تؤدّي مصارف الكربون الطبيعية، مثل الغابات والمحيطات والأراضي الرطبة والتربة، دورًا مهمًا في استقرار حرارة كوكب الأرض.. لكن هل ستستمر فاعلية هذا الدور مع تنامي ظاهرة الاحتباس الحراري؟

للإجابة عن هذا التساؤل، أجرى الباحثون بقسم الفيزياء في جامعة أكسفورد البريطانية دراسة حديثة حول دور تلك المصارف الطبيعية في مكافحة تغير المناخ، حسب تقرير اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).

وتمخّضت الدراسة عن نتائج؛ أبرزها التحذير من أن الاعتماد على مصارف الكربون الطبيعية للتعويض عن انبعاثات الوقود الأحفوري لن يوقف الاحتباس الحراري العالمي.

وبدلًا من ذلك، يؤكد الباحثون الحاجة إلى إستراتيجية أكثر قوة تتمثل في الحياد الكربوني الجيولوجي.

لمحة عن مصارف الكربون الطبيعية

تُعد مصارف الكربون الطبيعية أنظمة بيئية تمتص ثاني أكسيد الكربون أكثر مما تطلقه؛ ما يساعد في تنظيم مناخ الأرض.

وتمثل الغابات والمحيطات والأراضي الرطبة والتربة الجهات الفاعلة الرئيسة في هذه العملية، حيث تسحب ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي من خلال التفاعلات البيولوجية والكيميائية، بحسب ما نشرته شبكة إنوفيشن نيوز نتوورك (Innovation News Network)، المعنية بأخبار العلوم والابتكارات.

على سبيل المثال: تحجز الأشجار الكربونَ في أثناء عملية التمثيل الضوئي، في حين تذيب المحيطات ثاني أكسيد الكربون في مياهها.

وعلى الرغم من أن هذه المصارف الكربونية الطبيعية تساعد في التخفيف من تغير المناخ؛ فإن قدرتها محدودة، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).

من جهة أخرى، تقلل عوامل، مثل إزالة الغابات وتدهور الأراضي وارتفاع درجات حرارة المحيطات، من فاعليتها.

تجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن لمصارف الكربون هذه التعويض عن الانبعاثات المستمرة واسعة النطاق من الأنشطة البشرية؛ ما يجعلها حلًا غير كافٍ في حد ذاتها.

تصوّر “مضلّل” للعمل المناخي

استبعد مفهوم الحياد الكربوني، الذي ظهر منذ أكثر من 15 عامًا، مصارف الكربون الطبيعية من تعريفه لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن الإنسان.

رغم ذلك؛ فغالبًا ما تعتمد الحكومات والشركات على هذه المصارف لتعويض استعمال الوقود الأحفوري؛ ما يوجِد تصورًا مضللًا للتقدم المناخي.

وسلطت الدراسة الضوء على قضية بالغة الأهمية في قواعد المحاسبة الحالية للانبعاثات: فهي تساوي بين انبعاثات الوقود الأحفوري والانخفاض الطبيعي لثاني أكسيد الكربون.

وهذا يسمح للدول أو الشركات بالمطالبة بالحياد الكربوني مع الاستمرار في الإسهام بالاحتباس الحراري المستمر.

على سبيل المثال: قد تعتمد دولة ما بشكل كبير على الغابات لموازنة انبعاثاتها، متجاهلة أن مصارف الكربون الطبيعية هذه تخزن الكربون مؤقتًا فقط، وهي عرضة للتدهور.

وأوضح الباحث لدى مركز سيسرو لأبحاث المناخ الدولية، الدكتور غلين بيترز، وهو أحد المشاركين في الدراسة: “تُبلّغ البلدان عن الانبعاثات وعمليات الإزالة، ولكن استعمال جميع عمليات الإزالة في أهداف المناخ يمثل وصفة للاستمرار في الاحتباس الحراري”.

