكهنات حول الدوافع
- • التناقض بين مستويات الإنتاج المعلنة والحقيقية يثير شكوكًا حول فعالية سياسة الطاقة الإيرانية
- • صناعة النفط الإيرانية تواجه حالة من عدم الاستقرار بسبب التوترات الجيوسياسية مع الدول الغربية
- • قطاع النفط الإيراني يواجه مطالب مالية كبيرة لتحسين مستويات إنتاجه والحفاظ عليها
أثارت مساعي طهران لتعزيز قدرة إنتاج النفط الإيراني، بمقدار 400 ألف برميل يوميًا، ومواجهة العقوبات الدولية المستمرة، قدرًا كبيرًا من التكهنات حول الدوافع الحقيقية وراء هذا التوجّه.
وترى إيران، رسميًا، أن هذا التطور يمثّل خطة لتعزيز اقتصادها والاستفادة من احتياطياتها الضخمة لتصدير الغاز الطبيعي والمنتجات البتروكيماوية والنفط الخام ومكثفات الغاز وكسب المزيد من المال.
في المقابل، قد يكون هذا الإجراء حيلة للتغلب على العقوبات، أو جزءًا من خطة أكبر لزيادة قوّتها في سوق الطاقة العالمية ومواجهة المنافسين الجيوسياسيين.
وكثيرًا ما قال المسؤولون الإيرانيون، إن القدرة على إنتاج 4 ملايين برميل من النفط الإيراني يوميًا سوف تتحقق قريبًا خلال السنوات الـ10 الماضية.
وقد عززت إعلانات توسعة حقول النفط الإيرانية وتحديث البنية الأساسية للإنتاج وزيادة الاستثمار في الصناعة هذه التصريحات.
الفشل في تحقيق الأهداف
بحلول أغسطس/آب 2024، لم تحقق إيران أهدافها في زيادة إنتاج النفط والغاز، على الرغم من الضمانات والتصريحات الرسمية.
ويرجع هذا إلى أسباب عديدة، بما في ذلك العقوبات الدولية المستمرة، والتكنولوجيا القديمة، وندرة الاستثمار الأجنبي، والصعوبات اللوجستية.
ويثير التناقض بين مستويات الإنتاج المعلنة والحقيقية شكوكًا حول فعالية سياسة الطاقة الإيرانية، وقدرتها على التغلب على الحواجز الرئيسة التي تحدّ من إنتاجها النفطي.
من ناحيته، أكد وزير النفط الإيراني، محسن باكنجاد، في جلسة برلمانية، الأهمية الكبيرة لقطاع النفط في الاقتصاد الإيراني.
وعلى الرغم من العقوبات القاسية، فقد أرجع وزير النفط أهمية القطاع إلى كفاءة المتخصصين فيه والتزامهم.
وقد يكون لهذا الاهتمام دلالات أكثر مما تشير إليه القصة الرسمية، بالنظر إلى الطبيعة الطموحة لأهداف إنتاج إيران والعقبات اللوجستية والمالية والعلمية الكبيرة التي تواجهها.
وتنطوي هذه الخطوة على تداعيات غير واضحة أوسع نطاقًا، ما يؤكد الطبيعة المعقّدة لسياسات الطاقة الدولية وحلفاء إيران المحتملين.
ومن المتوقع زيادة قدرها 0.4 مليون برميل يوميًا في إنتاج النفط العالمي عام 2024، ويرجع ذلك في الغالب إلى النمو في الولايات المتحدة وغايانا وكندا والبرازيل.
وستُعَوَّض تخفيضات إنتاج تحالف أوبك+، التي يُتوقع أن تخفض الإنتاج بمقدار 1.0 مليون برميل يوميًا في عام 2024، قبل أن تزيد بمقدار 0.9 مليون برميل يوميًا في عام 2025، عندما تنتهي التخفيضات الحالية، إلى حدّ ما بسبب هذا النمو.
تحديات تواجه قدرة إنتاج النفط الإيراني
سيواجه وزير النفط الإيراني، محسن باكنجاد، صعوبة بالغة في تحقيق هدفه المتمثل بإنتاج 400 ألف برميل من النفط يوميًا.
وتتمثل العقبة الرئيسة في النطاق الواسع من العقوبات الدولية، خصوصًا تلك التي فرضتها الولايات المتحدة، التي تحدّ بصورة كبيرة من قدرة إيران على التعامل مع الأسواق الدولية وتصدير النفط.
وتعمل هذه القيود على تقييد كمية النفط المنتجة، وتثبّط الاستثمار الأجنبي، ونقل التكنولوجيات الحيوية اللازمة لتحسين الإنتاج.
