بينما كان مواطنو الولايات المتحدة يستخدمون بطاقاتهم الائتمانية، ويأخذون قروضا كبيرة، ويتقدمون بطلبات على قروض عقارية ضخمة أثناء الجائحة، كانت حكومة الولايات المتحدة تفعل الأمر نفسه مع محفزات كوفيد-19 وكانت التداعيات المحتملة لهذا التراكم بعيدة كل البعد عن الأذهان.
لكن الضجة الأخيرة بشأن الدين العام تشير إلى أن الولايات المتحدة قد تصبح مقتصدة أكثر، وربما تشابه أوروبا بعض الشيء. فقد دقت أصوات رئيسة في عالم التمويل في البلاد، مثل جيمي ديمون وجيروم باول، ناقوس الخطر بشأن مستويات الدين العام الضخمة.
مرت حكومة الولايات المتحدة بموجة ديون منذ بداية جائحة كوفيد-19، حيث أدى تحفيز كوفيد خلال إدارة ترمب الذي بلغت قيمته 2.2 تريليون دولار، وقانون الرئيس جو بايدن للحد من التضخم، إلى رفع الدين الوطني إلى مستويات قياسية.
في آخر إحصاء كانت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة 121 %. يعني الرقم المذهل البالغ 33.1 تريليون دولار أن كل أمريكي مدين بما يصل إلى 100 ألف دولار.
وبحسب فورتشن، فإنه مع ارتفاع أسعار الفائدة، بدأ هذا الرقم المرتفع بشكل غير مألوف بإخافة المحللين، إذ يخشى نسيم نيكولاس طالب، الذي تنبأ بشكل صحيح بأزمة 2008 المالية، من أن تصبح الديون سببا لأزمة أكثر قابلية للتنبؤ بالنسبة للحكومة الأمريكية.
قبل جائحة كوفيد-19 وفي أيامها الأولى، كانت أسعار الفائدة المنخفضة تاريخيا تعني أن الحكومات تستفيد بفاعلية من الأموال المجانية.
وتزامن ذلك في الولايات المتحدة مع عوامل تاريخية مثل دولار قوي، ومحرك نمو اقتصادي قوي، وطلب مستمر على سندات البلاد ما طمأن صناع السياسات بأن الديون يمكن سدادها دائما. لكن الأمور لم تعد كما كانت، لأن معظم البلدان تتعامل مع آثار موجة الإنفاق العام الضخمة خلال الجائحة التي يتبعها الآن التحدي المتمثل في السداد وسط ارتفاع أسعار الفائدة.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، أرسل صندوق النقد الدولي تحذيرا إلى المملكة المتحدة بشأن ملف ديونها، سلط فيه الضوء عليها وعلى إيطاليا ضمن أربعة اقتصادات كبيرة “تحتاج بشدة إلى اتخاذ إجراءات سياسية لمعالجة الاختلالات الأساسية بين الإنفاق والإيرادات”.
من ناحية أخرى، ظهر منافس حقيقي للدولار، في أعقاب النفوذ المتزايد لكتلة بريكس، الأمر الذي أدى إلى زيادة احتمالات “التخلي عن الدولار”.
قد يمثل ذلك أيضا تحولا ثقافيا غير متوقع في كيفية رؤية الولايات المتحدة للاستدانة، وهذا التغير في المنظور قد يؤدي إلى زيادة تشابه الأمريكيين بالأوروبيين.
عادة ما كان مواطنو الولايات المتحدة مرتاحين مع الديون، على الأقل في القطاع الخاص. وفي 2021، كان أكثر من ثلثي الأشخاص في البلاد يمتلكون بطاقة ائتمان، مقارنة بنحو 38 % في فرنسا، مثلا.
لكن الاتجاهات انعكست منذ بداية الأزمة المالية. ففي الولايات المتحدة، انخفض الدين الخاص كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي من 99 % في 2007 إلى 74 % في 2022، وفقا لبيانات صندوق النقد الدولي، بينما قفز في فرنسا من نحو 46 % إلى 68 %.
وكانت عديد من الحكومات الأوروبية أكثر تشددا تاريخيا بشأن مستويات الديون الشخصية والعامة فيها. فألمانيا مثلا تطبق قاعدة مالية دستورية تحد من العجز حيث لا يتجاوز 0.35 % من الناتج المحلي الإجمالي سنويا. وتلتزم دول منطقة اليورو أيضا بقواعد أكثر صرامة بشأن الديون. كما زاد حرص المواطنين في جميع أنحاء القارة فيما يتعلق بشؤونهم المالية.
وجد استطلاع أجراه مركز بيو عام 2015 أن هناك أيضا تحولا بين الأجيال في كيفية نظر الأمريكيين إلى الديون. أظهر الاستطلاع أن 70 % من جيل طفرة مواليد ما بعد الحرب العالمية ينظرون إلى القروض وبطاقات الائتمان على أنها تعزز الفرص، في حين يشعر 60 % من جيل الألفية بالشيء نفسه.