وأضاف: “تقوم مصارف الكربون الطبيعية، حاليًا، بتنظيف نحو نصف انبعاثاتنا السنوية مجانًا، ولكن يجب إبقاء هذه الخدمة البيئية منفصلة عن انبعاثات الوقود الأحفوري التي تدفع تغير المناخ.. إعادة تسمية الأشياء لن توقف الاحتباس الحراري العالمي”.

رجال الإطفاء يكافحون حرائق الغابات بمقاطعة بريتيش كولومبيا في كندا – الصورة من الغارديان البريطانية

حالة الحياد الكربوني الجيولوجي

يميّز الباحثون بشكل أوضح بين تخفيضات الانبعاثات والاعتماد على مصارف الكربون الطبيعية، ويقترحون حل “الحياد الكربوني الجيولوجي”، الذي يتضمن تخزين طن واحد من ثاني أكسيد الكربون بشكل دائم في التكوينات الجيولوجية لكل طن ينبعث.

ويعالج هذا النهج انبعاثات الوقود الأحفوري بشكل مباشر ويمنعها من البقاء في الغلاف الجوي.

وفي الوقت نفسه، يرى الباحثون أن تحقيق الحياد الكربوني الجيولوجي ليس بالأمر الهين؛ لأنه يتطلب استثمارًا كبيرًا في تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه، والأهم من ذلك، خفضًا كبيرًا في استعمال الوقود الأحفوري.

وفي غياب هذا التحول، يقع العبء على عاتق مصارف الكربون الطبيعية؛ ما يعرّض الكوكب للخطر.

وأضاف البروفيسور مايلز ألين من قسم الفيزياء بجامعة أكسفورد، الذي أشرف على الدراسة: “نحن نعتمد، حاليًا، على الغابات والمحيطات لامتصاص انبعاثاتنا السابقة، التي جاء معظمها من حرق الأشياء التي استخرجناها من الأرض”.

وأردف: “لا يمكننا أن نتوقع منها تعويض الانبعاثات المستقبلية. وبحلول منتصف القرن، سيتعين على أي كربون ما يزال ينبعث من الأرض العودة إلى التخزين الدائم. وهذا هو الحياد الكربوني الجيولوجي”.

غابة حوض الكونغو الاستوائية تسهم في إزالة كمية من ثاني أكسيد الكربون
غابة حوض الكونغو الاستوائية تسهم في إزالة كمية من ثاني أكسيد الكربون – الصورة من الغارديان البريطانية

حماية مصارف الكربون الطبيعية

على الرغم من أن مصارف الكربون الطبيعية لا يمكنها حل مشكلة الاحتباس الحراري العالمي بمفردها؛ فإن حمايتها ضرورية.

وتضمن مبادرات حماية الغابات والإدارة المستدامة للأراضي وسلامة المحيطات استمرار هذه النظم البيئية في امتصاص ثاني أكسيد الكربون وتخفيف تأثيرات المناخ.

وتشير الدراسة إلى المسؤولية الأخلاقية التي تقع على عاتق البلدان ذات الانبعاثات العالية للاعتراف بمساهماتها التاريخية في ذلك واعتمادها على المصارف الطبيعية العالمية.

الخلاصة..

  • مصارف الكربون الطبيعية أنظمة بيئية تمتص ثاني أكسيد الكربون أكثر مما تطلقه؛ ما يساعد في تنظيم مناخ الأرض.
  • هناك عوامل -مثل إزالة الغابات وتدهور الأراضي وارتفاع درجات حرارة المحيطات- تقلّل من فاعلية تلك المصارف.
  • غالبًا ما تعتمد الحكومات والشركات على مصارف الكربون الطبيعية لتعويض استعمال الوقود الأحفوري.
  • مصارف الكربون الطبيعية تخزّن الكربون مؤقتًا فقط، وهي عرضة للتدهور.

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.

رابط المصدر

شاركها.