نتيجة لهذا، تعاني إيران من البنية الأساسية القديمة والوصول المحدود إلى التقنيات المتطورة، ما يعوق محاولات زيادة كفاءة التصنيع.
على صعيد آخر، يؤدي نقص الغاز الطبيعي -وهو أمر ضروري لإجراءات إنتاج النفط، مثل تحسين أساليب استخراج النفط- إلى تفاقم هذه المشكلات.
وقد يجعل هذا النقص من الصعب على إيران الحفاظ على إنتاجها النفطي وزيادته.
من جهة ثانية، فإن إيران معرّضة للصدمات الخارجية، مثل تغير أسعار النفط وتأثيرات العقوبات، بسبب اعتمادها الكبير على دخل النفط، التي تزداد سوءًا بسبب التضخم الداخلي والقيود الميزانية.
ويتعين على البلاد أن توازن بين احتياجاتها الداخلية من الطاقة ومتطلبات التصدير، حيث تواجه الصادرات رخيصة الثمن من دول مثل روسيا في سوق النفط العالمية، منافسة قوية.
ويزداد نهج إيران في توليد الكهرباء تعقيدًا بسبب القضايا البيئية، بما في ذلك الجفاف الشديد والآثار واسعة النطاق لتغير المناخ.
وتشكّل المخاوف الجيوسياسية عقبات جديرة بالملاحظة، وكثيرًا ما تتأثر طرق نقل النفط الإيراني بالتوترات والحروب الإقليمية، خصوصًا عندما تمر عبر نقاط اختناق حاسمة، مثل مضيق هرمز.
وقد تعاني قدرات الإنتاج والتصدير من الاضطرابات في هذه المناطق.
ويمكن أن تعرقل الإجراءات السياسية الداخلية والمشكلات المتعلقة بالإدارة الاقتصادية التخطيط الإستراتيجي طويل الأجل، الأمر الذي قد يؤدي إلى تنفيذ غير متكافئ للسياسات.
وقد تتعقد الجهود الرامية إلى زيادة قدرة إنتاج النفط، بسبب تقلّب السياسات والأهداف الناجمة عن تفاعل العوامل الداخلية والخارجية.
تأثير العقوبات في صناعة النفط الإيرانية
عاقت العقوبات بصورة كبيرة الاستثمار والتكنولوجيا، ما أثّر في قدرة إيران على إنتاج النفط.
لهذا، تجب ترقية البنية الأساسية للنفط في إيران، ولكن الوصول إلى تكنولوجيا الاستخراج والتكرير الحالية مقيّد.
وهذا يعرّض تكاليف الإنتاج وكفاءة التشغيل للخطر، لأن قدرة الحكومة على الاستثمار في صناعة النفط مقيّدة بالعقوبات الاقتصادية، ما قد يؤدي إلى نقص الاستثمار في الاستكشاف والتطوير.
وقد يعوق هذا نمو العمليات الحالية والعثور على مكامن جديدة، لذلك، تضطر إيران، بسبب العقوبات، إلى بيع النفط لمجموعة صغيرة من العملاء بسعر مخفض، ما يقلل من الربحية وحصة السوق.
وقد ينتج عن هذا الظرف تحرّك متعمد نحو المزيد من الاستهلاك المحلي، ومن ثم خفض أولوية التصنيع القائم على التصدير.
وتواجه صناعة النفط الإيرانية حالة من عدم الاستقرار بسبب التوترات الجيوسياسية مع الدول الغربية، التي قد تدفع إيران إلى تكوين علاقات أكبر مع الدول غير الغربية للتهرب من العقوبات.
ولتقليص اعتمادها على النفط، قد تنظر إيران في خيارات أخرى، مثل زيادة إنتاجها من البتروكيماويات أو تنويع اقتصادها.
من ناحية ثانية، تتطلب هذه الإصلاحات استثمارات كبيرة وتعديلات سياسية، وقد تبحث إيران عن تحالفات وأسواق طاقة جديدة بمعزل عن الغرب، إذا استمرت العقوبات والعزلة الاقتصادية.
وقد يكون تعزيز العلاقات مع الدول في آسيا والجنوب العالمي الأوسع نطاقًا -التي قد تكون أكثر انفتاحًا على التعاون مع إيران بالرغم من العقوبات الدولية- جزءًا من هذا المسعى للتنويع.
من جهتها، ستحدد قدرة الشركاء الجدد على توفير رأس المال والتكنولوجيا اللازمة لمساعدة قطاع الطاقة الإيراني، مدى نجاح هذه الجهود.
وسيواجه قطاع النفط الإيراني تحديات كبيرة في السنوات المقبلة، لدى التعامل مع تقلبات سوق الطاقة العالمية، وفي ظل الاعتبارات الجيوسياسية والاقتصادية المعقّدة.
استثمارات صناعة النفط الإيرانية
يواجه قطاع النفط الإيراني مطالب مالية كبيرة لتحسين مستويات إنتاجه والحفاظ عليها.
وهناك حاجة إلى ما يقرب من 150 مليار دولار لتلبية هذه الأهداف، التي تشمل تطوير حقول جديدة، وتحديث البنية التحتية القائمة، والحصول على أحدث التقنيات.
ويشكّل هذا التمويل جزءًا من إستراتيجية أكبر بقيمة 275 مليار دولار تهدف إلى تعزيز إنتاج النفط والغاز على مدى السنوات الـ17 المقبلة.
وتسلّط خطة إيران الضوء على الحاجة الملحّة للاستثمار الشامل لترقية القطاع وتأمين مستقبله في مواجهة اتجاهات الطاقة العالمية المتغيرة والتحديات المحلية.
حتى الآن، استثمرت الحكومة الإيرانية نحو 600 مليون دولار لزيادة إنتاج النفط إلى 3.6 مليون برميل يوميًا.
ولا يمثّل هذا الإنفاق الأولي سوى جزء صغير من الإجمالي المطلوب.
وتتطلع إيران إلى تأمين 3 مليارات دولار إضافية لتحقيق هدفها المتمثل في 4 ملايين برميل يوميًا بحلول عام 2025.
وسيُوَجَّه هذا التمويل الإضافي نحو مشروعات حيوية، مثل التقدم التكنولوجي، وجهود الاستكشاف، وترقية البنية التحتية.
إلى جانب ذلك، فإن تحقيق أهداف الاستثمار الإجمالية سوف يتطلب المزيد من رأس المال الكبير والتعاون الإستراتيجي.
إستراتيجيات الاستثمار المستقبلية
ستحتاج إيران إلى دراسة مجموعة من أساليب الاستثمار من أجل سدّ العجز في الموازنة.
وقد يكون أحد هذه الأساليب تقديم الحوافز للقطاع الخاص، سواء على المستوى المحلي أو الدولي، لتقاسم العبء المالي وتوفير المعرفة والإبداع.
وقد تنشئ إيران مشروعات مشتركة مع شركات دولية، من أجل الاستفادة من مواردها وخبراتها التكنولوجية، ومن خلال الحدّ من المخاطر المرتبطة بالصناعة، قد يساعد تعزيز الشفافية المالية والتشغيلية في جذب استثمارات جديدة.
ويتعين على إيران أن تراعي متطلبات الاستثمار هذه إذا كانت راغبة في تحقيق أهدافها الإنتاجية والحفاظ على مكانتها في سوق النفط العالمية بمواجهة الاضطرابات الجيوسياسية والاقتصادية المستمرة.
التحديات والاعتبارات الإستراتيجية
توجد عوائق كبيرة أمام قدرة إيران على إنتاج النفط، مثل صعوبات البنية الأساسية، والقيود التكنولوجية، والعقوبات الدولية.
وقد تعطلت قدرة إيران على التفاعل مع الأسواق العالمية، وجذب الاستثمارات الأجنبية بشدة، بسبب العقوبات الثقيلة التي فرضتها الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية.
وتتفاقم هذه القضايا بسبب البنية الأساسية القديمة في البلاد، والوصول المحدود إلى التكنولوجيا المتطورة، في حين أصبحت محاولات زيادة الإنتاج أكثر صعوبة، بسبب نقص الغاز الطبيعي.
وتزداد سياسة الطاقة الإيرانية تعقيدًا بسبب القيود المالية، والتضخم الداخلي، والضغوط الاقتصادية الناجمة عن تحول أسعار النفط.
تعوق العقوبات قدرة إيران على التحديث والتطوير في صناعة النفط، ما يرفع الأسعار، ويقلل الكفاءة، بسبب الوصول المحدود إلى التكنولوجيا المتطورة.
إضافة إلى ذلك، فإن تصدير النفط بخصم يقلل من الربحية والحصة السوقية، ما قد يدفع إيران إلى إعادة التركيز على الاستهلاك المحلي والتحالفات الجديدة في مجال الطاقة بدلًا من الأسواق الغربية الراسخة.
ومن المرجح أن تتضمن خطة إيران للتعامل مع هذه القضايا البحث عن تحالفات جديدة، والاستثمار في الطاقة البديلة، وتحسين كفاءة استعمال الطاقة في الداخل.
إزاء ذلك، تحتاج إيران إلى تحقيق التوازن بين هذه المبادرات والاضطرابات الجيوسياسية والقيود الاقتصادية من أجل زيادة إنتاج النفط والحفاظ على مكانتها في سوق الطاقة العالمية.
الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب “دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001”.
* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..